من الدعم العسكري إلى الثقافة والاقتصاد.. إيران تسيطر على مفاصل سوريا بالكامل

224

للوهلة الأولى، قد يبدو لمن يعيش خارج سوريا –وخصوصا من أصحاب الفكر القومي- أن التدخلات الإيرانية في سوريا ما هي إلا مساعدة لحليف من المهم أن يبقى قويا، هو بالطبع رأس النظام بشار الأسد، ولكن المتابع بدقة لتفاصيل ومجريات الأوضاع على الأرض، سيدرك سريعا أن تلك التدخلات والوجود الإيراني في سوريا لا يتعلق فقط بالحفاظ على “الأسد” في منصبه، وإنما استعادة أمجاد غابرة عبر مختلف الطرق الممكنة، بداية من الوجود العسكري ومرورا بالاستثمارات الاقتصادية، وأخيرا وليس آخرا المراكز الثقافية الإيرانية التي تحولت إلى مراكز لنشر التشيع في سوريا.

في يونيو/حزيران 2018، نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا يتناول حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا على مدار 7 سنوات من الاحتجاجات التي تحولت إلى حرب أهلية تتداخل فيها القوى الدولية. آنذاك، أشارت المجلة الأمريكية إلى أن استثمارات إيران فاقت مليارات الدولارات، وتضمنت مساعٍ عسكرية واقتصادية متشابكة، درَّبت خلالها إيران ميليشيات من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا ونشرتهم في سوريا. ونقلت المجلة عن الدبلوماسي الإيراني السابق المقيم في الولايات المتحدة منصور فارهانج، قوله إن “إيران أنفقت ما لا يقل عن 30 مليار دولار في سوريا، على شكل مساعدات عسكرية واقتصادية”، بينما قدر الباحث في كلية “فليتشر” للحقوق والدبلوماسية بجامعة “تافتس” نديم شحادة، إجمالي إنفاق إيران في سوريا على مدار السنوات السبع الماضية بـ105 مليارات دولار.

بشكل عام، توغل النفوذ الإيراني في سوريا بشكل لم يعد من الممكن إغفاله، بداية من الوجود العسكري الذي يتخذ من موافقة رأس النظام ذريعة له للوجود هناك، وانتهاءًا بالصفقات الاستثمارية التي حصلت عليها الشركات الإيرانية بشكل مباشر في الأشهر الأخيرة، حتى باتت تسيطر على مفاصل الصناعة والتجارة في سوريا باتفاقات طويلة الأمد. أما الهدف من كل تلك التحركات في سوريا، بحسب ما يؤكد معهد دراسات الحرب الأمريكي، فهو ضمان استمرار المصالح الإيرانية الحيوية ونفوذ “طهران” في المنطقة، حتى في حال انهيار النظام السوري بالكامل، سعيا إلى هدف أكبر هو اتخاذ سوريا قاعدة لعملياتها في الشرق الأوسط في ظل عدم قدرة المعارضة السورية على فرض السيطرة الكاملة على كامل المناطق السورية، وإنشاء ممر بري من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.

السياق التاريخي.. 3 عقود من التحالف تدفع الطموحات الإيرانية

من أجل فهم الدور الإيراني في سوريا، فإنه يجب وضع السياقات التاريخية والسياسية في الاعتبار، حيث ترى إيران بقاء النظام ضمانا لمصالحها في سوريا، وهو ما يظهر في بعض تصريحات المسؤولين الإيرانيين مثل رجل الدين الإيراني ورئيس مقر “عمار” الاستراتيجي للحروب الناعمة مهدي طائب، الذي قال في 3 مارس/آذار 2015، إنه “على إيران أن تواصل تقديم الدعم للمقاتلين في سوريا والعراق ولبنان واليمن، حتى ولو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني” مضيفاً “سوريا هي المحافظة الـ35، وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا”.

على مدار ما يقرب من 3 عقود، كانت سوريا هي الحليف الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، ونظراً إلى أهمية هذا الحليف لتحقيق المصالح الإيرانية، بداية من التحالف ضد أعداء إيران الإقليميين مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى حاجة “طهران” للنفوذ على الأراضي السورية لتسهيل عمليات نقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، اندفعت إيران إلى أن تكون الحليف والداعم الأول لـ”دمشق” على مدار السنوات الثماني الماضية، على مستويات عدة، حتى بات الدور الإيراني طاغيا وواضحا بشكل لا يقبل اللبس.

فيلق القدس وحزب الله.. وجود عسكري قوي

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب السورية، استندت إيران في تدخلاتها العسكرية إلى اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين في عام 2006. آنذاك، لم يتم تحديد تفاصيل الاتفاق الذي وُقع ضد ما أسموه بـ”التهديدات المشتركة”، ولكن وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار، قال إن “إيران تعتبر أمن سوريا من أمنها، ونحن نعتبر أن قدراتنا الدفاعية تابعة لسوريا”. وتشير مجلة “فورين بوليسي” إلى أن القوات الإيرانية تعمل حاليا عبر 11 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء سوريا، إضافة إلى 9 قواعد أخرى للميليشيات المدعومة من إيران، موزعة عبر محافظات حلب وحمص ودير الزور، إضافة إلى وجود 15 قاعدة لـ”حزب الله” اللبناني ونقاط مراقبة موزعة على امتداد الحدود مع لبنان، وفي حلب أيضا.

يُعد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يقوده الجنرال الذي اكتسب شهرة كبيرة في السنوات الأخيرة قاسم سليماني، أبرز الفصائل العسكرية الموجودة على الأرض في سوريا، والتي تقاتل إلى جوار الجيش السوري وتقدم له المشورة العسكرية. وقد سبق أن كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في عام 2015، عن أن “سليماني” هو من كان يقود العمليات العسكرية في مثلث ريف درعا الشمالي الغربي وريف دمشق الغربي وريف القنيطرة، بمساندة من قوات النظام مدعمة بقوات الدفاع الوطني، في مواجهة مقاتلي جبهة النصرة، وبالتعاون مع الشخصية العسكرية الأولى في “حزب الله” مصطفى بدر الدين.

وسبق أن نشر المرصد السوري تقارير تفيد بأن “الحرس الثوري الإيراني شارك في معارك كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وقدم الدعم لقوات النظام السوري ضد قوات المتمردين، كما نشرت طهران ميليشيات شيعية في سوريا، بما في ذلك حزب الله اللبناني، وعدة مجموعات باكستانية وأفغانية”، مضيفا: “منذ يناير/كانون الثاني 2013، قُتل أكثر من 2100 من عناصر الحرس الثوري أو من المقاتلين التابعين له في سوريا  وفقاً لمؤسسة الشهداء وشؤون قدامى المحاربين الإيرانية”.

في أكتوبر/تشرين الثاني 2018، كشفت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أن حزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية عادت للتوغل بطرق مختلفة كمحافظتي درعا ودير الزور، حيث أشارت المصادر إلى أن أفرادًا يتبعون حزب الله اللبناني وإيران، ينتشرون في جنوب سوريا على الحدود مع الأردن، والحدود مع الجولان السوري المحتل، ويتلقون مقابلا ماليًا سخيًا، بعد إجبار مليشيا حزب الله والإيرانيين على الانسحاب من جنوب سوريا، لعمق 40 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان السوري المحتل والحدود السورية – الأردنية، في يونيو/حزيران 2018،  قبيل بدء عملية السيطرة على محافظة درعا، إلا أنهم عادوا لتشكيل خلايا تفرض نفوذها في المنطقة، حيث عمل “حزب الله” على تشكيل قوات تحت مسميات لا تصرح بالتبعية له في جنوب سوريا، يبلغ عددها أكثر من 1600 شخص، ويتواجدون في محافظة درعا، ويتلقى هؤلاء نحو 300 دولار للشخص الواحد.

ومع اقتراب الحرب في سوريا بشكلها الحالي من نهايتها، نقل موقع إذاعة “فويس أوف آميركا” الأمريكي عن مصادر إيرانية، قولها إن إيران تعكف حاليا على تشكيل ميليشيا جديدة في سوريا قوامها 1200 جندي، يشرف عليها بشكل مباشر مستشارون عسكريون إيرانيون. وبحسب مصادر الموقع الأمريكي، فإن “مسؤولي إيران وسوريا يبحثون منذ وقت طويل بناء مثل تلك القوى العسكرية الجديدة، وكان هذا جزءاً من اتفاق أبرمته طهران ودمشق في مايو/آيار 2017، حيث إن تشكيل أي تحالف يهدف إلى تعزيز قوة تحالف محور المقاومة ضد إسرائيل مرحب به”. وكشفت مصادر المرصد السوري إلى أن “الغالبية العظمى من مقاتلي الميليشيا الجديدة هم مواطنون سوريون يعملون بشكل مختلف عن الألوية الأخرى التي تشكلت في السنوات الأخيرة بهدف القتال في سوريا وكانت إيران تعمل على رعايتها”.

في تقرير نشره المرصد بتاريخ 14 أبريل/نيسان 2019، رصد المرصد السوري ارتفاع عدد المتطوعين في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مؤخرا إلى نحو 1385 شخصا من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، في منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور، في حين تصاعد عدد المتطوعين في الجنوب السوري إلى ما يزيد على 2470 متطوع، وهو ما يشير إلى استمرار عملية التمدد الإيراني في الداخل السوري بشكل عسكري، من غرب نهر الفرات إلى الجنوب السوري والحدود مع الجولان السوري المحتل، في الوقت الذي تنفذ فيه الطائرات الإسرائيلية ضربات وغارات تطال مواقعها في الأراضي السورية.

وإلى جانب الأعداد الهائلة للمتطوعين في صفوف الميليشيات الإيرانية، بدأت الانشقاقات تضرب ميليشيات الدفاع الوطني في مدينة “الميادين” في ريف دير الزور الشرقي، وكانت المبالغ المالية هي كلمة السر في تلك الانشقاقات، حيث علم المرصد السوري لحقوق الإنسان، من عدة مصادر موثوقة، أن العشرات من ميليشيات الدفاع الوطني في مدينة “الميادين”، انضموا إلى القوات الإيرانية المتواجدة هناك. وبحسب المصادر، فإن 50 عنصرا انشقوا عن ميليشيات الدفاع الوطني دون إبلاغ قياداتهم بقرارهم، وانضموا بعدها إلى صفوف القوات الإيرانية في “الميادين”، وبرروا موقفهم بأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم الشهرية منذ 5 أشهر، بينما القوات الإيرانية لا تبخل على مقاتليها برواتب شهرية تبلغ 150 دولار، بالإضافة إلى تقديم سلال غذائية وخدمات طبية مختلفة. ويبدو أن تلك الخطوة ستكون سببا لإثارة أزمة بين القوات الإيرانية وقوات الدفاع الوطني، حيث تقدمت الأخيرة –بحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان- بطلب رسمي إلى القوات الإيرانية بهدف استرجاع العناصر الـ50، إلا أن ذلك الطلب قابلته الميليشيات الإيرانية بالرفض، معتبرةً أن هؤلاء العناصر باتوا جزءًا من ترسانتها في دير الزور.

قروض واتفاقات طويلة المدى.. سيطرة كاملة على الاقتصاد

على مدار السنوات القليلة الماضية، عززت إيران من اتفاقاتها الاقتصادية والتجارية مع النظام السوري، حتى باتت تسيطر على مفاصل الصناعة والزراعة والتجارة، ووسعت من دورها في أنحاء سوريا. وقد كشف نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري، عن أن “طهران” توصلت إلى “اتفاقات مهمة جدا بشأن التعاون المصرفي مع سوريا”، فيما قال رئيس الوزراء السوري عماد خميس، إنه “تم توقيع اتفاقيات للتعاون الاقتصادي طويل الأجل مع إيران، يشمل الصناعة والتجارة والزراعة”، وبعدها خرج رئيس النظام السوري بشار الأسد، يعلن أن “الاتفاقيات والمشاريع الاقتصادية التي تم التوصل إليها مع إيران تحمل بعدًا استراتيجيا، وتسهم في تعزيز صمود سوريا وإيران في وجه الحرب الاقتصادية التي تشنها عليهما بعض الدول الغربية”.

لا يتوقف حجم السيطرة الإيرانية على الاقتصاد السوري عند حد بعض الاتفاقيات التجارية والمصرفية، ففي عام 2013، وقعت السلطات السورية اتفاقا مع إيران لتفعيل تسهيل ائتماني قيمته 3.6 مليار دولار لشراء منتجات نفطية وسداد المقابل على مدى زمني طويل، وفي المقابل يسمح الاتفاق لإيران بالاستحواذ على حصص في استثمارات داخل سوريا، وهو ما يعد جزءًا من حزمة مساعدات إيرانية لحكومة “الأسد”، حيث أبرم البلدان اتفاقا آخر حصلت بموجبه “دمشق” على تسهيل ائتماني آخر بقيمة مليار دولار، لشراء منتجات تستخدم في توليد الكهرباء وسلع أخرى من إيران، بالإضافة إلى اتفاق مقايضة لمساعدة صادرات المنسوجات السورية وبعض المنتجات الزراعية مثل زيت الزيتون والموالح. وفي يناير/كانون الثاني 2013، وافقت “طهران” خلال زيارة لرئيس الوزراء السوري السابق وائل الحلقي، على إيداع 500 مليون دولار لدى البنك المركزي السوري.

في أوائل عام 2017، وقعت الحكومة الإيرانية وكيانات اقتصادية مقربة من الحرس الثوري الإيراني، عقودا اقتصادية ضخمة مع سوريا، حيث وقع رئيس الوزراء “خميس” على 5 مذكرات تفاهم، من بينها رخصة حصلت بموجبها إيران على حق إنشاء مشغل لاتصالات الهاتف المحمول في سوريا، إضافة إلى عقود لاستخراج الفوسفات، واتفاق آخر لمنح إيران 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية وألف هكتار لإنشاء مرافئ النفط والغاز، واتفاق آخر لتوفير أراضٍ سورية لتربية الماشية، بحسب ما أعلنته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية “إيرنا”.

نشر التشيع والتغيير الديموغرافي.. المراكز الثقافية غطاءً

منذ الثمانينيات، عملت إيران على نشر مراكز التشيّع عبر السفارات الإيرانية في أنحاء العالم، وبسبب العلاقات المتميزة بين نظام “الأسد” الأب والابن مع “طهران”، أصبحت سوريا واحدة من أبرز محطات النشاط الإيراني لنشر التشيع في السنوات الأخيرة، من خلال المراكز الثقافية والدينية والبعثات التعليمية. ومع تعزيز تلك العلاقات في مرحلة ما بعد عام 2011، عززت “طهران” من نشاطها الديني والثقافي بغرض ترسيخ نفوذها على المدنيين في أنحاء سوريا.

بحسب المعلومات التي حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن النشاط الشيعي في إيران توسع من خلال إنشاء 5 جامعات إيرانية في السنوات الأخيرة، هي: “تربية مدرس، الفارابي، آزاد الإسلامية، المصطفى، جامعة المذاهب الإسلامية”، إضافة إلى 40 مدرسة شيعية خاصة في العاصمة “دمشق”، وإجبار النظام على افتتاح 10 ثانويات شرعية في مختلف أنحاء سوريا تدرس المناهج على طريقة الإمام جعفر الصادق. وسعيا إلى تغير بنية المجتمع السوري وتحويله إلى مجتمع يدين بالولاء لنظام ولاية الفقيه، عمدت إيران إلى منح امتيازات للمنتسبين إلى الجامعات الإيرانية مثل تقديم منح لاستكمال الدراسة في الجامعات الإيرانية.

وعلى الرغم من أن مجمع الرسول الأعظم تأسس في اللاذقية باعتباره أول تجمع ثقافي شيعي بالمدينة، فإن نشاطه توسع في السنوات الأخيرة وأصبح يضم 7 مدارس و50 معهدا. وفي أنحاء سوريا، عمدت إيران إلى استحداث ونشر أكثر من 500 حسينية شيعية و69 حوزة شيعية، بالإضافة إلى افتتاح عشرات المراكز الثقافية في أنحاء سوريا بهدف نشر اللغة الفارسية عبر برنامج محبي اللغة الفارسية. وما يزيد النشاط الشيعي الإيراني سوءًا، هو أن تلك المراكز والحسينيات والحوزات تعمل بشكل مستقل دون أي تدخلات من أي وزارات سورية وتتبع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران بشكل مباشر.

في أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2019، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريرا يكشف عمليات التوغل الفكري الواسعة التي تنفذها إيران من خلال قواتها في سوريا، حيث أكدت مصادر المرصد مواصلة القوات الإيرانية تحركاتها في تنفيذ مزيد من عمليات “التشيُّع”، عبر ضم المزيد من السكان للمذهب الشيعي، من خلال دفع أموال أو تقديم معونات أو محاولة حل قضايا عالقة بالنسبة للسكان. ونشر المرصد السوري تقارير من مصادر موثوقة تؤكد قيام القوات الإيرانية برفع الآذان في ريف دير الزور الشرقي وفقا للمذهب الشيعي، حيث حصل المرصد السوري على معلومات تشير إلى تكرار رفع الآذان الشيعي في مسجد حي “التمو” الواقع على طريق قلعة الرحبة قرب محطة الكهرباء في مدينة “الميادين” في غرب الفرات، وهو الحي الذي يتخذه الإيرانيون مقرا لهم في المدينة، حيث يضم الحي أكثر من 250 عنصرا من القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية. وأكدت مصادر المرصد أنه يمنع على غير الضباط والعناصر من الإيرانيين وأتباع الطائفة الشيعية الدخول إلى المسجد.

وكان المرصد السوري رصد وصول عشرات العوائل الآسيوية إلى غرب نهر الفرات، قادمة إلى مناطق سيطرة القوات الإيرانية والميلشيات الموالية لها، ضمن القطاع الشرقي من ريف دير الزور. ووفقا للمعلومات التي حصل عليها المرصد آنذاك، فإن نحو 50 عائلة من عوائل إيرانية وأفغانية وصلت إلى مدينة “الميادين”، وهي عوائل مقاتلين في الميليشيات الإيرانية والأفغانية من الطائفة الشيعية، إذ تتحدث تلك العوائل باللغة الفارسية واللغات الدارجة في أفغانستان. المصادر أكدت أنه جرى توطين هؤلاء في منطقة “ضهر العلوة” في منازل كان تنظيم “الدولة الإسلامية” استولى عليها سابقاً، بذريعة “وجود أصحابها في بلاد الكفر”.

ولا يعد نقل تلك العوائل من باب المصادفة وإنما هي عملية ممنهجة لنشر الثقافة الإيرانية والتشيع والتغيير الديموغرافي في سوريا، حيث كشفت مصادر موثوقة للمرصد السوري، عن أن وصول تلك العوائل إلى منطقة “ضهر العلوة”، يأتي بعد فتح الحرس الثوري الإيراني باب “التطوع” في صفوف قواته العاملة على الأراضي السورية ضمن محافظة “دير الزور”. وأكدت المصادر أن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها التطوع ضمن صفوف قوات الحرس الثوري الإيراني، حيث كان التطوع سابقاً يشمل فقط الميليشيات الممولة إيرانياً والمدعومة من القوات الإيرانية، كميليشيات حركة النجباء وأبو الفضل العباس وحزب الله، فيما كان غالبية المتطوعين السوريين من محافظات دير الزور وحلب وريف دمشق.

ورصد المرصد السوري عمليات تطوع لكل من المنشقين السابقين عن قوات النظام والراغبين بـ”تسوية أوضاعهم”، بالإضافة لمقاتلين سابقين في صفوف خصوم النظام، ومواطنين آخرين من محافظة دير الزور. وقالت مصادر إن القسم الأكبر منهم من منطقة القورية بريف “الميادين”، كما أن عملية إغراء المواطنين والمتطوعين تتم من خلال تخصيص رواتب شهرية، بالإضافة للحصانة من قوات النظام ومن الاعتقال، وتتفاوت الرواتب من غرب الفرات إلى الجنوب السوري، حيث تبدأ الرواتب من 150 دولار إلى نحو 300 دولار، وفقا لقرب منطقة التطوع من الحدود السورية مع الجولان السوري المحتل.

في ريف دير الزور الشرقي، أكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن إيران تسعى للاحتفاظ بسيطرتها على طريق “طهران-بيروت” من خلال تأسيس حاضنة شعبية في المنطقة، تحول دون خسارتها للطريق الاستراتيجي بين العاصمة الإيرانية والعاصمة اللبنانية، حيث تجري تلك العملية من خلال محاولة رد حقوق السكان إليهم، ممن جرى الاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل متطوعين ومجندين في الميليشيات الإيرانية، لكسب ود السكان وإرضائهم ودفعهم للانضمام إلى صفوفها، كما تجري عمليات توزيع مواد غذائية وألبسة وأغطية ومستلزمات للمعيشة ومسلتزمات للدراسة، تحمل كتابات باللغة الفارسية، كما تعمد القوات الإيرانية في عملية تمددها إلى منع قوات النظام من ارتكاب تجاوزات بحق السكان، وهو ما يدفع الأهالي إلى اللجوء للقوات الإيرانية لتحصيل ممتلكاتهم وحقوقهم المسلوبة من عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها.

وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن نشاط التشيع الذي تعمل عليه إيران في ريف دير الزور الشرقي، ينطلق من عدة مراكز في مناطق مختلفة في سوريا، لعل أبرزها هو مركز الإمام المهدي الذي يديره شيعي يُدعى محمود العداي الجبوري، ويقع الفرع الرئيسي لهذا المركز في منطقة “السيدة زينب” في العاصمة “دمشق”، وله أفرع في جميع المحافظات السورية الواقعة تحت سيطرة النظام. يعمل هذا المركز بشكل أساسي على نشر التشيع في المنطقة وإقامة ندوات وطقوس شيعية في فروعه، وقد قام هذا المركز بتكريم عدد من وزراء حكومة النظام وضباط من الفرقة الرابعة بجيش النظام، حيث كرم هذا المركز وزير العدل نجم حمد الأحمد وعددا من القضاة بحجة أنهم يبذلون جهودا دءوبة لضمان ديمومة العمل القضائي واستمراريته في ظل ما تمر به سوريا، وهو ما يعطي انطباعا بأن النظام يعلم جيدا ما يقوم به هذا المركز من نشاط.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها مصادر المرصد السوري، فإن الثاني في قائمة المراكز الإيرانية التي تنشر التشيع، فهو المركز الثقافي الإيراني، الذي يقوم عبر ندوات يقيمها، بالتعريف بالثقافة الإيرانية ومنجزات ثورة “الخميني”. ويسعى هذا المركز إلى التغلغل في أوساط السوريين، ما يجعله يتبنى جميع الاحتفالات بالأعياد الوطنية السورية في محافظة دير الزور، مثل عيد الأم وعيد المعلم، وعادة ما تجري احتفالاته بحضور ورعاية شخصيات إيرانية، وتكون صور “الخميني” و”خامنئي” حاضرة بقوة إلى جوار الأعلام الإيرانية في تلك الاحتفالات.

وكان المرصد السوري علم، في الأول من أبريل/نيسان 2019، أن حفلا نظمه ما يُعرف بـ”المركز الثقافي الإيراني” في “الميادين” بمناسبة عيدي الأم والمعلم، وحضره قائد المليشيات الإيرانية في المدينة وشخصيات من حزب البعث وشخصيات عشائرية في المنطقة، لاقى استياءً شعبياً بسبب رفع صور المرشد الأعلى الإيراني إلى جوار صورة رئيس النظام بشار الأسد، وهو ما يأتي ضمن التنافس الروسي الإيراني لبناء حاضنة أكبر من الآخر.

تؤكد معلومات المرصد أنه لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المتشيعين، لكن بعض المصادر المطلعة أشارت إلى أن تقديرات أعداد المتشيعين في محافظة “دير الزور”، تصل إلى 1710 من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، ويظهر نشاط التشيع في عدة مدن في منطقة غرب نهر الفرات في ريف “دير الزور”، هي مدينة الميادين وريفها، ومدينة البوكمال وريفها، وقرى “حطلة” و”مراط” والمسرب.

أما في محافظة “درعا”، فتشير مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن المراكز الشيعية المعروفة في المحافظة هي 3 مكاتب انتساب، تتركز في “صيدا” و”إزرع” و”حي السبيل”. وفيما يتعلق بأعداد المتشيعين، تشير مصادر مطلعة إلى أن أعداد المنتسبين سرية ولا يعلمها أحد، والسبب في ذلك هو المخاوف المتعلقة بحياة المنتسبين إلى تلك المراكز، حيث تؤكد مصادر المرصد أن من يُعلن عنه أنه تشيع أو انتسب إلى تلك المراكز يتعرض للقتل، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد تصاعد تعداد المتطوعين في الجنوب السوري إلى أكثر من 2910 متطوع، حيث تستغل إيران انشغال العدو الروسي بعمليات القتل والدماء في الشمال السوري، لترسيخ كفتها الراجحة في إطار الحرب الباردة بين الطرفين.

ما الذي يحصده أو يحصل عليه المتشيعين أو المنتسبين إلى تلك المراكز؟ هذا هو السؤال الذي كشفت مصادر المرصد السوري عن إجابته، حيث كشفت مصادر مطلعة عن أن كل متشيع أو شيعي يحصل على مبلغ يصل إلى 120 ألف ليرة سورية، خلافا للمساعدات الأخرى التي تقدمها المراكز الشيعية ومراكز الانتساب الإيرانية. تشير المصادر كذلك إلى أن الشيعة كانوا موجودين بشكل أساسي في “بصرى الشام” و”كحيل” في الريف الشرقي، بالإضافة إلى “الشيخ مسكين” و”إزرع”، وباتت أغلب تجمعاتهم حاليا في مناطق “إزرع” و”الشيخ مسكين”.

بحسب مصادر مطلعة، لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن عمليات الاغتيال التي جرت في “درعا” على مدار الأسابيع الماضية، كلها تتعلق بالمنتسبين إلى المراكز الشيعية الذين انكشفت هوياتهم، وكان من بين تلك العمليات محاولة لاغتيال أحد المنتسبين في بلدة “جلين” إلا أن الهدف نجا منها، وكذلك محاولة اغتيال عامل الإغاثة أبوالمجد الغانم، في 11 يونيو/حزيران 2019. وأشارت مصادر المرصد كذلك إلى أن عملية التشيع تجري سرا، خوفا من التعرض لمصير الموت في حالة انكشاف هويات المتشيعين. وبحسب المصادر، فإن هؤلاء المتشيعين يسيرون بهوياتهم السورية، إلا أنهم لا يجرؤون على الدخول إلى مناطق الأمن العسكري.

العاصمة “دمشق”.. الفقراء الأكثر تأثرا بالتشيع

لم تكن عمليات التشيع حكرا على المناطق البعيدة عن سيطرة النظام والتي ساهمت الميليشيات الإيرانية في إعادتها إلى قبضة “الأسد”، بل إن العاصمة “دمشق” نفسها لم تسلم من تلك العمليات. على سبيل المثاال، يعد النشاط الأبرز للحسينيات والشيعة في العاصمة، متركزا في حي زين العابدين الذي يشرف على دمشق، ويعتبر هذا الحي أحد أقدم المناطق الرئيسية الثلاثة لتجمعات أتباع المذهب الشيعي من الدمشقيين، ويوجد به حسينية لأتباع هذا المسجد. وبحسب مصادر المرصد السوري، فإن أحياء “الأمين” و”الجورة” الذي يسمى حاليا بحي “جعفر الصادق”، على مقربة من الجامع الأموي الكبير في “دمشق”، توجد حسينيات لشيعة دمشقيين، بالإضافة إلى وجود شيعة من جنسيات غير سورية ممن جاءوا إلى سوريا بغرض القتال بصفوف النظام. وفي حي “العمارة” الدمشقي، تقطن عشرات العوائل الشيعية وتم الاستيلاء على المسجد السني المجاور لمقام السيدة رقية، وتحويله إلى حسينية شيعية خلال الأعوام الماضية.

أما منطقة السيدة زينب في جنوب العاصمة “دمشق”، والتي تبعد حوالي 15 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة، فهناك مئات الآلاف من الزوار سنويا يحجون إلى قبر زينب بنت علي رضي الله عنه، كما تشهد المنطقة نموا سكانيا كبيرا جراء استقرار عدد كبير من الزوار الشيعة بها، إضافة إلى توافد عدد كبير من الشيعة العراقيين إليها.

مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان أكدت أن الوفود الشيعية السورية وغير السورية تزور بشكل دوري ومستمر مدارس المرحلة الابتدائية، وخصوصا في المناطق التي وقعت تحت سيطرة فصائل المعارضة خلال سنوات الثورة، حيث تجري دورات ترفيهية للطلاب وتوزع الهدايا عليهم، بهدف نشر المذهب الشيعي. أما منطقة جنوب العاصمة، فتشهد –بحسب مصادر المرصد السوري- عمليات بيع للعقارات من أصحابها الأصليين لأشخاص محسوبين على المليشيات الشيعية في سوريا، حيث تتركز عمليات الشراء بشكل رئيسي في بلدة حجيرة جنوب العاصمة، والتي سيطرت المليشيات الشيعية عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013. وبحسب المعلومات الموثوقة التي حصل عليها المرصد السوري، فإن أهالي منطقتي “كفريا” و”الفوعة” المتواجدين في “دمشق”، والذين ينتمي معظمهم إلى المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، يستغلون قرار عدم السماح لأهالي “حجيرة” بالعودة، لشراء منازلهم تحت وطأة التهديد من استملاك المنازل أو إصدار قرار حجز عليها، خاصة تلك التي تعود لمقاتلين من المعارضة وعوائلهم الذين هجروا قسرياً إلى الشمال السوري. وأشار مصادر المرصد السوري إلى أن عمليات البيع لا تقتصر على الميليشيات الشيعية المحلية، بل إنها شملت شيعة أجانب من إيرانيين وعراقيين وأفغان ممن يرغبون بالإقامة في محيط السيدة زينب التي تعتبر أحد أبرز المناطق التي يسكنها الشيعة في العاصمة وأكبرها.

عمليات فرض التشيع التي تجريها إيران في “دمشق” بدأت تؤتي بثمارها، بحسب ما أكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث تلاحظ في الفترة الأخيرة تأثر بعض العوائل السنية الفقيرة بظاهرة التشيع، خاصة مع تقديم مغريات مالية ومميزات ومنح لاستقطابهم إلى المذهب الشيعي، من قبل مكاتب نشر التشيع المنتشرة ضمن منطقة السيدة زينب، وتقدم تلك المكاتب مساعدات مالية وغذائية لكل من يرغب في اعتناق المذهب الشيعي، إلا أنه ورغم كل تلك الجهود، لم تتأثر عوائل العاصمة الأصلية من هذه الناحية، في حين أن العوائل التي تنحدر من مناطق ريفية نائية فقيرة، تأثرت بهذه الظاهرة بسبب الفقر الذي يعانون منه واحتياجهم لما تقدمه إيران لنشر مذهبها الشيعي.

وفي غوطة دمشق الشرقية، علم المرصد السوري لحقوق الإنسان –من خلال عدة مصادر موثوقة- أن قوات النظام عمدت في الفترة الماضية إلى تسهيل دخول الوفود الشيعية إلى مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بهدف توزيع الهدايا على الأطفال في المدارس وإقامة المهرجانات الترفيهية، في حين دخلت وفود نسائية شيعية إلى بلدتي “حتيتة التركمان” و”الزريقة” ضمن القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية في شمال شرق العاصمة، بهدف إعطاء دروس دينية للنساء بالمنطقة في بعض المساجد، من أجل نشر أفكار المذهب الشيعي من خلال تلك الدروس الدينية.

بشكل عام، يشهد التشيع في الساحل السوري والعاصمة وعموم الأراضي السورية انتشارا أكبر وأقوى بين السُنة على العلويين، حيث إن أهم أسباب الرضوخ لعمليات التشيع أسبابا مادية، كما أن العلويين في الساحل غالبا ما كانوا يرفضون نشر التشيع إلا فيما ندر رغم وجود هذا النشاط منذ فترة ما قبل الثورة السورية في عام 2011، وكان جامع الرسول الأعظم والمركز الثقافي الإيراني هما أبرز مراكز نشر التشيع في الساحل السوري. ومع انتشار مراكز التشيع الإيرانية في أنحاء سوريا، باتت الأهداف الإيرانية واضحة في تغيير البنية المذهبية للشعب السوري، بشكل يجعله قابلا إلى التحول إلى تابع لنظام ولاية الفقيه في “طهران”، ونشر النفوذ الإيراني في سوريا وجعل السوريين يدينون بالولاء إلى نظام الولي الفقيه.