أرملة مقاتل في التنظيم وأم لأحد أشبال الخلافة وأم لقاصر أرملة عنصر بالتنظيم.. أم محمد تروي للمرصد السوري قصتها مع حقبة تنظيم “الدولة الإسلامية” في الرقة

73

بين العديدات من سكان مدينة الرقة عوائل تعود بأصولها للمدن السورية الأخرى، ومن بين تلك العوائل آنفة الذكر “عائلة دينا 38عاماً” وهو إسم مستعار قريب من الإسم الحقيقي للأرملة ووالدة القاصر الأرملة “رنيم 20عاماً” وأم أحد أشبال داعش بالرقة.

في زقاق إحدى الجادات الفرعية من منطقة الفردوس وفي محل تجاري “بقالة” حولته دينا إلى منزل يأوي عائلتها من 6 أشخاص بالإضافة لأطفال إبنتها الأرملة “3”أطفال وهو عبارة عن ردهة صغيرة تتوسط جداره أدوات العمل بالطبخ والمؤونة “بالأجرة” وماكينة خياطة يدوية بدائية “سنجر”

تتحدث “أم محمد” كما تفضل أن تنادى، للمرصد السوري، تزوجت وعمري لم يتجاوز “15عاماً” من أحد أبناء عمومتي في مدينة حلب وكان زوجي يعمل بتجارة المواد الغذائية وانتقلنا للعيش مع أقارب لنا بالرقة بحكم ظروف العمل وأنجبت إبني البكر “محمد” وإبنتي “رنيم”، مطلع 2002م، زوجي كان من أتباع السلفية في ذلك الوقت وكان متأثراً بأفكار ابن تيمية وابن قيم الجوزية وله عدد من الأصدقاء من ذوي التفكير السلفي وكانت تعقد اجتماعاتهم بشكل سري بعيدًا عن عيون الناس، كون غالبية أهل الرقة من الطريقة الصوفية أو معتدلين بعيدًا عن التشدد، حتى جيراننا بالمنزل آنذاك لم نختلط بهم، حينما بدأت المظاهرات في عدد من المناطق السورية وشهدت الرقة في ذلك الوقت هجرة للعديد من عوائل حلب وحمص وإدلب، ونظم زوجي مع عدد من التجار من أصول حلبية وحمصية إعانات غذائية وتوفير مأوى ومستلزمات لتلك العوائل وهو ماجعل الأمر بين النازحين وخاصة الرجال أقرب للعمل المنظم وفق أسس عقائدية، وتشكيل خلايا مسلحة مدعومة بالمال كون أغلب التجار بالرقة من حلب بالإضافة للحوالات والمساعدات التي تأتي عبر وسطاء محليين من قبل منظمات عربية مطلع العام 2013 بعد خروج أغلب مناطق ريف الرقة عن سيطرة النظام واشتداد المظاهرات والمعارك، حمل زوجي أبومحمد السلاح ضمن فصيل “أحرار الشام” وغادر الرقة باتجاه تل أبيض وبقي فيها حتى عودته مع الفصيل في آذار 2013

و خرجت مدينة الرقة عن سيطرة النظام السوري مطلع آذار 2013 ودخل فصيل “أحرار الشام وجبهة النصرة ولواء الوحدة والتحرير” قصر المحافظ وقائد الشرطة وبثوا تسجيلاً مصوراً يؤكد سقوط الرقة بتاريخ 2013/3/3 وانحسر وجود قوات النظام السوري في مبنى الأمن السياسي والأمن العسكري والفرقة 17 ضمن المدينة.

ولادة عسيرة في غفلة ظهور “الدولة الإسلامية”

تتابع “أم محمد” بقي زوجي مقاتلًا في صفوف” أحرار الشام” الذي يشكل أبناء حلب وإدلب غالبيته، حتى نشبت المعارك بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل العسكرية ومن حسن حظ زوجي أنه كان خارج المدينة أثناء المعارك وكان متواجدًا في منطقة الباب، وبعد سيطرة التنظيم وخروج “أحرار الشام” من الرقة، وبفضل أحد أصدقاء زوجي ممن بايعوا التنظيم “قدم استتابة” وعاد إلى المنزل، خلال فترة إتساع رقعة التنظيم التي شملت مناطق متعددة من الجغرافية السورية والعراقية، بايع زوجي التنظيم وعمل في جهاز الحسبة “أبومحمد الأنصاري” وكثرت زيارات عديدة من اصدقاء زوجي من عناصر التنظيم وعلى إثرها تم خطبة ابنتي “رنيم ١٤عاماً” في 2015 لأحد عناصر التنظيم السوريين ويدعى “أبو أبي الحلبي “

الآباء يزرعون والأبناء يضرسون
تأثرت عائلتي كثيرًا وأطفالي بأفكار التنظيم خاصة وأن زوجي كان يتقصد تشغيل الإصدارات أمام الأولاد والبنات وهو مادفع بابني “محمد ١٦” للذهاب إلى معسكر أشبال الخلافة في منطقة العكيرشي، بريف الرقة بمباركة وتشجيع من زوجي وزوج إبنتي وهو ما رفضته بتاتًا وتعرضت للتعنيف والضرب من قبل زوجي.

بحسب مصادر المرصد بالرقة فقد أنشئ تنظيم “الدولة الاسلامية” معسكرين للأطفال القاصرين تحت مسمى” أشبال الخلافة” في منطقة العكيرشي جنوب شرق الرقة، والآخر في منطقة زور الكرامة بريف الرقة الشرقي، وعمل المكتب الدعوي للتنظيم على صناعة إعلام دعائي خاص بالقاصرين وممنهج لاستقطاب القصر من الفتيان بالرقة وكافة مناطق سيطرته.
الشبل الموؤود
تقول “أم محمد” بعد مايقارب الشهر من ذهاب إبني إلى معسكر العكيرشي، وفي إحدى ليالي شتاء 2016 قصف طيران مجهول بعدة غارات معسكر العكيرشي، لكن قلبي في تلك الليلة كان متوجسًا لخوف لا أعرفه وبعد وصول نبأ مقتل ولدي نتيجة القصف، وهو الأشد إيلاماً على حياتي كلها، بدأت ألوم زوجي وأفكاره وخطر لي أن آخذ ماتبقى من أطفالي وأهرب من هذا الجحيم.

ابنتي القاصر أرملة
تتحدث “أم محمد” بحرقة : لم أستطع البكاء والنحيب على إبني” محمد “بسبب عقلية زوجي وزوج ابنتي “أبو أبي” فكان القهر و الفقد والكبت يأكلانني فالبكاء على الميت “حمية جاهلية” على حد قول زوجي، وتمر الأيام منتصف العام 2016 وتتعرض منطقة “حزيمة” شمالي الرقة لقصف جوي ويأتي نبأ مقتل زوج ابنتي “أبو أبي الأنصاري” الذي كان مقاتلاً في “جيش الولاية” وهو متواجد في مقر الحسبة بحزيمة مع عدد من المقاتلين، إبنتي “رنيم” التي أنجبت طفلين وحامل لم تكن تعرف بعد معنى الحزن وأن تكون أرملة وهي في أعوامها الستة عشر “فتارة تبكي حال أطفالها” وطورًا أجدها سعيدة لخروجها من جحيم” أبو أبي” الذي كان يكبرها بعشرة أعوام.

للحزن معي حكاية و مثنى وثلاث ورباع

لم أكن أدري أنني سألقى مزيدًا من الصفعات التي خبأها القدر لي “فكنت وزوجي نتشاور الخروج إلى تركيا” بعد أن أحسسته قد فكر بالخروج من التنظيم خاصة بعد هروب العديد من عناصر وقياديي التنظيم وانحسار المناطق بشكل كبير بعد أيلول 2016 وبالفعل اتفقنا مع أحد المهربين الموثوقين للخروج بمن تبقى من العائلة للذهاب إلى تركيا، لكن وأثناء مناوبته الليلية في مدرسة معاوية بن أبي سفيان، حدث قصف جوي على المدرسة الذي أودى بعديد من عناصر التنظيم ومن بينهم زوجي

الفجر الجديد لم يكن سرابًا
بمساعدة زوج إحدى صديقاتي وبعد ظهور إشاعة إنهيار سد الفرات الذي أصاب هولها الجميع، خرجنا ومامعنا سوى الثياب التي نرتديها وبضعة حوائج للصغار و انطلقنا إلى منطقة أقارب صديقتي في منطقة الجرنية وكانت محررة من التنظيم، وبقينا فيها حتى تحرير الرقة، تتابع “أم محمد” خلال العام 2017 وبمساعدة بعض نساء القرية تعلمت الخياطة وبدأت أتمرس المهنة بشكل جيد وأعمل في منطقة الجرنية وهو ما كنت أدره على مصروف عائلتي وعائلة ابنتي، وبعد تحرير المدينة وبالتحديد حزيران 2018 عدت إلى منزلي الذي كان كومة من تراب.

هؤلاء النسوة الضائعات في “عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية المزعومة ” المهدومة معهن خبايا تفوق أسرار أزواجهن بما تنطوي عليه من دلالات/ الغالبية منهن زُوجن في سنٍ مبكرة، من فترة ما قبل التنظيم والأكثرية تزوجن مرة ثانية بعد موت الزوج في القتال. ولدى كثيرات منهن أبناء دون نسب من أزواج جاءوا من بلاد بعيدة، فقيرات تزوجن على نحو غريب وسريع وترملن على نحو كبير أثناء المعارك ضد التنظيم
ونستطيع القول إن الصندوق الأسود لعناصر التنظيم تتكثف في حكايات نساء عناصره

نظرة المجتمع والتنمر على الأطفال “الدواعش”
تتحدث “أم محمد” للمرصد بعد عودتها إلى الرقة : كحال العديد من أهل الرقة وجدت نفسي أمام كومة من الركام، لكن لابد من العودة واستأجرت منزلًا نصف مهدوم وكان محل بقالة في منطقة الفردوس، وجلبت عائلتي وعدت إلى الرقة، وعملت في عدة مهن وإبنتي الأرملة وبناتي الأخريات في تنظيف السجاد بالمنازل وتجهيز المؤونة بالإضافة للخياطة للسيدات، فكانت مرحلة شاقة بالنسبة لي، أدخلت إبني “علي” وابنتي “رؤى” للمدرسة لكن حدث مالم يكن بالحسبان، فقد تعرضوا للتنمر والمشاحنات العديدة وكانوا ينادونهم “دواعش”، وهو أمر حذى بي لوضع إبني في منطقة الصناعة ليتعلم حرفة تصليح السيارات، وابنتي أعدتها إلى المنزل.

منظمات المجتمع المدني والكيل بمكيالين
خلال الأعوام الماضية نشطت عدة منظمات وبرامج تعنى بالأرامل والأطفال وتتجه وفق سياسة الداعم لدعم النساء وخاصة القاصرات والأرامل، لكن “أم محمد” لم تكن من المستفيدات خوفًا من نظرة الحوار والمجتمع كونها وابنتها من الأرامل من زوجات التنظيم،
تتطلع أم محمد أن يتحسن وضعها المعيشي وأن يتبنى المجتمع برامج إعادة تطوير وتأهيل النساء الأرامل والقاصرات بشكل خاص وإعادة دمجهن بالحياة الطبيعية ليكونوا فاعلين بعيدًا عن الهوامش والحقبة التي جعل منهن عناصر التنظيم سلعاً تباع وتشترى
فداعش كمثل “ثقب أسود ٍفي النظام الاجتماعي من الصعب سده”