من يُراهن على “النصرة” لإنقاذ سوريا؟
منذ توقيع الإتفاق النووي بين المجموعة الدولية 5+1 وإيران ومؤيدو الأخيرة في لبنان يعلنون انتصارهم في سوريا، بل يعلنون انتصار رئيسها بشار الأسد. ويبرِّرون “تفاؤلهم” هذا باعتبارهم الإتفاق إنتصاراً لها في المنطقة بل عليها وعلى أخصامها فيها. ويبرِّرونه أيضاً بموقف أميركي أعلن بعد تحوُّل الثورة الشعبية السورية على الأسد حرباً أهلية – مذهبية، وبعدما فتح ذلك الباب أمام نشوء حركات إسلامية تمارس الإرهاب وتهدِّد به ليس الشعب السوري الثائر وغير الثائر بل شعوب المنطقة كلها والأنظمة الحاكمة فيها. وتضمّن ذلك الموقف أولاً ضرورة حل “الأزمة” السورية بتسوية سياسية إذ لا حل عسكرياً لها. يتمّ ذلك من خلال حوار بين النظام والمعارضة على تنوعها من سياسية وعسكرية برعاية دولية بدأت أميركية – روسية، ويمكن أن تتوسّع لتشمل دولاً إقليمية مسلمة وأخرى عربية تستطيع أن تكون جزءاً من الحل بعدما تحوَّلت ومن زمان جزءاً من المشكلة. وثانياً المحافظة على هيكلية الدولة أي مؤسساتها، وخصوصاً الجيش والأمن الداخلي والأجهزة الأمنية، إذ من شأن ذلك تسهيل تطبيق التسوية، في حين أن فرط الدولة يجعل مستقبلها مجهولاً وغامضاً بل كارثياً. وثالثاً خروج الرئيس الأسد من السلطة بعد التفاهم على تسوية، وبعد بدء تطبيقها والتأكد من استمرار هذا التطبيق.
إلاّ أن هؤلاء المؤيدين اللبنانيين لإيران ينسون أو يتجاهلون أن ما بقي من الموقف الأميركي هو التسوية السياسية لا العسكرية. أما الباقي فلم يعد يصلح لتغيّر الظروف وتبدُّل المعطيات والوقائع على الأرض. فالمؤسسات التي حرص عليها الأميركيون لإعادة إنهاض الدولة السورية وأهمها العسكرية والأمنية فقدت طابعها الوطني وتحوَّلت مذهبية وضمُر عددها، ونشأت إلى جانبها ميليشيات طائفية صار رُعاتها، وهم غير سوريين، أصحاب الكلمة الأولى في نظامها. وفي مقابلها نشأت طبعاً عشرات الميليشيات الطائفية بدورها، وهي مع الدعم الذي تتلقاه من دول إقليمية عدة تتمتع بهامش “حرية” أو تمرُّد على الداعمين لأنها تعرف مدى حاجتهم إليها لتعويض عجزهم المزمن وفاعليتهم المفقودة. طبعاً لا يعني ذلك أن الحوار إذا بدأ لن يكون الأسد طرفاً فيه، بل يعني أنه سيرحل على الأرجح بعد النجاح في الإتفاق على صيغة جديدة للحكم أو نظام جديد. ذلك أن الثورة أساساً قامت لإسقاطه وأنها لا يمكن أن تقبل به، بعد تحوُّلها حرباً أهلية مذهبية يلعب الإرهاب فيها دوراً مهماً مماثلاً لدور النظام تجديداً له لأنه سيكون تجميلياً.
وهنا يخطئ مؤيدو إيران من اللبنانيين عندما يؤكدون تمسُّك إيران بالأسد باعتباره “عصب” “الممانعة” ومحورها. فهي دولة كبيرة ذات مصالح. والأشخاص لا يكونون عائقاً أمام مصالحها وخصوصاً إذا أمنت موافقتها على تنحّيه وحتى على تعديل جدّي في النظام ضمانات حقيقية لمصالحها و”لشعبه” الذي وقف معها، وما كان يستطيع الصمود من دونها وحزبها اللبناني ومن دون روسيا. أما إذا كانوا غير مخطئين فإن التسوية السياسية لن تحصل أو ربما تتأخر كثيراً، ويستمر القتال والدمار وسقوط الضحايا. وفي النهاية فإن الحل الذي قد يلوح في الأفق، وذلك قد يكون بعد سنوات، سيعتمد على الإسلاميين السوريين المعتدلين الذين “داعش” ليس منهم. والمعلومات المتوافرة في هذا المجال تشير إلى أن أميركا أو بالأحرى إدارة أوباما لا تزال مقتنعة بأن الإسلام المعتدل أو الإسلامية هو البذرة الأساسية للتسويات في المنطقة التي تغزو شعوبها المسلمة التيارات الإسلامية البالغة التطرُّف، وذلك رغم فشل التجربة المصرية “الإخوانية” التي رعتها تركيا أردوغان. وهو فشل تسبَّب به اعتبار الأخير أن “إخوان” مصر والعرب مثل إسلامييه ذوي الجذور الإخوانية معتدلون فعلاً. ولا يعني ذلك أن إسلاميي سوريا المعتدلين كما إسلاميي غيرها سيكونون مختلفين عن “إخوان” مصر، بل يعني أن المجتمع الدولي قد يرى نفسه مضطراً إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ. وهنا لا بد أن يلاحظ الناس كلهم أن هناك حصراً للإرهاب بـ”داعش” وتجنباً لمهاجمة “النصرة”، وترويجاً لاعتدالها وتسهيلاً لتحالفاتها مع تنظيمات معتدلة أو غير إسلامية في سوريا. ولا بد تالياً أن يستخلصوا العبر من ذلك. وهذا أمر لا تريده إيران طبعاً ولا تحبِّذه. لكنها لا يمكن أن تتنصَّل من مسؤوليتها غير الحصرية طبعاً عن حصوله، إذا حصل، باعتبار أن تركيا والدول العربية السنّية وأميركا وروسيا مسؤولة كلها أيضاً عن ذلك.
سركيس نعوم
النهار اللبنانية