مفوض حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: الضربات الجوية على حلب جرائم حرب
قال الأمير زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، اليوم (الجمعة)، إنّ حصار وقصف شرق مدينة حلب السورية يشكل «جرائم ذات أبعاد تاريخية» أوقعت كثيرًا من القتلى المدنيين، ووصلت إلى حد جرائم الحرب.
ولم يذكر الأمير زيد بالاسم روسيا التي تنفذ طائراتها الحربية، إلى جانب القوات الجوية للنظام السوري، على مدى أسابيع ضربات جوية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من حلب، لكنّ إشارته كانت واضحة.
وأضاف الأمير زيد، في كلمة عبر رابط فيديو خلال جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف: «جماعات المعارضة المسلحة تواصل إطلاق قذائف المورتر وغيرها من المقذوفات على أحياء مدنية في غرب حلب، لكن الضربات الجوية تحدث من دون تمييز عبر الجزء الشرقي من المدينة، من قبل قوات الحكومة وحلفائها المسؤولة عن سقوط الغالبية العظمى من الضحايا المدنيين»، داعيا القوى الكبرى لتنحية خلافاتها جانبا، وإحالة الوضع في سوريا إلى مدعية المحكمة الجنائية الدولية.
وشدد الأمير زيد على أن «الانتهاكات والإساءات التي عانى منها الناس في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك حصار وقصف شرق حلب، ليست مجرد مآس، بل إنها تشكل جرائم ذات أبعاد تاريخية»، فيما تنفي روسيا الاستهداف المتعمد للمدنيين، وتقول إنها تحارب «إرهابيين».
وقد طلبت بريطانيا عقد الجلسة التي تستغرق يومًا واحدًا مع دول حليفة، منها الولايات المتحدة، من أجل تشكيل لجنة تحقيق خاصة في أمر حلب، وسعت لإدانة روسيا بسبب ضرباتها الجوية على المدينة السورية.
وقال توبياس الوود، وزير شؤون أفريقيا والشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، في كلمة له أمام منتدى جنيف: «روسيا.. إنّك تزيدين الوضع سوءًا، ولا تحلينه»، متابعًا: «هذا عمل شائن لا يصدر من القيادة التي نتوقعها من عضو دائم بمجلس الأمن الدولي».
ومن جانبه، اتهم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أليكسي بورودافكين في جنيف بريطانيا وحلفاءها «بمحاولة إنقاذ الإرهابيين من الضربات، والسماح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم ومواصلة أعمالهم الوحشية».
وفيما يتعلق بالعمليات الإنسانية، ذكرت الأمم المتحدة أنّ عمليات الإخلاء الطبي التي كان من المقرر القيام بها في شرق حلب اليوم، تأخرت لعدم تقديم الأطراف المتحاربة الضمانات الأمنية اللازمة.
وقال ينس لاريكي، المتحدث باسم مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة: «للأسف، لم يكن من الممكن بدء عمليات إخلاء المرضى والجرحى صباح اليوم، كما كان مقررًا، نظرًا لعدم توافر الظروف اللازمة».
وأمس، أعلن يان إيغلاند، الذي يرأس مجموعة العمل بشأن المساعدة الإنسانية في سوريا، أنّ الأمم المتحدة حصلت على موافقة روسيا والنظام السوري و«مجموعات مسلحة في المعارضة».
إلا أنّ لاريكي صرح للصحافيين أنّه لم تُقدّم «هذه الضمانات المتعلقة بالظروف الأمنية»، وأنّ موظفي الإغاثة لم يتمكنوا حتى الآن من الانتشار من مواقعهم في غرب حلب التي تسيطر عليها الحكومة، مضيفا: «هذه عملية صعبة للغاية».
كانت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر تأملان في الاستفادة من «الهدنة الإنسانية» في شرق حلب، بعد أن أوقفت القوات الروسية والسورية حملة القصف التي تشنها على فصائل المعارضة.
وفي اليوم الثاني من الهدنة الروسية المعلنة من جانب واحد في مدينة حلب في شمال سوريا، لم يسجل عبور مدنيين أو مقاتلين أو جرحى من الأحياء الشرقية المحاصرة من قبل قوات النظام السوري إلى خارجها.
وحتى ظهر اليوم، لم يُسجل خروج أي من المدنيين أو المقاتلين من الأحياء الشرقية، عبر الممرات الثمانية التي حددتها موسكو، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان والتلفزيون السوري الرسمي، فيما عبرت الأمم المتحدة عن أملها في إجلاء الجرحى اعتبارًا من اليوم.
وأكد مصور لوكالة الصحافة الفرنسية، جال على معبري الكاستيلو (شمال) والهال (وسط) المخصصين للمقاتلين ومن يرغب من المدنيين من جهة النظام، أنّه لم يشاهد أي حركة عبور.
وكان الجيش الروسي قد أعلن تنفيذ هدنة ليوم واحد لمدة 11 ساعة في حلب، قبل أن يعلن، عصر أمس، تمديدها لمدة 24 ساعة إضافية، بهدف إفساح المجال أمام خروج المدنيين ومن يرغب من المقاتلين، عبر ممرات آمنة.
وأوقفت الطائرات الروسية والسورية قصف الأحياء الشرقية، الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، منذ صباح الثلاثاء.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، اليوم، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا حركة على المعابر من الأحياء الشرقية، ولم يسجل خروج أي من السكان أو المقاتلين حتى الآن».
وأظهرت كاميرات وضعها الجيش الروسي، تبث مباشرة عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع، انعدام الحركة على معبر سوق الهال (بستان القصر – مشارقة)، في حين يقف عدد من سيارات الإسعاف عند معبر الكاستيلو، وشاحنات فارغة قرب سواتر ترابية، بالإضافة إلى عدد من الجنود.
وتخلل اليوم الأول من الهدنة (أمس)، اندلاع اشتباكات متقطعة وتبادل القصف المدفعي، وفق ما أفاد به مراسل وكالة الصحافة الفرنسية، في الأحياء الشرقية.
واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، مقاتلي المعارضة بأنّهم «يخرقون وقف إطلاق النار، ويعوقون إجلاء السكان»، مشيرًا خلال محادثة هاتفية مع نظيره الأميركي جون كيري، وفق وزارة الخارجية، إلى أن «المدنيين، وكذلك عناصر الجماعات المسلحة غير الشرعية (فصائل المعارضة المسلحة)، كانت لديهم إمكانية لمغادرة المدينة بأمان».
وقد شهدت الأحياء الشرقية، منذ 22 سبتمبر (أيلول) الماضي حتى مطلع الأسبوع الحالي، هجومًا من قبل قوات النظام تزامن مع غارات روسية وسورية كثيفة. ويعيش نحو 250 ألف شخص في شرق حلب في ظروف إنسانية صعبة، في ظل تعذر إدخال المواد الغذائية والأدوية والمساعدات منذ 3 أشهر.
ومع تمديد الهدنة، تأمل الأمم المتحدة في أنّ تتمكن من إجلاء الدفعة الأولى من الجرحى من الأحياء الشرقية، بدءًا من اليوم، وفق ما أعلنه رئيس مجموعة العمل بشأن المساعدة الإنسانية في سوريا يان إيغلاند الذي قال، أمس، إن الأمم المتحدة حصلت على موافقة روسيا والنظام السوري و«مجموعات مسلحة في المعارضة» على تنفيذ ذلك، آملاً في أن تستمر الهدنة لفترة أطول ليتم نقل المساعدات الإنسانية إلى شرق حلب.
من جانبه، انتقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والفصائل المعارضة في حلب، مبادرة الأمم المتحدة التي «لم تتضمن دخول أي مساعدات إنسانية، وتقتصر على إخراج حالات حرجة مع مرافقين، وسط ضغوط أمنية وعسكرية وإعلامية» من روسيا والنظام السوري. وقال في بيان مشترك لهذه القوى إنّ ذلك «يجعل المبادرة قاصرة، ويساهم في إخلاء المدينة، بدلا من تثبيت أهلها في مناطقهم»، منتقدًا تحول الأمم المتحدة إلى «أداة في يد روسيا».
ولم تدخل أي مساعدات إنسانية إلى الأحياء الشرقية منذ 7 يوليو (تموز) الماضي.
وقد أقر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، في جلسة غير رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة مخصصة لحلب، بأن «الجوع استخدم كسلاح» منذ بدء الهجوم على الأحياء الشرقية، مشيرًا إلى أن «الحصص الغذائية (هناك) ستنفد في نهاية هذا الشهر»، مطالبا بتأمين «وصول المساعدات الإنسانية بالكامل» إلى شرق حلب. وأدان بشدة النتائج «الرهيبة» للقصف الروسي والسوري على شرق حلب، مذكرا بمقتل نحو 500 شخص، ربعهم من الأطفال، وإصابة ألفين آخرين بجروح منذ بدء الهجوم.
وبدوره، انتقد السفير الروسي فيتالي تشوركين أنّ الأمين العام «لم يقل كلمة واحدة بشأن المنظمات الإرهابية»، مما دفع السفيرة الأميركية سامانثا باور إلى الرد، قائلة إنّ «الإرهابيين ليسوا هم من يسقطون قنابل على المستشفيات ومنازل المدنيين في شرق حلب (…) إنّه نظام الأسد وروسيا».
وفي بروكسل، لوح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على موسكو، من دون أن يذكرها بالاسم. وبحث المجتمعون، حسب مسودة اتفاق حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية، «كل الخيارات، بما يشمل عقوبات إضافية» تستهدف «الجهات الداعمة لنظام» الرئيس السوري بشار الأسد.