هيئة تحرير الشام تعود بقوة إلى الواجهة مع انحسار نجم داعش

27

صعدت هيئة تحرير الشام بقيادة جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) من عملياتها ضد الجيش السوري والمقاتلين الموالين له، بالتوازي مع سعيها لإنهاء أو تحجيم أي خطر يتهددها من داخل معاقلها في محافظة إدلب وريفي حماة وحلب، خاصة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تخشى الهيئة أن يستغل الأخير الفوضى الحاصلة في مناطقها لإعادة تجميع شتاته واتخاذها قاعدة انطلاقة جديدة، مع اقتراب خسارته لآخر جيب له (الباغوز) شرق سوريا.

ويقول محللون إن الهيئة والفصائل المتحالفة معها، على غرار حراس الدين، تدرك أن الأنظار شاخصة نحوها مع اقتراب إعلان التحالف الدولي القضاء على تنظيم داعش، وقد بدأت تتحرك في ضوء ذلك باستعراض قوة لتأكيد أنها قوة لا يستهان بها، وأن أي هجوم يستهدفها من خصومها لن يكون نزهة.

وشن تنظيم محسوب على “حراس الدين” هجوما فجر الأحد على نقاط عسكرية في شمال محافظة حماة بوسط سوريا أسفر عن مقتل 21 عنصرا من الجيش السوري والمقاتلين الموالين له، وهذا ثاني أكبر هجوم لحراس الدين خلال أقل من أسبوعين على القوات الحكومية.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان “قتل فجر الأحد 21 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها بهجوم لمجموعة جهادية انغماسية على نقطتين في محور المصاصنة في ريف حماة الشمالي”. وأكد المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له أن الهجوم قام به عناصر من “أنصار التوحيد” الموالين لمجموعة “حراس الدين، مشيرا إلى مقتل خمسة جهاديين فيه.

من جهتها، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري قوله “في تمام الساعة الواحدة والنصف من فجر الأحد، قامت مجموعات إرهابية مسلحة بمهاجمة بعض نقاطنا العسكرية على امتداد محور المصاصنة بريف حماة الشمالي (…) في ظل أجواء جوية سيئة وعاصفة”.

وأشار المصدر، بحسب الوكالة، إلى تصدي الجيش للمهاجمين و“القضاء على أعداد منهم وتدمير عتادهم وأسلحتهم (…)”، مضيفا “ارتقى عدد من جنودنا البواسل شهداء، وأصيب آخرون بجروح”.

ولفت المرصد السوري إلى أنها “من أكبر الخسائر البشرية في صفوف قوات النظام منذ اتفاق الهدنة” في محافظة إدلب المجاورة. وأكد المصدر العسكري أن “انخفاض المعارك في بعض الأماكن لا يعني الركون للإرهابيين”، مؤكدا استعداد القوات الحكومية “للتصدي لهجمات الإرهابيين القتلة على المحاور المتبقية في حربها ضد الإرهاب”.

كذلك، نقلت سانا عن مصدر في وزارة الخارجية السورية تأكيده “الجاهزية العالية والتامة للجيش العربي السوري في التصدي لهذه الجرائم والخروقات وعدم السماح للإرهابيين ومن يقف وراءهم بالتمادي في اعتداءاتهم على المواطنين الأبرياء”، في إشارة على ما يبدو إلى تركيا.

ويشير المحللون إلى أن تصعيد هيئة تحرير الشام خاصة ضد الجيش السوري لا يمكن حصوله دون موافقة تركيا، التي سبق ومنحتها في ديسمبر الماضي الضوء الأخضر للسيطرة على معظم أنحاء إدلب والأرياف المحيطة التي كانت تحت سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير، ضاربة عرض الحائط باتفاق سوتشي الذي جرى مع موسكو في سبتمبر الماضي.

وتراهن تركيا على الهيئة، التي أظهرت قدرة كبيرة من ناحية التنظيم أو الشراسة في القتال، لتحقيق أهدافها في سوريا، وقد عملت على مدار السنوات الأخيرة على إعادة تعويمها ومحاولة “سورنتها” وهذه الجهود مستمرة رغم أنها تقابل إلى حد الآن بفيتو خاصة من قبل روسيا، التي أعربت في الآونة الأخيرة مرارا عن امتعاضها من عدم تنفيذ اتفاق إدلب.

وكانت آخر التصريحات تلك التي وردت على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لوكالة الأنباء الكويتية “كونا” في بداية جولة خليجية تشمل إلى جانب الكويت كلا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وقال لافروف الأحد إن بنود مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها بين روسيا وتركيا في سبتمبر بسوتشي حول استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، ولاسيما إنشاء المنطقة منزوعة السلاح وسحب جميع المسلحين والأسلحة الثقيلة منهم، لم تنفذ بالكامل.

وأضاف لافروف “نحث شركاءنا الأتراك على الوفاء بالتزاماتهم بموجب مذكرة استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب التي تم توقيعها في 17 سبتمبر 2018”، في أوضح تصريح روسي منتقد لتركيا، ذلك أنه في السابق كان المسؤولون الروس يتجنبون توجيه أي انتقاد لأنقرة تجاه تعثر تطبيق اتفاق سوتشي.

ويبدو وفق متابعين أن موسكو تخلت عن حذرها حيال عدم توجيه انتقادات لأنقرة، خاصة وأن الأخيرة أظهرت بشكل لا لبس فيه أن اتفاق سوتشي كان محاولة لكسب الوقت، لعقد صفقات مربحة سواء مع الجانب الأميركي أو حتى الروسي.

وأبرم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في 17 سبتمبر اتفاقا نص على إقامة “منطقة منزوعة السلاح” في إدلب، آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا، وجنّب المحافظة الواقعة في شمال غرب البلاد هجوما وشيكا كان يعدّ له نظام الرئيس بشار الأسد.

وتشمل المنطقة منزوعة السلاح، والتي يراوح عرضها بين 15 و20 كيلومترا، أطراف محافظة إدلب ومناطق سيطرة الفصائل المعارضة والجهادية في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي.

وبموجب الاتفاق الروسي-التركي، على كل المقاتلين المتطرفين، خصوصا عناصر تنظيم هيئة تحرير الشام، الانسحاب من تلك المنطقة. لكن عناصر تحرير الشام أحكموا قبضتهم منذ ذلك الحين.

ويقول مراقبون إن تصعيد هيئة تحرير الشام يشكل تحديا كبيرا للنظام السوري وورسيا على وجه الخصوص التي راهنت على إمكانية إقناع تركيا بصوابية التعاون معها في القضاء على الجماعات المتطرفة.

ويشير هؤلاء إلى أنه لا يعرف كيف ستتعاطى موسكو حيال هذا الوضع المستجد، فهل ستقدم على مغامرة بشن هجوم واسع على محافظة إدلب والأرياف المحيطة، في ظل الرفض التركي والتحفظ الدولي خاصة وأن تلك المناطق تضم أكثر من 3 ملايين نسمة؟ وقد أعربت مؤخرا واشنطن عن قلقها حيال إمكانية تعرض مناطق خفض التصعيد في إدلب إلى هجوم، من شأنه أن يؤدي إلى موجة نزوح غير مسبوقة.

في المقابل فإن استمرار استراتيجية روسيا الحالية في التعاطي مع مناطق خفض التصعيد سيعني تثبيت هيئة تحرير الشام، التي تشعر اليوم بأنها في وضع أفضل بكثير مقارنة بالشهور التي سبقت اتفاق سوتشي.

وأقدمت هيئة تحرير الشام السبت على إعدام أعضاء من تنظيم الدولة الإسلامية، فيما بدا رسالة واضحة على أنها لن تقبل أي منافسة في مناطق سيطرتها. ذكرت وكالة إباء الإخبارية الموالية لهيئة تحرير الشام في سوريا أن عمليات الإعدام نفذت ردا على هجوم انتحاري بقنبلة شنه التنظيم على مطعم بإدلب في اليوم السابق.

ورغم أن تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التي تتألف منها هيئة تحرير الشام وأبرزها جبهة النصرة، يشتركان في نفس الفكر الجهادي المتشدد، إلا أنهما يواجهان بعضهما البعض منذ سنوات.

وخسر تنظيم الدولة الإسلامية كل أراضيه تقريبا أمام الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران وفصائل شيعية، وحملة أخرى تقودها قوات سوريا الديمقراطية بدعم جوي كثيف من التحالف الدولي.

ونقلت إباء عن أنس الشامي المسؤول الأمني في تحرير الشام قوله إن عمليات الإعدام “السبت في نفس مكان الجريمة جزاء عادل لعلهم يرتدعون ويفيقون من سكرتهم”.

ونشرت الهيئة صورا لرجال مسلحين مقنعين يرتدون ملابس مموهة وهم يطلقون النار من مسدسات على رؤوس عشرة رجال ملتحين يجلسون على رصيف.