أزمة اقتصادية خـ ـانـ ـقة ضحـ ـايـ ـاها السوريون

58

تعيش مختلف المناطق السورية أوضاعاً اقتصادية مأساوية سيما بعد الانحدار غير المسبوق لليرة السورية مقابل الدولار، أزمة حقيقية تعيشها البلاد وسط تكتم من حكومة دمشق إزاء  تواصل انهيار القدرة الشرائية وعدم التمكن من شراء الضروريات للعيش الكريم فضلاً عن عدم قدرة الطلاب على الذهاب إلى المدارس بسبب أزمة البنزين التي عطلت حركة التنقل والجولان.
وبلغت الليرة السورية تدهوراً تخطى ستة آلاف مقابل الدولار في بلد يتقاضى فيه الموظفون 20 دولاراً فقط نتيجة الصراع المستمر والانقسام وعدم النجاح في تنفيذ القرارات الدولية التي قد توجد الاستقرار السياسي والاقتصادي وتنهي حالة التشرذم التي  دمرت قدرة المواطن الشرائية خاصة مع اعتماد التجار على السوق السوداء التي زادت من المأساة الاقتصادية.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يتضاعف التضخم في سورية إذا تواصل هذا المنهج الخاطئ واللاّ مسؤول في التعامل مع الأزمة القاهرة، فبين معارضة لا تبالي  بوضع الشعب الجائع  ونظام اختار الصمت واللامبالاة يموت أطفال سورية جوعاً وقهراً وجهلاً وعطشاً، وهو وضع  زادته سوءً الأوبئة المنتشرة على غرار “الكوليرا” نتيجة المياه الملوثة والتلوث الذي بات أمرا عادياً مع غياب المراقبة والمعالجة.
كانت حكومة النظام قد أعلنت منذ أيام عن ميزانية العام المقبل التي قدرتها بـ 5.4 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي، ولا يعلم السوريون إن كانت هذه الميزانية تخص مناطق النظام أو سورية بأكملها.
وتعيش السوق السورية أيضاً نتيجة الأزمة الراهنة  شحا في توفير بعض المواد الضرورية التي تحتكرها الشبيحة لتُروَّج في السوق السوداء  بأثمان مضاعفة، تلك هي طريقة تفكير تجار الحرب الذين يستغلون الأزمات لتكوين الثروة وهم حاملون في أغلبهم لطريقة تفكير السلطة.

مناطق النظام في أزمة

يتعايش ما يقارب 9 ملايين في مناطق سيطرة النظام مع غياب الخدمات، والكهرباء والمحروقات، في ظل تواصل ارتفاع أسعار السلع الرئيسية والمواد الغذائية الضرورية.
وتفيد معطيات المرصد السوري لحقوق الانسان  بأنّ حكومة النظام باتت غير قادرة على تشغيل مؤسساتها بسبب عدم وجود المحروقات وأزمة الكهرباء التي عمقّت الوضع لتصبح العطلة الأسبوعية ثلاثة أيام بدل يومين.
تلك الأزمة لم تؤثر فقط على العمل المؤسساتي بل مسّت القوت اليومي بسبب الفجوة بين الدخل والمستلزمات الضرورية للإنفاق إضافة إلى غياب فرص العمل وانتشار البطالة المفروضة بسبب الأزمة الاقتصادية.
ومع تذرع النظام بتأثير العقوبات الاقتصادية على وضعه بات من الواضح جليّا أن المواطن السوري في مختلف مناطق السيطرة هو المتضرر الوحيد من ذلك الانهيار الذي تستخدمه مختلف الأطراف لمخاطبة المجتمع الدولي لرفع العقوبات أو تخفيفها برغم عدم قدرة دمشق على التجاوب مع القرارات الدولية  لإنهاء النزاع بتقديم تنازلات سياسية كتلك التي تستعد المعارضة لتقديمها من أجل الحلّ.
ويرى محللون أنّ النظام الذي لم يعترف بعد بوجود أزمة في مناطق سيطرته يتغذّى من هذه الأزمات.

 انتفاضة السويداء

بعد الأحداث التي شهدتها السويداء مؤخرا من احتجاجات نظمها ناشطون وطالبت بتحسين الوضع المعيشي ومحاربة المحسوبية والفساد، أثيرت  التساؤلات في مختلف المناطق حول إمكانية توسع رقعة المظاهرات.
وأكد سياسيون سوريون أن الأهالي في السويداء وغيرها من حقهم الاحتجاج والتنديد بوضعهم المأساوي في المنطقة التي تعرف انتشارا مخيفا للمخدرات وتمركزا لمصانع المخدرات يشرف عليها الجانب الإيراني.
وكانت السويداء المنطقة الأولى التي قاطعت الانتخابات الرئاسية السابقة، ويُرجع عديد المراقبين تردي الأوضاع إلى حقد سياسي  دفين بسبب مواقف المنطقة التي تسكنها الغالبية الدرزية.

اقتصاد تشبيحي

ويعتبر المعارض السوري  يحيى العريضي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن  الاقتصاد السوري ” تشبيحي” تتحكم فيه عقلية العصابة  التي تريد ابتلاع كل شيء، لافتا إلى أن التنمية كانت انتقائية تحكمها قرارات عشوائية تسلطية، لاعتبار أن الموارد الأساسية من نفط وموارد أخرى تحت سيطرة المنظومة الحاكمة حيث كان  دخل النفط لنصف قرن  لا يدخل ضمن ميزانية الدولة إلا شكليا بحيث تنهب المليارات وتودع  في الحسابات الخاصة للسلطة الحاكمة فعليا.
وأفاد العريضي بأنّه بعد هروب التجار وإغلاق المؤسسات الإنتاجية وتوقف النفط بعد سيطرة  تنظيم “داعش” ثم قوات سوريا الديمقراطية تحت رعاية أمريكية توقف بابا الاسترزاق من السلطة القائمة، ثم جاءت العقوبات فجعلتها حكومة النظام تصيب بشكل أساسي المواطن البسيط في قوته ولم يعد بالتالي هناك لا نفط ولا غاز أو كهرباء، وحتى المواد الغذائية الاستهلاكية باتت مفقودة ونادرة ويتعذر الحصول عليها بسهولة وتتوفر فقط للسلطة وحاشيتها.
وأشار محدثنا إلى أن قيمة الليرة السورية تكاد تنعدم، فبعد أن كان الدولار يساوي  خمسين ليرة سورية عام 2011، أصبح اليوم أكثر  من ستة ألاف ليرة في سقطة مخيفة خنقت السوريين مع متوسط دخل السوري الذي يتراوح بين 15 و20دولارا شهريا وهو الأقل عالميا، مؤكدا أن روسيا وإيران منعا المساعدات المتمثلة في القمح والنفط والكهرباء أمام ازدهار كبير  في تجارة المخدرات وتصنيع الكبتاغون وغيره، ما ينذر بضياع اقتصادي واجتماعي وأخلاقي، معبرا عن أمله في أن يأخذ القرار الأمريكي الأخير مفاعله حين يسمي نظام الأسد بالاسم كمنتج وتاجر للمخدرات حيث أضحى وفق القرار خطرا على العالم لا سورية فقط .
وكان مشروع قانون تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات المرتبط بالنظام السوري، الذي أقره مجلس النواب الأمريكي قبل أيام، ضمن مشروع قانون ميزانية الدفاع الأمريكية للعام 2023، وقد أعاد قضية إنتاج المخدرات والاتجار بها في سورية إلى الواجهة، وهي المسألة التي باتت تؤرق العديد من دول المنطقة، وتحديدا الدول المجاورة.
وعن الحلول  لتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، يقول الدكتور يحيى: لا حلول إلا بعصيان مدني عام، وخاصة في حاضرة النظام ومناطقه ، غير ذلك لا يمكن الحديث عن انفراج للأزمة التي ستحتد.
ويرى معارضون أنّ  دمشق تعمل بسياسة التعطيل الممنهجة لربح الوقت للبقاء أكثر حتى أن جوع السوريين  بات أمرا لا يهم الداخل ولا الخارج.