معاناة مستمرة لأهالي المفقودين بسجون “تنظيم الدولة” مع انتهاء “الخلافة”
إثر إعلان انهيار “خلافة” تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، هرع عبد السلام محمد إلى القوات الكردية، آملاً أن تكون وجدت ابنه الذي أوقفه التنظيم قبل أكثر من خمس سنوات لم يسمع خلالها شيئاً عنه.
في قرية شيران الكردية القريبة من مدينة عين العرب “كوباني” شمالاً، يعاني العديد من العائلات من فقدان قريب لم يعد إلى المنزل بعد توقيفه من جانب التنظيم المتطرف الذي أثار الرعب ونفّذ الكثير من الأعمال الوحشية والإعدامات في مناطق سيطرته.
ويقول عبد السلام بينما يجلس في باحة منزله لوكالة “فرانس برس”: “حين انتهت الباغوز، قلنا إنه سيأتي. لكنه حتى الآن لم يعد”.
وأوقف حاجز تابع للتنظيم ابنه محمد في 18 شباط/فبراير 2014، وكان يبلغ حينها 19 عاماً، أثناء توجهه مع 150 شخصاً آخرين إلى العراق، آملاً بالعمل هناك.
واقتاد التنظيم المجموعة إلى سجن في مدينة الرقة التي شكّلت أبرز معاقله في سوريا، وبعد تسعة أشهر، أطلق سراح نصف المخطوفين تقريباً، إلا أن محمد لم يكن بينهم.
ويوضح عبد السلام “حتى الآن لم نسمع عنه شيئاً على الإطلاق”.
وسيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” السبت على بلدة الباغوز بالكامل، معلنة القضاء على “خلافة” التنظيم التي أعلنت في العام 2014 على مناطق شاسعة سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق المجاور.
وإثر هذا الاعلان، توجه وفد من أهالي شيران إلى مقر لـ”الإدارة الذاتية” التابعة لميليشيا “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي في مدينة كوباني القريبة للاستعلام عن مصير أبنائهم المخطوفين، وفق عبد السلام، وجاءهم الجواب “لا معلومات لدينا”.
في هذه القرية الغنية بسهولها الخضراء وحقول الزيتون، بات الشعور بالألم والحسرة لفقدان أحباء يرافق عائلات كثيرة. ويكاد يتكرر سماع المعاناة ذاتها في كل منزل في القرية حيث يمكن مشاهدة أطفال يلهون بلعب كرة القدم في أحيائها.
“أصعب من الموت”
ويقول عبد السلام بينما ينفث دخان سيجارته “عندما يموت أحدهم، تعرف أنه قد رحل، لكن هذا الأمر أصعب بكثير من الموت”.
و اتُهم التنظيم المتطرف بخطف الآلاف من الأشخاص منذ تصاعد نفوذه في العام 2014، وفق ما يؤكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” ومنظمات حقوقية، وبين المخطوفين أو المفقودين العديد من الرهائن الأجانب كالصحافي البريطاني جون كانتلي و الكاهن اليسوعي الإيطالي باولو دالوليو.
وعلى وقع احتدام المعارك ضد التنظيم في شرق سوريا، أشارت منظمات غير حكومية ووسائل إعلام ومتحدث باسم “قوات سوريا الديمقراطية” إلى آمال ضئيلة بإمكانية العثور على عدد من المخطوفين.
وحتى اليوم، لم يتم تأكيد أي من تلك المعلومات، فيما أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” “تحرير” عشرات من مقاتليها كان “تنظيم الدولة” أسرهم خلال المعارك أو في وقت سابق.
ويقول مدير برنامج مكافحة الإرهاب في منظمة “هيومن رايتس ووتش” نديم حوري لوكالة “فرانس برس” إنه من الضروري “إنشاء لجنة تحقيق حول مصير المفقودين”.
ويقرّ بأن “بناء آلياتها وتقديم أجوبة قد يتطلب بعض الوقت”، لكن في الوقت ذاته “من حقّ العائلات معرفة ماذا حلّ بأقربائهم”.
ومنذ طرد التنظيم من معاقله في الرقة ودير الزور، تم العثور على العديد من المقابر الجماعية التي تضم رفات الآلاف من الضحايا.
وطالبت “هيومن رايتس ووتش” مرات عدة المجتمع الدولي بتقديم الدعم التقني اللازم للفرق المحلية التي تعمل على اكتشاف هذه المقابر وانتشال الجثث منها لمساعدتها على تحديد هوية أصحابها، خصوصاً عبر فحوص الحمض النووي. ويعدّ هذا المسار حاسماً حتى تتمكن العائلات من معرفة مصير أبنائها.
“أمل” ضئيل
وينتظر عدنان ابراهيم بدوره معرفة مصير شقيقه الأصغر حكمت العامل في حفر آبار المياه.
وفقدت العائلة أي أثر له بعدما خطفه عناصر التنظيم المتطرف أثناء مروره على أحد حواجزهم في أيار/مايو 2014 قرب مدينة منبج في شمال سوريا. وكان عمره حينها 28 عاماً.
ويروي عدنان “في كل مرة يخرج أحدهم من (سجن) داعش، نذهب لزيارته علّنا نعرف شيئاً”.
ويضيف بحسرة “حتى الآن لدينا أمل، لكن من الصعب أن يكون على قيد الحياة وليس بمقدورنا أن نفعل شيئاً”.
في فناء المنزل المطلية جدرانه باللون الأزرق، تجثو والدة حكمت على ركبتيها وهي تؤدي الصلاة مرتدية حجاباً أبيض اللون يظهر تجاعيد وجهها الحزين وعباءة مزركشة فوقها سترة من الصوف.
وبعد خطف ابنها، توجهت مرتين إلى مدينة منبج التي بقيت تحت سيطرة التنظيم حتى صيف العام 2016، مطالبة بإطلاق سراحه رغم أنها لا تتكلم إلا الكردية. وفي المرتين، لم تنجح في مهمتها وطردها التنظيم من المدينة.
بالكاد تقوى هذه السيدة المسنّة بعد إنهاء صلاتها على النهوض وتتوجه لإحضار صورة لابنها خلال أدائه الخدمة العسكرية. تتسمّر أمام الصورة وتتأملها بعينين دامعتين. ويبدو حكمت فيها بزيّه العسكري مع شاربين رفيعين ونظرتين متقدتين.
المصدر: السورية