هجرة الصناعة السورية إلى مصر: المقربون من النظام يرحلون بعد استنزاف خزائنهم

36

تتفاعل يومياً قضية هجرة الصناعيين السوريين والأدمغة من مناطق النظام السوري باتجاه مصر على وجه الخصوص، وسط إنكار رسمي لوجود مثل هذه الهجرة من الأساس، رغم المعطيات الكثيرة والمعلومات التي أدلى بها مقربون من النظام، وعلى رأسهم رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، ورئيس تحرير صحيفة “الوطن” شبه الرسمية وضاح عبد ربه، الذي اختار الكتابة عن هذا الموضوع على صفحته الشخصية في “فيسبوك” أخيراً وليس على صفحات جريدته.

وقبل أيام، كتب فارس الشهابي، على صفحته في “فيسبوك”، أن هجرة العقول والأموال هي أخطر بكثير مما حصل في العام 2012، واصفا كل من ينكرها بأنه “منفصل عن الواقع”، في إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء في حكومة النظام حسين عرنوس، الذي أنكر خلال إلقائه البيان الحكومي في مجلس الشعب وجود مثل هذه الهجرة، طالبا من أعضاء مجلس الشعب تزويده بأي معلومات لديهم عنها.

أما عبد ربه، فقد اعتبر هجرة العقول والأموال إلى مصر أنها انطلاق لمرحلة تفريغ سورية من كوادرها وشبابها، محملا الحكومة المسؤولية، لأنها لم تفعل شيئاً لوقف مثل هذه الهجرة، على حد قوله.

رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية : على الحكومة التدخل لوقف نزيف هجرة الصناعيين من سورية إلى مصر

كما هاجم عبد ربه وزارة المالية بسبب سياستها الضريبية، متسائلا “ما الفائدة من تحصيل 100 مليار ليرة إذا خسرت سورية آلاف المليارات”، داعيا رئيس الوزراء إلى “عقد جلسة حوار موسعة مع التجار والصناعيين والأطباء والكوادر و”محاولة وقف هذا النزيف الذي سنسدد ثمنه غاليا جدا” على حد قوله.

وعدا عما كتبه الشهابي وعبد ربه، فهناك يومياً عشرات المعلومات التي يكتبها محللون اقتصاديون وخبراء وناشطون على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على المواقع الإعلامية، والتي يطالبون فيها الحكومة بالتدخل لوقف نزيف هجرة الصناعيين من سورية إلى مصر، بالإضافة إلى هجرة الشباب من أصحاب الشهادات إلى خارج البلد، بقصد الوصول إلى أوروبا أو العمل في أسواق الدول الأخرى، بعد أن أصبحت ظروف الحياة المعيشية في سورية لا تطاق. ناهيك عن الأوضاع الأمنية السيئة في ظل سيطرة المافيات المقربة من أجهزة المخابرات على مجمل الحياة العامة، وتعميق الفساد داخل المجتمع.

غير أن اللافت في الحديث عن هجرة كبيرة للصناعيين السوريين إلى مصر، أنه تنقصه المعلومات الدقيقة والبيانات عن أسماء بعينها أو شركات ومعامل قامت بهذا الفعل، وهذا الأمر مرده، بحسب المحلل الاقتصادي مروان القويدر الذي يعيش في دمشق، إلى إن هجرة الصناعيين السوريين، بالمعنى الحقيقي للكلمة، لم تحصل بعد، وإنما هناك معامل كثيرة متوقفة عن العمل ومعروضة للبيع، ورجال أعمال باتوا يزورون مصر بكثرة في الآونة الأخيرة، ويلتقون مع التكتلات التجارية والاقتصادية هناك، بهدف جس نبض الأسواق تمهيدا للهجرة النهائية.

تسهيلات وتطمينات مصرية

ويرى القويدر أن مصر من جهة ثانية بدأت تغازل الصناعيين ورجال الأعمال السوريين، وتقدم لهم التسهيلات والتطمينات الكثيرة، من أجل جذبهم إلى أسواقها، بعد نجاح تجربة اللجوء السوري في مصر، التي أثمرت عن نشاط اقتصادي في عدد كبير من القطاعات، وبالذات النسيج والألبسة والعقارات والسياحة والمطاعم، بالإضافة إلى سوق المهن.

القويدر: مصر بدأت تغازل الصناعيين ورجال الأعمال السوريين، وتقدم لهم التسهيلات والتطمينات الكثيرة، من أجل جذبهم إلى أسواقها، بعد نجاح تجربة اللجوء السوري على أراضيها

وفي سياق متصل، يرى الإعلامي “م. ع”، الذي يعمل في إحدى مؤسسات النظام الصحافية وطلب عدم الكشف عن اسمه، أن الهجرة الحقيقية للصناعيين السوريين تمكن مشاهدتها بوضوح في مدينة حلب (شمال غرب)، التي توصف بعاصمة الصناعة في سورية، لافتا في تصريحات لـ”العربي الجديد” إلى أن هناك أكثر من خمسين مصنعا كبيراً توقفت عن العمل، إضافة إلى عشرات المعامل الصغيرة والورش، وأنه تم بالفعل شحن آلاتها ومعداتها إلى خارج سورية، وليس بالضرورة إلى مصر، على حد قوله.

وكشف الإعلامي “م. ع”، الذي يقيم في حلب، أنه التقى قبل عدة أيام برئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، وأن هذا الأخير أخبره بأنه إذا لم تتدارك الحكومة الأمر، فإن جميع صناعيي حلب سوف يغادرون إلى خارج سورية، واصفا الأمر بالكارثي والخطير، وخصوصا في أعقاب التضييق على التجار من خلال الضرائب والجمارك و”شبيحة الترفيق” على الحواجز التابعة لمليشيات الدفاع الوطني والفرقة الرابعة.

وأفاد المحلل والخبير الاقتصادي أسامة القاضي بأن هناك تعتيماً على حجم هجرة الصناعيين السوريين إلى خارج البلد، لكنه أكد أن واقع الاقتصاد السوري “بات منفراً إلى درجة هائلة”، مشيرا إلى أنه “حتى الذين كانوا مستفيدين سابقاً من واقع الاقتصاد السيئ، لم يستطيعوا البقاء في السوق السورية”.

الموالون والأكثر قرباً من النظام

وأضاف القاضي، الذي يترأس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أنه منذ المرسوم رقم 3 لعام 2020، الذي منع التعامل بغير الليرة السورية مع عقوبات تصل إلى سبع سنوات سجناً لمن يخالف المرسوم، بدأت أوضاع التجار والصناعيين السوريين في التدهور، بمن فيهم الموالون والأكثر قرباً من النظام، لأن هذا المرسوم، بحسب قوله، أصاب الاقتصاد السوري في مقتل، حيث أصبح مستحيلاً على الصناعي والتاجر داخل سورية أن يستورد المواد الأولية لصناعته من الأسواق الخارجية، في ظل إغلاق العديد من مكاتب الصرافة والتضييق على السوق السوداء التي كانت تؤمن للصناعيين ما يحتاجونه من الدولار، بينما عجز المصرف المركزي حتى الآن عن تأمين أية بدائل أخرى.

كان تقرير صادر عن “نقابة عمال المصارف” في دمشق، مطلع العام الجاري، قد قدر خسائر الاقتصاد السوري منذ بداية الحرب في 2011 وحتى حينه بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.

المصدر: العربي الجديد