من نجين من الموت لن تنجيهن ألسنة المجتمع.. معاناة النساء السوريات تستمر
بالرغم من المطالبات الدولية بتحسين أوضاع النساء والنأي بهن عن العنف وعدم إقحامهن في المشكلات السياسية التي تعيشها سوريا منذ سنوات إلا أن الواقع كان صعبا عليهن وكن الفئة الأكبر التي دفعت الثمن باهضا، فلم يكن الوضع هينا على نساء وجدن أنفسهن محبوسات الأنفاس في بلد تعمه الفوضى بالرغم من وقف الاقتتال نوعا ما، فبعد أن جِعن وسلبت هويتهن وخسرن ذويهن وحُطمت أحلامهن وطموحاتهن التي قُتلت بنار السلاح وقوة العنف المزدوج من السلطة والفصائل المسلحة والقوات الأجنبية التي حطّت رحالها لتقتيل السوريين وتهجيرهم ومنع النظام من السقوط، ظلت النساء تكافح وتقاوم من أجل غد أفضل لهن وأطفالهن ولوطنهن.
لم يعرف القرن الحالي أزمة وحرب كتلك التي عاشتها سوريا ولم تعش نساء العالم مآسي وأوجاع كتلك التي كابدتها السوريات من أجل الحرية والكرامة والعيش بسلام.
وقالت الناشطة المدنية (جيهان الخلف) في حديث مع المرصد السوري لحقوق الانسان، إنّ عدد النساء اللواتي فقدن أزواجهن في سوريا فاق المليون امرأة، وأفادت بأن نسبة النساء المعيلات لأسرهن تخطت 11 بالمئة حيث دخلت المرأة مجالات كثيرة منها ما كان محظورا في سورية بعد أن تمّ الزجّ بها في عالم فرضته الحرب ويشرف عليه تجار الحروب وتقوده سلطات الأمر الواقع، وتعرضت المرأة لعدة انتهاكات وعلى رأسها الاعتقال والإخفاء القسري وعانت خلال تلك الفترة جميع أنواع الاستغلال من الاعتداء والعنف الجسدي والجنسي والنفسي إلى الاقتصادي من خلال التهديد والضغط على الأهل والزوج من أجل الإفراج عنها مقابل مبالغ مالية ضخمة أو تسليم أشخاص من العائلة ناهيك عن المئات من السوريات ممن أجبرن على العمل للبحث عن لقمة العيش بكرامة واللواتي أصبحن عرضة للتحرش والاستغلال الجنسي من طرف أرباب العمل وجهات سلطوية.
من ناحية أخرى تحدثت عن إجبار النزاع أخريات على الزواج وهن في سن مبكرة “تزويج قاصرات” هربا من المسؤولية والنفقات إن الأحداث المرعبة التي حدثت في سورية بدءا من الاختطاف والاعتداءات الجنسية والاستغلال الاقتصادي، مرورا بفرض إجراءات صارمة على حريتهن، من قبل سلطات الأمر الواقع وخاصة التنظيمات المتشددة مثل داعش وصولا إلى حرمان الفتيات من حقهن الإنساني في التعليم والدراسة كان فيه خرق فاضح للمعاهدات الدولية خاصة في مناطق سيطرة التنظيمات المتشدد وسلطات الأمر الواقع.
ولفتت قائلة، أن السوريات سيثأرن ويعدن حقوقهن الضائعة والمهدورة بأنفسهن وبعودتهن إلى التعليم والتمكين المهني من خلال التعليم والتمكين بمختلف المجالات وعلى رأسها الحقوقية والقانونية ووجود دستور عادل وقوانين تضمن الحقوق والحريات والمساواة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية.
وفي سؤالنا عن مدى أهمية محاسبة من نكل بهن لسنوات، ردت، عندما يرتفع مستوى الوعي القانوني والحقوقي لدى النساء مع وجود قوانين عادلة منصفة وجهات ضامنة لتطبيق هذه القوانين وتفعيلها عندها سيأخذ القانون والعدل مجراه للمحاسبة وتستعاد الحقوق.
وعن دور الجمعيات النسوية والمنظمات في ذلك، اعتبرت أن دور منظمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية يتمثل في التوعية والتمكين القانوني والحقوقي للنساء، مردفة، أن المنظمة هي وسيط بين عدة أطراف وصلة تربطها مع بعضها وتساهم في إزالة المعوقات أمام تطور الحياة الاجتماعية على مختلف الأصعدة، ويجب على منظمات المجتمع المدني أن تأخذ دورها الرقابي وأن تساهم في وضع وتخطيط سياسة الدولة الجديدة وقيادتها إلى جانب الأحزاب السياسية والنقابات وعندما يأخذ كل طرف دوره الصحيح فإن المجتمع سيكون في حالة تعافي حقيقية ويتجه نحو التطور الحضاري”.
بدورها أكدت الناشطة المدنية والحقوقية، (براءة نعيم)، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الانسان، أن المرأة السورية عانت طوال فترة الثورة في سوريا ما لا يمكن وصف أو تصنيف تلك المعاناة لكثرتها ولبشاعة حالاتها، معتبرة أن المرأة السورية وخاصة في الأرياف لم تكن سيدة مرفهة تنعم بحياة مريحة كسائر نساء المدن، ذلك لأنها امرأة عاملة في الحقول مع الرجل في الزراعة والحصاد وشتى أنواع الأعمال المضنية، وجاءت الحرب التي أخذت الشباب إلى القتال سواءً في صفوف الجيش أو الثوار ، وفي كلا الحالين تحملت النتائج النساء ، بسبب فقدانهن لرجالهن ، وكن في قلب العاصفة وتحملن الأعباء المضنية كأمهات ومربيات ومعيلات، هذا في أفضل أحوالهن.
وأشارت إلى تعرضهن للاعتقال والتعذيب والاغتصاب والموت حيث وثقت تقارير حقوقية وفاة 12 امرأة يوميا على الاقل قتلا على يد القوات التابعة للنظام، في حين كان سجن جورين للاستعباد الجنسي يشهد حالات اغتصاب عديدة في زنازينه المغلقة، حيث لا صدى لعذابات وصراخ الفتيات ودون مجيب أو مغيث لهن ودون رحمة او شفقة، ومن نجين من الموت تحت التعذيب، روين قصصا مؤلمة وقاسية تنهار عندها أعتى البشر قوة عند سماعها.
وتابعت” بعض الناجيات في ملحمة الموت هذه استطعن توثيق ما حصل لهن، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فالمجتمعات الشرقية لا تتقبل المرأة المغتصبة أو حتى من دخلت السجون حتى لو كان دخولها من أجل ثورة حرية وكرامة، ومع ذلك هناك روايات وقصص كثيرة تم توثيقها وعرضت على مسامع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها”.
وتحدثن عن المنظمات والجمعيات النسوية التي أخذت على عاتقها تحصيل حقوق الضحايا ومحاسبة المجرمين، إلا أن هذه المحاولات تتم في الخارج لسهولة العمل مع المنظمات الإنسانية وعدم ملاحقة الجهات الأمنية لها.
وأضافت، في الداخل السوري لا يمكن في الوقت الحالي أو حتى على المدى القريب مساعدة النساء وفتح الملفات المتعلقة بهن من اغتصاب وتعذيب وقتل وذلك بسبب استمرار سيطرة قوى الأمر الواقع على الحالة السورية، سواءا قوات النظام أو القوات المسيطرة فيما يسمى “المحرر” وذلك لطبيعة وعقلية هذه الحكومات المتشددة”.
وخلصت إلى القول” الأمل معقود على التعاون بين جمعيات نسوية محلية متعاونة أو مدعومة بمنظمات إنسانية وحقوقية في الخارج تعمل بحرية بعيدا عن أعين الجهات الامنية”.
هذه الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأبشع وأكبر حروب القرن الحالي، وكانت التكلفة الاقتصادية لها إلى مارس، آذار 2021 أكثر من 1.2 تريليون دولار أمريكي وفق الإحصائيات ومن الطبيعي أن تكون قد تزايدت الآن بشكل واضح، كانت النساء أكبر ضحاياها، وينتظرن اليوم كغيرهن برغم عدم التوصل إلى حلحلة الصراع والامتثال للقرارات الأممية الشرعية، الخلاص ليقاضين من نكل بهن وسرق عمرهن وأحلامهن ونهب بلدهم ودمره بتعلة “الحماية”.