مع غياب اهتمام القائمين على مخيمات إدلب… بندقية روسية تنهي حياة رجل ثري نزح بفعل القصف الروسي وغياب المنظمات أنهى حياة طفلة في أشهرها الأولى

57

تتواصل معاناة السوريين الهاربين من أتون الحرب المتصاعدة، في ظل مواصلة أطراف النزاع عملياتها العسكرية، حيث يعاني النازحون من ريف محافظة حماة الشرقي، جراء الاقتحام العسكري من قوات النظام والمسلحين الموالين لها في أواخر العام 2017، والقاطنين حالياً في مخيمات منتشرة في عدة مناطق بريف محافظة إدلب الجنوبي والشمالي أوضاعاً مأساوية، في ظل دخول فصل الشتاء ببرده القارس لهذا العام، إذ تتمثل هذه المعاناة بعدة نواحي منها انجراف الخيام المشيدة بوسائل بدائية، وبمناطق منحدرة نتيجة السيول والفيضانات التي تحدث، إضافة للنقص الحاد في المواد الغذائية، في ظل عدم تقديم المنظمات الإغاثية أدنى مقومات الحياة الأساسية لها، كذلك عدم توافر المياه النظيفة والصالحة للشرب والكهرباء، بالإضافة للواقع الصحي المزري والتعليمي، وغيرها الكثير من الحاجات الملحة لقاطني هذه المخيمات.

تقع نسبة كبيرة من هذه المخيمات في ريف محافظة إدلب الجنوبي، وعلى وجه التحديد في ريف مدينة معرة النعمان، حيث يتواجد فيه 13 مخيماً عشوائي يقطنها الآلاف من النازحين من ريف محافظة حماة الشرقي، أيضاً يوجد العديد من هذه المخيمات شمال محافظة إدلب، خصوصاً بالقرب من بلدة قاح، وتعاني جميع هذه المخيمات ظروفا مأساوية متشابهة من حيث التهميش الكامل وعدم وصول مساعدات إلا بكميات قليلة وفي فترات متقطعة، لا تكاد تسد الرمق، حتى وصل الحال في الآونة الأخيرة إلى حدود لا تطاق من قبل القاطنين في هذه المخيمات.

ونتيجة لهذه الأوضاع وما آلت إليه أحوال القاطنين فيها والذين خرجوا من بيوتهم دون اصطحاب أي شي يعينهم في حياتهم، وعدم تمكنهم من سد رمق عائلاتهم، ناهيك عن الوضع النفسي الذي يعانيه القاطنون من ضغوط ممارسة عليهم في جميع الاتجاهات، وعلى جميع الصعد، فقد رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، حالة انتحار رجل في الأربعينات من عمره بمخيم الناعورة في ريف مدينة معرة النعمان جنوب محافظة إدلب، حيث كانت أوضاعه المادية حرجة ومعدومة، بالإضافة لعدم قدرته على إعالة أسرته المكونة من أفراد وتقديم أدنى مستوى من أساسيات الحياة، حيث أكدت المصادر الموثوقة للمرصد السوري أن الرجل هو “موسى علي العليوي”، من مواليد قرية الجدوعيات في ريف محافظة حماة الشرقي 1975، وهو أحد النازحين في مخيم الناعورة في ريف مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، وصل به الحال أخيراً إلى قيامه بالإنتحار، وذلك بإطلاق النار على نفسه نتيجة حالته المعيشية الصعبة، وفي شهادة مع أحد أقاربه قال للمرصد السوري لحقوق الإنسان بأن موسى علي العليوي، متزوج ولديه 8 أطفال، عرف سابقاً قبل نزوحه من قريته الجدوعيات، بحالته المادية الجيدة، فقد كان يملك المئات من رؤوس الأغنام والأراضي الزراعية، ولكنه كغيره من النازحين أجبر على ترك كل ما يملك والهروب من القصف العنيف، الذي تعرضت له المنطقة أواخر العام الفائت من قبل الطيران الحربي الروسي وطيران النظام، بالإضافة لتقدم وسيطرة قوات النظام والمسلحين الموالين لها على المنطقة بشكل كامل، وحطت به الرحل في مخيم الناعورة بالقرب من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، هذا المخيم ومعه 12 مخيم آخر تتبع لإدارة شؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ السورية، تعاني منذ بداية وجود النازحين فيها، من حالة مأساوية وصعبة للغاية وتزداد صعوبة في فصل الشتاء مع بدء السيول والإنجراف للخيم وغرقها بمياه الأمطار الغزيرة، فضلاً عن النقص الكبير في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والجانب التعليمي، وصعوبة التنقل بين الخيم بسبب أرضية المخيمات الطينية وعدم وجود طرقات تصل المخيمات بخارجها والكثير من الصعوبات، لم تلتفت إدارة شؤون المهجرين لكل هذا وبقيت لحد هذه اللحظة في وضع صامت، وهي تراقب الأوضاع وهي تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، دون أي تحرك فعلي لتحسين الوضع المعيشي فيها، إذ أن موسى -المعيل لأسرة كبيرة، لم يستطع تمالك نفسه بعد كل هذا العناء والحياة الصعبة في هذا المخيم، ولم يعد بمقدوره إعالة أسرته وتلبية حاجات أطفاله الكثيرة من لباس وغذاء، دخل في أيامه الأخيرة في حالة نفسية صعبة، فقد كان دائماً ما يجلس بمفرده مفكراً في أوضاعه وأوضاع أقرانه من نازحي هذه المخيمات، فقرر في نهاية الأمر الانتحار، هذه الحادثة وقعت صباحاً بتاريخ 4 كانون الأول /ديسمبر، حيث استغل عدم وجود أحد في الخيمة، وغياب زوجته التي ذهبت لشراء الخبز، وتوجه أطفاله إلى خيمة تعليمية يتم فيها التدريس من قبل أحد المدرسين المتطوعين في المخيم، ليقوم بإخراج بندقيته الخاصة وهي من نوع كلاشنكوف (روسية)، ويطلق النار على نفسه وتحديداُ في منطقة تحت الحنك السفلي، فسمع والده الذي يقطن في خيمة مجاورة صوت إطلاق النار، فقصد الخيمة مسرعاً ليجد موسى ممدداً على الأرض، ومضرجاً بالدماء، وقد تفجرت جمجمة رأسه، كما أن المصادر ذاتها وصفت الحادثة بـ “المؤلمة حقاً والمفجعة”، فقام قام ذووه بدفنه في مقبرة بالقرب من المخيم، أما عائلته فقد كان مصيرها العيش مع شقيق والدهم، والغريب في الأمر أن هذه الحادثة لم تلفت انتباه المسؤولين عن المخيم، ولم تحظى باهتمام المؤسسات الخيرية إذ أن العائلة لم تتلق لحد الآن أي مساعدة من قبل أي جهة كانت، ما أثار استياء وسخط النازحين ومن سمع بالحادثة

وعلى صعيد متصل في ظل الظروف الإنسانية الشبه معدومة في هذه المخيمات، تم تسجيل حالة وفاة طفلة رضيعة في مخيم النصر، الواقع بالقرب من بلدة قاح شمال محافظة إدلب، عقب معاناة طويلة مع سوء التغذية نتيجة نفاذ حليب والدتها، جراء الأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة والدها على شراء حليب الأطفال لها، بسبب أوضاعه المادية المتردية، إذ أن الطفلة مريم ياسين الحسين، والبالغة من عمرها 7 أشهر، يقطن والدها في مخيم النصر بالقرب من بلدة قاح شمال محافظة إدلب، عانت منذ ولادتها من سوء تغذية بعد نفاذ الحليب من والدتها، وعدم مقدرة والدها على شراء حليب الأطفال لها، ففارقت الحياة بعد صراع لمدة شهور مع المرض، وتلقيها بعض العلاج في ظل سوء الخدمات الصحية في المخيم، وفي شهادة مع أحد أقاربها قال للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن مريم هي طفلة من ضمن أسرة فقيرة وأخت لـ 7 آخرين، يقطن والدها البالغ من العمر 41 عاماً في مخيم النصر بالقرب من بلدة قاح شمال محافظة إدلب، نزح من قريته الربدة من ريف محافظة حماة الشرقي مع آلاف آخرين في أواخر العام الفائت 2017،ولدت مريم في المخيم وما هو إلا شهران بعد ولادتها، حتى أصيبت والدتها بجفاف في الحليب، وبدأت تتدهور حالة الطفلة يوماُ بعد الآخر، نتيجة نقص الغذاء فقام والدها بأخذها إلى أحد الأطباء في بلدة أطمة الحدودية، وبعد الكشف عن حالتها تبين أنها تعاني من سوء تغذية حاد وتحتاج بشكل سريع للعلاج والغذاء ووصف له حليب الأطفال، الذي تبلغ سعر العلبة الواحدة منه في الشمال السوري بحدود 2000 ليرة سورية، والذي لا يكفيها لمدة أكثر من 3 أيام، حاول والدها التواصل مع العديد من الجهات للتبرع له بحليب يغذي به طفلته، دون أي فائدة ولم يتمكن من تأمينه لتردي وضعه المادي والفقر الذي يعاني منه هو والكثير من سكان المخيم، وبعد مضي 4 أشهر دخلت الطفلة في حالة مرضية خطيرة، فذهب بها والدها إلى المشفى مرة أخرى فتم تحويله بشكل إسعاف فوري إلى تركيا للعلاج نظراً لخطورة وضع الطفلة، وبعد وصوله إلى أحد المشافي في تركيا تلقت الطفلة بعض العلاجات وتم تزويدها بسيروم مغذي لفترة وصلت إلى شهر تقريباً، ولكن وضعها بقي سيئا دون أي تحسن يذكر، ففارقت الحياة تاركة وراءها أخوتها ووالديها، دون تدفئة ومواد غذائية وفي حالة مأساوية حقيقية، كل ذلك حصل بسبب تجاهل المنظمات الإنسانية لهذه المخيمات وعدم مراعاة أوضاع القاطنين فيها الذين أثخنت الحرب فيهم وشردتهم عن منازلهم وتركوها عامرة لينتهي بهم المطاف في مخيمات يجدر تسميتها بمخيمات الموت ولا يوجد فيها ما يدل على وجود حياة كريمة.

لم تكن هاتان القصتان، الوحيدتان في مخيمات النزوح التي يقطنها نازحون من مناطق مختلفة من سوريا، بل عند العودة إلى الوراء نجد الكثير من القصص المشابهة والتي تختلف في التفاصيل، ولكنها تحمل ذات المعنى وتوصلنا لذات النتيجة وهي أن الحياة في هذه المخيمات، أصبحت أشبه بالمستحيل وعلى مرأى ومسمع من الجهات المعنية من حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، والمنظمات الإنسانية التي تعمل في الشمال السوري،وأكد السكان للمرصد السوري أنه لا بد لهذه الجهات تحمل المسؤوليات تجاه هؤلاء ومساعدتهم على البقاء، وتحسين المستوى المعيشي والخدمي في هذه المخيمات بشكل عام، فقد سكنوها مجبرين، ولم تكن أصلاً من اختيارهم، غير أن الأوضاع الصعبة التي عاشوها سابقاً هي من جعلت منهم رهائن لهذه المخيمات المعدومة من الحياة، كما أن هذه الحالات وغيرها من الحالات السابقة تنذر بكارثة إنسانية حقيقة للقاطنين في هذه المخيمات وتظهر الحالة المأساوية الصعبة التي وصل إليها نازحو ريف محافظة حماة الشرقي القاطنين في مخيمات النزوح، والتي تتبع بعضها لإدارة شؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ، ويحذر القاطنين والمسؤولين عن هذه المخيمات من حدوث كارثة إنسانية في الفترة القادمة بحال لم يتم تدارك الأمر، وتزويد هذه المخيمات بالمساعدات اللازمة، كما حمل السكان عبر المرصد السوري من يدعون مسؤوليتهم عن المخيمات من منظمات إغاثية، وهيئات سياسية، المسؤولية الكاملة عن تردي الأوضاع إلى هذه الدرجة الخطيرة، ويجدر بالذكر أن نازحي ريف محافظة حماة الشرقي، كانوا قد نزحوا من قراهم وبلداتهم في أواخر العام الفائت 2017 بعد سيطرة قوات النظام والمسلحين المواليها على كامل الريف الشرقي، الأمر الذي سبب موجة نزوح كبيرة، حيث انتشر الآلاف من النازحين في مخيمات النزوح شمال محافظة إدلب، فيما استقر البعض منهم في مخيمات ريف مدينة معرة النعمان، وبعد مرور أكثر من عام على وجودهم يزداد الأمر سوءا وتتردى حالاتهم الإنسانية في ظل عدم النظر في أوضاعهم من قبل الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري والتي يجدر بها مد يد العون لهم ومساعدتهم