أخطاء مرسي “القاتلة”… وإنعكاسات خَلعِه على سوريا

24

197732301373009682_download_1

لم يأت سقوط الرئيس المصري محمد مرسي صدفة، وإنّما نتيجة أخطاء متراكمة أدّت إلى قيام الجيش المصري بخلعه بالقوّة، مستفيداً من دعم ملايين المصريّين الذين إفترشوا الشوارع. وأبرز هذه الأخطاء:
أولاً: سوء تقديره لحجم الدعم الشعبي الذي يتمتّع به، علماً أنّ نسبة المشاركين في الدورة الثانية من الإنتخابات التي أدّت إلى فوزه، بلغت 50 % (نحو 25 مليون) من إجمالي الناخبين الواردة أسماؤهم في لوائح الشطب (نحو 50 مليون). وهو نال 51,7 % من إجمالي المصوّتين فقط (نحو 13 مليون)، أيّ ربع العدد الإجمالي للناخبين. أكثر من ذلك، من بين الذين صوّتوا إلى جانبه، نصفهم تقريباً مع “الإخوان” والحركات الإسلامية الأخرى (نحو 7 ملايين)، ونصفهم صوّتوا إلى جانب مرسي بهدف قطع الطريق على وصول منافسه “أحمد شفيق”، بحجّة أنّه من “ورثة” نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وبالتالي، لم يكن حجم المؤيّدين للإخوان في مصر كافياً، لمحاولة فرض مبادئهم وأسلوب حياتهم على كامل الشعب المصري، الذي يجب أن لا ننسى أنه يتكوّن أيضاً من نحو 10 ملايين مسيحي.
ثانياً: سوء تقديره لوضع مصر الإقتصادي، بحيث لعبت سياسته الداخليّة المتشدّدة دوراً مؤثّراً في زيادة البطالة، وفي تفاقم الأزمة المعيشيّة-المالية، وفي تراجع أعداد السيّاح. وبلغ به التهوّر في القرارات حدّ تعيين إسلاميّين متشدّدين في مناصب قيادية، منها 17 محافظاً جديداً من أصل 27، بعضم مسؤول عن مناطق سياحيّة أساسيّة في مصر! كما أنه إعتمد سياسات غير عادلة ولا منصفة لشرائح الشعب المصري، في ظلّ تقييد للحريّات على غرار النظام السابق. وكل ذلك، أثار نقمة شرائح واسعة من المصريين التي خاب أملها من السياسات المعتمدة، بعدما كانت تضع آمالاً كبيرة على نتائج ثورة 25 كانون الثاني 2011.
ثالثاً: سوء تقديره لنفوذ الجيش المصري في الدولة المصريّة، علماً أنّ نظام سلفه الرئيس محمد حسني مبارك كان عبارة عن تركيبة عسكرية ديكتاتوريّة بقناع ديمقراطي. وبعد أن سعى لتوزيع الموالين له في مختلف مفاصل الدولة، من أصغر بلدية وصولاً إلى أعلى منصب وزاري، حاول مرسي وضع يده على الجيش، الأمر الذي أثار حفيظة قيادة هذا الأخير التي أفشلت محاولة الرئيس، في إنتظار فرصة التغيير التي أتت بتظاهرات الثلاثين من حزيران الماضي. وأخطأ مرسي مجدّداً عندما فشل في تقييم تهديدات الجيش عند إندلاع الأحداث الأخيرة، فبقي متمسّكاً بمواقفه المتشدّدة، مانحاً بذلك الجيش حجّة للتحرّك.

ومن الطبيعي أنه بعد خلع مرسي، وتوقيف العديد من مسؤولي “الإخوان”، والتحضير لمحاكمات بتهمة “إهانة القضاء” و”تحريض المتظاهرين على القتل”، في مقابل الإعداد لتظاهرات إعتراضية على “إنقلاب العسكر”، ستمرّ مصر بفترة من عدم التوازن في ظلّ هشاشة “النظام الديمقراطي” الطريّ العود الذي تعيشه. وعلى الرغم من طرح أسماء عدّة في “بورصة” منصب الرئاسة المصريّة منذ اليوم، ومنها الفريق أحمد شفيق (منافس مرسي في الإنتخابات السابقة)، والفريق سامي عنان (رئيس أركان الجيش المصري السابق)، فإنّ فرص الدكتور محمد البرادعي (دبلوماسي وسياسي مصري تسلّم منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذريّة) هي الأعلى حالياً، علماً أنّ حسم النتيجة يتوقّف على موعد الإنتخابات المقبلة، وعلى القانون الإنتخابي الذي سيُعتمد، مع الإشارة إلى أنّه سيتم حالياً كتابة دستور جديد، وإجراء إنتخابات نيابيّة جديدة، قبل الرئاسيّة منها، ما يعني المرور بفترة إنتقالية طويلة.
وفي الوقت الذي ستنغلق مصر على مشاكلها من جديد، إنقسمت الآراء بشأن إرتدادات سقوط حكم “الإسلام السياسي” في مصر، على مجمل المنطقة العربيّة، وعلى سوريا بالتحديد. والنظريّة الأولى تتحدّث عن أفول تصاعدي للإسلاميّين في المنطقة ككل، الأمر الذي سينعكس مزيداً من الضعف على المعارضة السوريّة المسلّحة. والسبب أنّ الداعم الأساسي لها، أيّ قطر تلقّت بسقوط مرسي، الذي كانت تعتبره حليفاً لها، ضربة قويّة لسياستها الخارجية. كما أنّ تركيا، التي نجت من تظاهرات حاشدة رافضة لسياسة “الأسلمة” المتزايدة التي يطبّقها رئيس الحكومة رجب طيّب أردوغان، خفّفت من “تعنّتها” بالنسبة إلى الملفّين الداخلي والسوري. أكثر من ذلك، حزب النهضة الإسلاميّة الحاكم في تونس بات يتّخذ مواقف وسطية بين مطالب “السلفيّين” و”العلمانيّين” في البلاد، وهو مشغول نتيجة لذلك بوضعه الداخلي، مثله مثل ليبيا التي تعاني من ظاهرة “القبائل” والميليشات المسلّحة والتي تعجز السلطة المركزية حتى اليوم عن ضبطها.
في المقابل، توجد نظريّة ثانية تتحدّث عن تأثير إيجابي لما حصل في مصر أخيراً على الوضع السوري. والسبب أنّ مرسي لم يساعد “المعارضة” في سوريا، إلا بالكلام، وسقوطه لن يكون له أيّ تأثير مباشر عليها. وبالعكس من ذلك، إنّ تنامي نفوذ “الإسلاميّين” في مصر والمنطقة، جعل الكثير من الدول الغربيّة تتردّد في توفير الدعم اللازم للمعارضين السوريّين، لعدم ثقتها بمسؤولي هذه التيّارات الإسلاميّة المتشدّدة. ومن المحتمل بالتالي، أن يصبح الدعم أكبر وأكثر فعاليّة، بعد تراجع هذا النفوذ، وبعد إثبات عدم السماح بفرض “حكم الإسلاميّين” في المنطقة، بدءاً ببوّابة مصر الأكبر حجماً… نزولاً! ومن غير المُستبعد أنّ يكون الجيش المصري الذي هو أميركي التسليح والتدريب، قد نال “الضوء الأخضر” من الإدارة الأميركية للإطاحة بمرسي الذي ذهب بعيداً في محاولة بسط سيطرة “الإخوان”. وليس سراً أنّ المملكة العربيّة السعودية التي كانت تتوجّس من بروز منافس إقليمي لها على الساحة السنّية، سارعت إلى تهنئة الرئيس المصري المعيّن موقّتاً عدلي منصور. وهي ستستعيد بعد إزاحة مرسي المزيد من الحضور الإقليمي.
وفي كل الأحوال، الوقت لا يزال مبكراً للتقييم النهائي والحاسم لما حدث، من دون التقليل من أهمّية هذا التحوّل الجذري الذي وضع باكراً ضوابط لنموّ الحركات الإسلاميّة في المنطقة. وبالتالي، أيّ جهة ستتبنّى الخيار “الإسلامي المتشدّد” لن تكون بوضع مريح في المستقبل، علماً أنّ العكس صحيح أيضاً، حيث أنّ الإبتعاد عن هذه الحركات يمكن أن يجلب دعم جهات ودول كانت كثيرة التردّد حتى الأمس القريب.

النشرة