هل انتهى المسار السياسي للحل في سوريا؟

11

تشير معطيات الأيام الأخيرة إلى انهيار تفاهمات دولية ذات صلة بالمسار السياسي في سوريا، وهي التفاهمات التي كانت قد قادت إلى الاتفاق بين كل من موسكو والأمم المتحدة، وبموافقة المجموعة المصغرة لدعم سوريا، على إنشاء ودعم مسار التفاوض على الدستور بين النظام والمعارضة في جنيف. وسيعني هذا الانهيار أن ما تبقى من المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة قد يكون مصيره التوقف تماماً، في مؤشر على ارتفاع حدة الخلافات بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سوريا.
كان شهر أيلول/سبتمبر الماضي قد شهد حراكاً واسعاً من المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا، بهدف الحصول على موافقة كل من الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) ومجموعة العمل المصغرة من أجل سوريا، التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والسعودية والأردن، لتحديد تفاصيل عملية التفاوض حول الدستور في جنيف، واختيار الأسماء من بين مرشحي المعارضة والنظام. وكان المبعوث الدولي قد التقى ممثلين عن الدول الضامنة لأستانا في جنيف لمتابعة هذا الملف، إلا أن خلافات قد بدأت بالظهور خلال هذا الاجتماع حول عدد وحصة كل طرف في لجنة الدستور، وبالمقابل فإن المجموعة المصغرة قد ضغطت على المبعوث الدولي للبدء في المسار بأسرع وقت ممكن خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر، وذلك في لقاء عقده المبعوث الدولي مع ممثليها على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك.
وكان الإعلان عن مسار التفاوض على الدستور قد جاء بعد بيان مؤتمر سوتشي «للحوار السوري»، بناءً على تفاهم بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، تضمن اعتماد بيان سوتشي لمسودة المبادئ الإثني عشر التي قدمها ديمستورا حول الحل السياسي في سوريا، والخروج بتوصيات لبدء العمل بمسار الدستور برعاية الأمم المتحدة في جنيف، مقابل حضور المبعوث الأممي لمؤتمر سوتشي «للحوار السوري» الذي عقد نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وبشرط أن يكون مؤتمر سوتشي مؤتمراً يعقد لمرة واحدة.
من جهة أخرى، واجهت الهيئة العليا للمفاوضات انتقادات واسعة النطاق في سوريا، خاصة بعد انطلاق مظاهرات كبيرة في الشمال السوري تحت شعار «هيئة المفاوضات لا تمثلني»، تعبيراً عن رفض المتظاهرين لأداء الهيئة وتركيبتها التي تضم شخصيات محسوبة على موسكو مثل قدري جميل، بالإضافة إلى انخراطها في مسار الدستور الذي يعتبره كثيرون ممراً لإعادة تعويم نظام بشار الأسد دولياً.
وللرد على هذه المظاهرات، قام رئيس الهيئة بما يشبه الحملة الصحفية من خلال خروجه في عدد من اللقاءات على أكثر من قناة تلفزيونية، حاول فيها شرح موقف الهيئة وتفسير عملية التفاوض على الدستور باعتبارها جزءً من السلال الأربع التي أقرت خلال مفاوضات جنيف وفق قرار مجلس الأمن 2254 حول سوريا. إلا أن السيد نصر الحريري، وخلال مقابلة أجراها مع قناة العربية الحدث، صرّحَ أن معلومات وصلته عن دعم النظام للتصويت على فيس بوك لصالح تسمية التظاهرات خلال الجمعة الماضية «هيئة التفاوض لا تمثلني»، وهو ما اعتبره ناشطون نوعاً من الاتهامات التي اعتاد النظام توجيهها للمتظاهرين باعتبارهم متآمرين مع الخارج.
بالمقابل، فإن الأجواء الدولية تبدو غير مستعدة حتى لرعاية مسار الدستور، الذي كانت موسكو قد وافقت عليه سابقاً، ثم عادت اليوم للتراجع عن تعهداتها مطالبةً بأغلبية الثلثين للنظام في لجنة الدستور، وبرئاسة اللجنة لصالح النظام، الأمر الذي دفع ديمستورا للتهديد بعدم الاعتراف بشرعية هذا المسار، حسب ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن دبلوماسيين غربيين.
يعطي هذا التراجع، وبوادر انهيار المسار المتبقي من مفاوضات جنيف، مؤشراً على انتقال حدة الصراع والخلاف بين الدول الفاعلة في سوريا إلى مرحلة جديدة كليّاً، خاصة بين موسكو وواشنطن، على خلفية ضغط الأخيرة بشكل واسع لخروج إيران وقواتها من سوريا، الأمر الذي يعني أن التوازنات الهشّة التي سمحت باستمرار نوع من الاعتراف الدولي بمسار سياسي ترعاه الأمم المتحدة للحل في سوريا في طريقه إلى الانهيار.
الشروط الروسية لديمستورا كانت غير منطقية، وموسكو تعلم أنها لن تتحقق، إلا أن الغرض منها على ما يبدو هو الإعلان عن قطع شعرة معاوية بين القوى الدولية في الملفّ السوري، والاستعداد للصدام المباشر أو غير المباشر على الأرض لفرض وقائع جديدة. ولتغيير الوقائع الأرض، ستستخدم كل من موسكو وواشنطن حلفاءها المحليين والإقليميين للضغط على الأخرى، وهو ما قد يهيئ الأجواء أمام نشوب صدام عسكري بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية.

عروة خليفة
المصدر: الجزيرة نت