ناهد غزول: المجتمع الدولي يسعى لتحويل مأساة الشعب السوري إلى قضية مساعدات إنسانية

ناهد غزول: وجود نظام الأسد مرتبط بشكل وثيق ببقاء إيران في سورية

148

لا شيء أقسى من مأساة العيش في واقع حرب وقصف مستمر وخوف ورعب من مستقبل مظلم لا أمل في وجود مخرج لمشاكله، حال السوريين اليوم الذي يتخبّط  في عتمة الاحتلال والاستغلال والجوع والمتاجرة بقضيته من قبل مختلف المتدخلين وتجّار الحرب المستفيدين من إطالة عمرها، فكم من ثكلى تنتظر الفرج لمحاسبة قاتل زوجها والقصاص له قانونيا في ظل دولة تحترم حق المحاسبة ودماء الأبرياء، وكم من يتيم ينتظر أن تكفّ دموعه حين يحاسب قاتل والديه وكم من أمّ ذاقت لوعة فراق فلذة كبدها تقف على أعتاب محكمة تنتظر هي الأخرى أن تنتصر لحق ابنها الذي مات بالقصف و بالخوف  والجوع أو اختطف وعجزت عن معرفة مصيره، حال السوريون لا يسرّ الإنسانية لكنه ينتظر تحرك الأخيرة فينا للخلاص.
وترى الدكتورة ناهد غزول الباحثة في جامعة باريس نانتير بفرنسا، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القضية السورية باتت من هواجس صناع السياسة، لافتة إلى أن تعويم النظام سياسة لن تمضي دون عواقب وخيمة، مشدّدة على أن الحل في سورية يبدأ من تطبيق القرارات الدولية لا تجاوزها.

س- شنّت مجموعة من النّشطاء حملة واسعة لإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري ومعرفة مصير آلاف المفقودين والمغيبين قسريا، برأيك هل من الممكن أن تؤثر مثل هذه الحملات على المجتمع الدولي لكشف خفايا هذا الملف الشائك وكيف يمكن التأثير بطريقة أشرس؟

ج- في الحقيقة إن ملف المعتقلين يُعدّ من أهم الملفات وهو ملف فوق تفاوضي، يحمل الألم لمئات الآلاف من العوائل السورية وهناك تهرب تام من الكشف عن مصير المعتقلين والمعتقلات من قبل النظام وباقي الفئات الحاكمة على الأرض.
القضية السورية باتت من هواجس صناع السياسة لذلك وجب التنويه أولا أننا “نريد المعتقلين والمعتقلات” ونريد معرفة مصيرهم.

ولا شك في أن مثل هذه الحملات تعيد التذكير بالملف الأهم والأخطر ومن المحتمل أن تؤدي هذه الحملات إلى تحفيز العمل الدولي الجاد على هذا الملف.

يجب أن تكون هناك وقفات تضامنية من ناشطين وأهالي المعتقلين مع منظمات حقوقيّة ودولية، تعنى بالشأن الإنساني أمام المقرات الدولية ومجلس حقوق الإنسان والسفارات.
يجب أن تكون هناك آليات جديدة وعمل جاد لإخراج المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والمُغيبين.

س-أعربت بعض الدول العربية التي سبق وأن قطعت العلاقات مع سورية بعد الثورة بسبب سياسة النظام، على غرار مصر وتونس والإمارات والأردن والسّلطات الفلسطينية والعراق وعُمان والجزائر، عن استعدادها لاستئناف هذه العلاقات مع دمشق، برأيك ما هي خفايا هذه النوايا، هل هي إبعاد إيران عن الشرق الأوسط أم أن تلك الدول الإقليمية قد فهمت أنه لا استقرار في المنطقة دون سورية؟
ج- ممّا لا شك فيه أن تعويم النظام سياسة لن تمضي دون عواقب جسيمة فيما لو تمّت. إن مصالح الدول الاقتصادية سيّما دول الجوار هو ما يحثها على التطبيع لتعويم النظام.
في الحقيقة حين تتحول دولة إلى مصنع للمخدرات على يد إيران وحزب الله وتحت إشراف النظام والروس فإنّها تصبح مصدرا أساسيا للخطر، ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم قاطبة.
وقولنا إن سياسة التطبيع خطوة لتحفيز النظام للابتعاد عن إيران لضرب من الخيال، فالنظام يعتبر إيران السبب الأول لبقائه والتطبيع معه يعني انتقال التشيّع إلى مختلف البلاد العربية تحت مسميات وستائر مختلفة لذلك فإن التطبيع من وجهة نظري، هو تعزيز لحظوظ إيران في الانتشار السريع في الدولة المُطبّعة.
إن السياسة بلا أخلاق، للأسف،  ولا توجد ضوابط إنسانية لذلك، إذ يسهل على بعض الحكومات أن تقوم بالتطبيع إذا ضمنت تبعاته سيما العقوبات المفروضة أوروبيا وأمريكيا على المطبّعين.

س- بعد تغلغل إيران وميليشياتها في سورية، ألا تبدو لك مهمة إخراجها صعبة، خاصة بعد دفع السوريين إلى التشيّع وشراء العقارات والأراضي والقيام باستثمارات وانطلاقها في سَنّ سياسة تغيير ديمغرافي خطيرة على مستقبل وحدة سوريا؟
ج-كما سبق وأشرت، إلى إن وجود نظام الأسد مرتبط بشكل وثيق ببقاء إيران في سورية ونحن نسمع عن الفرق السورية المرتبطة بإيران والتي تعمل لصالحها وبالطبع فإن إيران تحدثت عن الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت هلال يسكنه الموت والدمار والجوع والاعتقال والخرافات يعتمد أساسا على التغيير الديمغرافي الممنهج لتستتب له الأمور ويحقق أطماعه في بناء دول الفرس ثانية، سيكون أمامنا عمل طويل لكننا نعول على وعي السوريين في إحباط هذا المخطط الإرهابي واستعادة سوريتنا.

س- ما تقوم به تركيا في الشمال السوري أيضا، من انتهاكات يُعدّ جريمةً وتغييرا ديمغرافيّا.. كيف يمكن التصدي له؟؟
ج- سورية تعاني من خمس احتلالات ولا شك في أن العوامل على الأرض هي مايحرك تركيا للدخول إلى سوريا. مالم يكن هناك تطبيق كامل للقرار 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالي تعمل على إدارة شؤون البلاد والتهيئة لكتابة دستور والاستفتاء فيه، ومن ثم إجراء انتخابات شعبية في كنف سوريا واحدة حرّة خالية من أي جيش وأية تبعية، فلن نتمكن من تحقيق الاستقرار على الأرض.

س- كشف “غوتيريس” أنه تم التمديد في آليات المساعدات الإنسانية، لافتا إلى أن الوضع خطير وأن نسبة السوريين تحت خط الفقر تجاوزت الـ 90%.
وفي سؤالنا للدكتورة ناهد ألم يحن وقت محاسبة من جوّع الشعب السوري ودفع بدمار بلده أم أن المصالح الدولية التي تقتضي مواصلة النظام مهامه أهم وأوسع؟
ج- المجتمع الدولي يحاول، للأسف، أن يُحوّل مأساة شعب واجه أعتى أنواع الأسلحة في العالم وأشدّها عليه بدءًا من انتهاكات النظام وانتهاءً بالسلاح الروسي والإيراني والأمريكي والإسرائيلي والتركي والفصائل المتطرفة، ناهيك عن البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي والاعتقال والتهجير، إلى قضية المساعدات الإنسانية، هم يعالجون الأسباب ولا يعالجون المشكلة.
– إن الأطراف الدولية المشتركة في الصراع داخل سورية تحاول تصفية حساباتها الدولية على حساب الملف السوري، فالتوصل مثلا إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني مقابل إطلاق يد إيران أكثر في سورية أو أن يتم تسوية الملف الأوكراني الكازاخستاني وملف شبه جزيرة القرم مقابل منح سورية سماءً وأرضاً للروس. إن الدم السوري رخيص في نظر المجتمع الدولي وهذا النظام مازال يؤدي دوراً مرسوماً له ولذلك يتمسك به شركاء الحرب بالوكالة.

س- استعدادات لعقد لقاء لإعادة تنظيم صفوف المعارضة في الدوحة، ما توقعاتكم لهذا اللقاء وهل يمكن أن ينجح في إعادة تجميع المعارضة خاصة بعد موجة الانقسامات طيلة السنوات الأخيرة؟
ج- نتمنى أن يُكلّل هذا اللقاء بالنجاح، فحالة الاستعصاء والجمود السياسي وكثرة منصات المعارضة وحواملها تضعف وتفرق السوريين أكثر مما تجمعهم.

لطالما حاول النظام مع شركاء الحرب بالوكالة إطالة زمن الحرب كي يزداد السوريون فرقةً وتشتتاً وانقساماً وحتى تنحاز الثوابت عن مسارها الصحيح ويصبح فرض الحلول التي لا تلبي تطلعات السوريين في الحرية والديمقراطية والعدالة أمرا بديهيا. لذلك نبارك الجهود التي تعمل على توحيد كلمة المعارضة والوصول إلى نتائج تدفع نحو تطبيق القرار 2118 و2254.
يتوجب على الجميع أن يعملوا تحت سقف الوطن سورية ونحو تحقيق دولة المواطنة، على الجميع أن يفهموا أن الآخر موجود وأنه لا يمتلك الحقيقة وحده، بل إن الحقيقة مقسمة بين الجميع وبهذا تنخفض وتيرة الأنا وفي الحقيقة لا يستطيع طرف واحد أن يحظى بالتمثيل الشعبي ولا الاعتراف الدولي، لكن في التعاون شدّ عَضُد وقوّة.