من يهتم لأمر سورية؟

44

بينما أستعد لمغادرة الأمم المتحدة في نهاية شهر أيار (مايو)، تشغلني الأزمة التي ميزت فترة ولايتي، ألا وهي الحرب الوحشية المذهلة في سوريا والتي تدخل الآن عامها الخامس.

في مؤتمر إعلان التبرعات الشهر الماضي في الكويت، تعهدت دول كثيرة تقديم الملايين من الدولارات لتوفير المساعدات للسوريين المحتاجين. إننا ممتنون لهذه الدول على تعهداتها، والتي تعني تمكين المؤسسات الإنسانية من الاستمرار في تقديم الأغذية والماء والمأوى والرعاية الصحية لإنقاذ الأرواح.

ولكني ما زلت لا أستطيع أن أصدق أن العالم لا يزال مكتفيًا بمشاهدة هذه الأزمة، وقد تكشفت عواقبها الوخيمة على حياة الإنسان. قُتل أكثر من220000 شخص كما هجر نحو 8 ملايين آخرين.

في الأسابيع الأخيرة، قُتل أكثر من 100000 شخص في إدلب والمناطق المحيطة بها في شمال غرب سوريا، في محاولة للهروب من العنف، في حين أغلقت المدارس والمستشفيات والمحلات التجارية من حولهم. وفي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، هناك 18000 لاجئ فلسطيني محاصرين بسبب القتال.

إنهم المواطنون السوريون العاديون الذين يعانون. لقد دفعهم القصف للخروج من منازلهم، وتعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الغذاء والمياه والرعاية الصحية. لقد مُزق شمل العائلات، ودمرت المجتمعات. لقد زرت سورية سبع مرات، وتحدثت إلى اللاجئين السوريين في العديد من زياراتي إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا. وخلال كل زيارة كنت أواجه السؤال نفسه: لماذا تخلى العالم عنا؟ لماذا لا يهتم أحد بنا؟

وهذه الأسئلة ليس موجهة إلى المجتمع الإنساني، ولكنها موجهة لقادتنا، وربما بصفة خاصة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. تحدث الناس عن كيفية طغيان المصالح الوطنية الضيقة على المسؤوليات العالمية الأوسع نطاقاً، على الرغم من جهود ثلاثة مبعوثين خاصين للأمين العام للأمم المتحدة لرسم طريق للخروج من الأزمة. لقيت دعواتنا للحكومة السورية – التي تعلن أن أولويتها هي حماية شعبها – بوقف استهداف المدنيين ووقف استخدام ما يسمى بـ «البراميل المتفجرة» آذاناً صماء.

إذاً ما هو الخطأ، وما الذي يمكن القيام به أكثر من ذلك؟

ما يقلقني كل يوم هو عدم قدرتنا على حماية الناس، ليس فقط في سوريا بل في بلدان أخرى. لقد وقعت 193 من حكومات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان الأساسية. حتى الحرب لها قواعد. ولكن لا يتم احترام هذه القوانين والمبادئ التي تهدف إلى حماية الناس أثناء النزاعات.

ما يميز الحروب الحديثة هو أنها لا تحدث بين القوات المسلحة للدول في قتال بعضها البعض كما كانت الحال في الماضي، ولكنها غالباً ما تحدث بين قوات الدولة والمجموعات المسلحة غير الحكومية من ذوي الولاءات المتغيرة والمعقدة.

وهذا يفرض تحديات للقوانين الإنسانية الدولية وحقوق الإنسان. وغالباً ما لا تحترم جهات فاعلة غير تابعة للدولة، وجماعات مسلحة، وجماعات إرهابية، وفي بعض الأحيان حكومات، تحت ستار محاربة الإرهاب، قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بل وتحتقر الحياة البشرية. إنهم يتصرفون وكأنهم محصنون.

في سوريا، منعت الحكومة والمجموعات المسلحة والجماعات الإرهابية وصول المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى الناس الذين يحتاجونها بشدة. لقد هاجموا المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات. لقد قطعوا المياه والكهرباء عن الناس في المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم – في مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

وقد كان لذلك أثر مدمر على حياة المدنيين، كما أنه قوض مصداقية الأمم المتحدة، على الرغم من الجهود البطولية للعاملين في المجال الإنساني الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة السكان الأكثر عرضةً للمخاطر.

يعمل مجلس الأمن على وجه أفضل، عندما يكون هناك اتفاق على الخطوات اللازمة للتعامل مع قضية محددة. رأينا هذا في النهج الناجح والموحد لمعالجة وإزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا – وهو هدف ظن الكثيرون أنه مستحيل.

بالرغم من صدور ثلاثة قرارات لمجلس الأمن بشأن وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في سوريا، إلا أنه لا يمكننا الادعاء بتحقيق تقدم كبير، ولكن لماذا؟ في مناطق الاقتتال في ظل غياب محفزات عدم التصعيد وعدم وجود اتفاق على الآليات اللازمة لحماية المدنيين مثل إيجاد مناطق حظر جوي ومناطق آمنة، سيبقى استهداف المدنيين قائماً.

إنها مشكلة صعبة للغاية، لكننا لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن ننظر إليها على أنه من المستحيل حلها، لأنها ليست كذلك. من أجل إحراز تقدم، يجب أن نركز جهود الدول الأعضاء ونستفيد من الخبرات الواسعة للأمم المتحدة، بما في ذلك الديبلوماسية العامة والخاصة، من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن انتقال سياسي في سوريا والاتفاق على آليات لوقف تصعيد العنف. يتعين محاسبة البلدان التي تمول منظمات الإرهاب. يجب على البلدان ذات النفوذ أن تستخدم نفوذها بطريقة منسقة ومدروسة.

وقبل أي شيء، يجب أن تكون حماية حقوق الإنسان الأساسية في صلب جدول الأعمال. نحتاج إلى توزيع الأدوار والمسؤوليات بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وإلى السعي للوصول إلى توافق في الآراء بشأن الإجراءات ذات الأولوية، مثل: حماية أمن وسلامة المنشآت الصحية والعاملين في مجال الرعاية الصحية، ووقف تجنيد الأطفال، وحماية النساء والفتيات. ويجب علينا وضع آليات عملية لإنفاذ هذه القوانين. سوف يتطلب كسر الجمود السياسي تغييراً في الحسابات، بحيث توضع احتياجات الناس العاديين في قلب عملية صنع القرار.

تتطلع الدول إلى الأمم المتحدة لممارسة سلطة أخلاقية. ولكن تخيب آمالهم مرة تلو المرة. إنهم يرغبون بنظامٍ دوليٍّ عادلٍ، يعزز المساواة، وينصف الضعفاء والمظلومين، ويحمي حقوق الإنسان ويحاسب أعضاءه. في عالم اليوم، وفي ظل التحديات المعقدة التي تواجهنا، يصبح الأمر أصعب وأصعب. ولكنه ممكن. إنه تحدٍ، تحدٍ يمكننا التغلب عليه بالالتزام والعزيمة والإصرار.

 

 

* وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة في حالات الطوارئ

فاليري اموس

الحياة