أحزان الصدر الأعظم

63

548207833d3b6143af74d0692d845ab76cf512a

في تقرير لافت كتبه جوني هونغ ونك تاترسال، الأخير مراسل رويترز، بيان كاشف عن طبيعة المأزق الذي وقعت فيه «الإردوغانية» الجديدة بعد انهيار مشروع الهيمنة الإخوانية في المنطقة من مصر إلى ليبيا وتونس واليمن ولاحقا سوريا.. كما كانت تفكر جماعة رجب إردوغان، من خلال «الأستاذ» المعلم داود أوغلو، صاحب كتاب «العمق الاستراتيجي».

أوغلو صار الآن رئيس وزراء بعدما صار إردوغان رئيس جمهورية، وهذا المنصب يوازي في التراتيب العثمانية بأبهة «الخلافة» موقع «الصدر الأعظم». وربما تماهى الحكيم الصدر الأعظم مع الرئيس السلطان إردوغان في هذه الإيحاءات.

تركيا إردوغان كانت تتخيل مشهد المنطقة مع ازدهار الربيع الإخواني، قيام حلف فيه مصر وتونس وليبيا وربما الجزائر، في أفريقيا، وسوريا وربما الأردن واليمن وما تيسر من دول الخليج، في آسيا، تقوده حكومات إخوانية، موقع الزعامة في هذا الحلف لتركيا وسلطانها العصمنلي الجديد.

ضغطها الشديد في سوريا على نظام الأسد، هو ضمن هذه الرؤية، إضافة طبعا لاعتبارات الجوار الحدودي والمخاطر الأمنية، وهو غير الضغط السعودي على الأسد الذي طالب بنفس الطلب التركي وهو رحيل الأسد، لكنه اختلف في خطوة «اليوم التالي» بسوريا، فحيث كان طموح تركيا إدراج سوريا ما بعد الأسد في جوهرة التاج الإخواني التركي العصمنلي الجديد، كان هدف السعودية استعادة سوريا إلى ميدانها العربي، وطبيعتها الوطنية المدنية. وربما هذا ما يفسر الآن جانبا من حماسة السعودية للتحالف الدولي ضد «داعش» سوريا، مسألة من يحكم بعد الأسد.

عودا للتقرير المذكور، نشرته «ميدل إيست أونلاين» حول مؤتمر عقد في إسطنبول قبل أيام تحدث فيه رئيس الوزراء داود أوغلو، فيما يشبه شرح عقل الحزب الحاكم تجاه خسائر وأرباح تركيا مما يجري، وجرى قبل، في المنطقة.

تحدث أوغلو في المؤتمر عن سوريا والتحالف الدولي و«داعش»، ثم التفت للماضي القريب وتحدث عن انتخاب العضو الإخواني المصري (مرسي) بوصفه فجرا لعصر جديد تمحى فيه الهياكل القومية العربية القديمة، مستعرضا الرؤية التي كانت تسير حكام أنقرة: «كنا متأكدين أن الغرب وأميركا سيدعمون رياح التغيير في الشرق الأوسط».

إبراهيم كالين، من كبار مستشاري إردوغان العام الماضي، قال إنه إذا انفردت تركيا بموقفها في الشرق الأوسط فإنها ستكون في «عزلة جديرة بالاحترام»، لأنها التزمت بقيمها، حسب وصفه.

بهلول أوزكان، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة مرمرة بإسطنبول، أحد تلاميذ داود أوغلو، اختلف مع هذا الرأي، حيث كتب في عدد شهر يوليو (تموز) من دورية «سرفايفال» الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يقول: «لا تنطوي العزلة على أي نبل (…) تركيا تطبق سياسة خارجية توسعية لأسباب آيديولوجية».

قبل 4 سنوات في عز النشوة الإردوغانية، قال داود أوغلو: «لا تسقط ورقة شجر في الشرق الأوسط دون علمنا». الآن يبدو الصدر الأعظم متحاشيا سقوط المزيد من أعمدة الاستراتيجية التركية. ولذلك يفقد الرئيس إردوغان أعصابه كلما تحدث عن مصر الجديدة. سقوط الإخوان في المحروسة كان فوق الاحتمال.

مشاري الذايدي