أسامة الكادري .. سفاح الحمزات ورجل ظلام أقبية السجون وأداة الاستخبارات التركيّة

80

تعدُّ ميليشيا فرقة الحمزة” واحدة من الميليشيات الغامضة، فهي رغم سعة انتشارها في مناطق عفرين وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، وعددها الكبير، إلا أنَّ متزعمها “سيف بولاد” هو الأكثر ظهوراً، فيما يساعده عدد من قياديي الظل وتتبع هيكليّة هرميّة سريّة، وكان أكثر من المقربين من المتزعم هما شقيقاه “حامد وقصي”، إلا أنّ حامد قُتل في 4/12/2019، وقصي تورط بقتل عضو مجلس قبيلة شمر في ريف حلب المعروف “أبو باسل” في 26/10/2021، ليضطر معها إلى الاختفاء، ليكون الاعتماد على قياديي الصف الأول وهم كلٌّ من “رامي بطران وعلاء جنيد” الذي تم عزله، و”عبد الله حلاوة” الذي انشق وانضم إلى “فيلق الشام”، و”محمد أسامة الكادري”.

الأوساط المقربة من المسلحين، قالت إنّ إعادة تنشيط المدعو “الكادري” وتسليمه إدارة سجن الزراعة بمدينة الباب، أحد أخطر السجون على حياة المعتقلين تعني عودة الاغتيالات وأعمال التصفية واختطاف الأشخاص المناوئين لميليشيا “الحمزات”، لكونه يحظى بالحصانة التي تمنع مساءلته بسبب علاقته الوثيقة مع “الاستخبارات”.

تجارة المخدرات

يعمل عدداً من قياديي “الحمزات” بتجارة المخدرات، ولكن بإشراف “الكادري” وبإمرته، ولا تنحصر تجارته في نطاق المناطق التي تخضع للاحتلال التركيّ، بل تتجاوز سوريا، ولديه شركاء بالمنطقة مثل “نوح زعيتر” في لبنان، والتي يتم منها توريد شحنات الخشخاش (الحشيش)، والتي تصل إليه عبر شبكة من المهربين وأشخاص على المعابر، والكميات كبيرة جداً.

“الكادري” في مقدمة تجّار المخدرات، إن لم يكن الأول، وأحد أهم الموردين لحبوب المخدرات كبتاغون والكريستال ميث والحشيش وحتى الهروئين والكاكوئين وأنواع أخرى من المخدرات، بالإضافة إلى المشروبات الروحيّة، ولديه أقنية خاصة لتصريفها، ويجني من ورائها مكاسب ضخمة.

ومع مشاركة ميليشيا “الحمزة” في الصراعات الخارجية في ليبيا وأذربيجان، كان ذلك فرصة لنقل المخدرات والاتجار بها بالتنسيق مع المدعو “علاء جنيد” الذي يعد المسؤول عن نقل كميات كبيرة من المخدرات مع شحنات السلاح والذخائر المنقولة جواً، فلا تخضع لإجراءات التفتيش والمساءلة، والعاملون في إطار تجارة المخدرات ونقلها لا يمكنهم فضح أعمال “الكادري”، إذ تتهددهم عمليات التصفية.

مسؤول أمني ومحقق

“محمد أسامة الكادري” هو المسؤول الأمنيّ الأول في ميليشيا “الحمزة”، ومعاون “سيف أبو بكر” في المسائل الأمنيّة، وهو المحقق الأول في جميع السجون التابعة للميليشيا، ويستخدمُ أساليب مروّعة لانتزاع الاعترافات، حتى في الاتهاماتِ المفبركة التي لا أساسَ لها، بسبب قسوة التعذيب، ويجبر “الكادري” المعتقلين على الاعتراف على أيّة تهمة يريدها عبر أنواع مختلفة من التعذيب، بينها الاغتصاب والتحرش الجنسي والتعذيب النفسيّ، ولا يتورع عن فعلِ أي شيء، من قبيل استدراج زوجات المعتقلين واغتصابهن وحشيّاً على مرأى أزواجهن.

تشبيح

طلبت الاستخبارات من المدعو “سيف أبو بكر” وقف “الكادريّ”، على خلفية قصص الانتهاكات الفاضحة وبخاصة قصة معتقلة تعرضت للخازوق بواسطة “هروانة” فيما كان “الكادري” تحت تأثير المخدرات، لتُثار ضجة كبيرة، إلا أنّه استبقاه ولم يتخلَّ عنه، فهو يده التي يبطش بها كلّ مناوئيه، واكتفى بإخفائه عن العين، وزعم فصله، حتى ظهر في 18/3/2021 مقتحماً على رأس قوة مسلحة مدرسة حمزة بن عبد المطلب للبنات بمدينة الباب، أثناء وجود الطالبات والمدرسات بداخلها (الفوج الصباحيّ، كون التعليم غير مختلط)، واقتحم غرفة الإدارة بحثاً عن (مديرة المدرسة) وهو يصيح باسمها متوعداً باعتقالها وشتم المدرسات. والسبب أنّ مديرة المدرسة طلبت من ابنة “الكادري” إحضار ولي أمرها، لتقصيرها بواجباتها المدرسيّة وإزعاج بقية الطالبات وتفوهها بألفاظٍ مسيئة، ووبختها المديرة، ليداهم “الكادريّ” المدرسة على رأس قوة مسلحة.

سجون الحمزات

لدى ميليشيا “فرقة الحمزة” ثلاثة سجون، هي: سجن الزراعة في منطقة الباب، وسجن المحموديّة في مقر “الأسايش السابق” في مدينة عفرين المحتلة، فيما السجن الثالث منزلٌ مستولى عليه لمواطنٍ كرديّ في قرية شنكيليه بناحية بلبله.

تُمارسُ فيها أقسى أنواع التعذيب، وبذلك خلقت الميليشيا سمعة مخيفة، جعلت الناس تتجنب الاصطدام بمسلحيها، وتخشى إثارة غضب عناصرها، كيلا يعرضوا أنفسهم للسجن، ويمكن تلفيق أيّة تهمة لهم، ومن يدخل إلى إحداها هو بحكم الميت إلا أن يُفرج عنه، ومعظم المحتجزين هم من المواطنين الكرد، إذ إنّ الكرديّ يمكن اعتقاله لأتفه سبب، ولو من أجل عبوة زيت، والمدعو “الكادري” مسؤول عن المعتقلين الكرد، ويُعرف عنه أنّه ذو “ميولٍ جنسيّة شاذة”، وقد تعرضت كثيرٌ من المعتقلات في السجن لعمليات اغتصاب وتعذيب.

تداولت معرفات من أوساط المسلحين في نهاية مايو 2020، شهادة لمعتقل سابق قال فيها: في سجون أحد الفصائل الكائن في قبو الزراعة تحصل أمور لم يُسمع بها، يدير السجن المدعو “الكادري”، ومن عناصر طاقم السجن المدعو “أبو عبدو البطوشي وأبو الكيف والضبع”، والسجناء مختطفون بدون أيّ تهمة، ولكن لمجرد تحصيل الفدية من عوائلهم، والمنفردات أبعادها 1.5 متر × 1 متر واحد، وقد مات سجين اختناقاً! ومن أساليب التعذيب “الخازوق بالهروانات، واغتصابات بالجملة للسجناء والسجينات أمام أزواجهم!! ولا طعام للسجناء إلا كل 10 أيام مرة، وقد يُوضع المازوت في الطعام. من قصص السجن، أنّ سجيناً من درعا من قرية الطيبة اسمه “عمار الزعبي” (18 سنة) وكان مبتور القدم، ومضى على سجنه سنتان ونصف بتهمة الانتماء إلى داعش، طلب منه “الكادري والبطوشي” أن يفتعلا به (لواط)، ولكنه رفض، فتم تهديده بألا يرى النور أبداً. ويؤكد السجين بأنّه يمكن للجنة طبية وطبيب شرعي أن يتأكدوا من صحة حديثه.

معجزة العودة من أقبية الموت

يروي سجين شاب عرّف عن نفسه رمزياً (أ.ح) وعمره 20 سنة، من أهالي عفرين، وقد أمضى أكثر من 31 شهراً من الاحتجازِ القسريّ، ذاق خلالها ألوناً من العذاب، وعاش على حوافِ الموتِ، وعاد من غياهب أقبية السجونِ ليروي الحكاية.

البداية من إسطنبول

تبدأ قصة الشاب (إ ح) من الأراضي التركيّة، منطقة (أرناويت كوي) التابعة لمدينة إسطنبول، التي سافر إليها عام 2013، بقصد العمل وتأمين لقمة العيش له ولأسرته. وحين بدأت أنقرة العدوان على عفرين، تعرض لمضايقات من الشبان الأتراك، فقد استوقفه مجموعة شبان أتراك وطلبوا منه سيكارة وهاتفه المحمول، وكان يعرفون أنّه من عفرين وأرادوا استفزازه، وبذلك افتعلوا شجاراً معه، فيما كانت دورية الشرطة التركية حاضرة لتتدخل مباشرة ويُقاد إلى السجن، وبعد شهرين من التعذيب تم ترحيله قسراً إلى الأراضي السوريّة، وعن طريق معبر باب الهوى، وأجبروه على تعهدٍ بالخروج وعدم العودة، وبصم على ذلك حينها كانت عفرين محتلة.

رحلة الموت

وفور وصوله إلى عفرين اعتقل في كراج عفرين، واقتيد إلى السجن، بتهمة التعامل والتخابر مع الإدارة الذاتية لتنفيذ هجمات وتفجيرات داخل عفرين المحتلة.

وخلال 27 يوماً من اعتقاله تعرض لأبشع أنواع التعذيب من قبل رئيس السجن المدعو “أبو الليث” وتولى التحقيق معه المرتزق المدعو “أبو خالد”، وحُرم من الشرب والأكل طيلة أيام عديدة. وتم تسليمه بعدها لسجن “الحمزات” ويتزعمهم المدعو “أحمد زكور (أبو عبدو البطوشي) في حي المحموديّة.

على مدار شهرين من الاعتقال لديها، تلقى (إ.ح) الكثير من التعذيب الجسديّ والنفسيّ مع الشتم والسب من قبل الضباط الأتراك الذين تولوا التحقيق معه لانتزاع معلومات عن تهم مفبركة، من قبيل التخابر مع الإدارة الذاتيّة والقيام بعمليات تفجير وزرع عبوات ناسفة، وصدف معه بالسجن الدكتور “رياض ملا” من أهالي قرية جوقة، وذكر الشاب (إ ح) أنه خلال اعتقاله هناك اُعتقل 42 مواطناً من أهالي عفرين بينهم نساء وأطفال، والتهم متنوعة وكيدية لطلب الفدية من ذويهم.

أبو غريب التركيّ

ذاع صيت سجن “أبو غريب” في العراق أيام الاحتلال الأمريكيّ لسوء المعاملة فيه، حيث يُجرّدُ فيه السجين من أبسط حقوق الإنسان، وقد أنشأت سلطات الاحتلال التركيّ سجناً من النموذج نفسه في بلدة حوار كلس الحدوديّة.

واقتيد (إ ح) إلى سجن أبو غريب التركيّ، واُستقبل لدى دخوله بضربة بأداة حادةٍ في ظهره تسبب بجرحٍ، وسكبوا روح الخل والملح على الجروح.

كان التحقيق يجري مع المعتقلين في وقت متأخر من الليل، بعد ممارسة أبشع أنواع التعذيب الجسديّ والنفسيّ مع المعتقل، لإرغام على الاعتراف بما يريدون، وشمل التعذيب (التشبيح على البلنكو، وضع إبر تحت الأظافر وقلعها، الصعق الكهربائيّ والضرب بسلسلة حديديّة) مع الحرمان من الأكل والشرب طيلة فترة التحقيق، التي يقوم بها ويتولاها ضباط من الاستخبارات التركيّة MIT.

يعجزُ الشابُ وصفَ الحال في سجن أبو غريب التركي، بعد التعليق على البلنكو لمدة شهر كامل، وصلبه على الباب لمدة 3 أيام، ليتم بعدها استجوابه عن الأماكن التي كان يستعد لتفجيرها حسب التهم الملفقة له من المحققين الأتراك والمسلحين.

نُقِل الشاب (إ.ح) مع معتقلين آخرين إلى مكان مجهول تحت الأرض، وعلم بعد 6 أشهر أنّه في أحد سجون الميليشيات بمدينة الباب المحتلة، تشرف عليه ميليشيا “الحمزات” ويديره المدعو “أبو عبدو الكادري”.

كنا أدوات لتسلية للحشاشين والمتعاطين

بقي الشاب (إ.ح) في سجن الباب عامين وشهرين، وكان الأمر مريعاً جداً لا يمكن وصفه فقد كان السجن يدار من مجموعة من متعاطي المخدرات يعتبرون المعتقلين أدوات تسلية ولهو، ويبتكرون طرقاً للتعذيب لم يشهدها تاريخ السجون من قبل.

وبين طرق التعذيب والإهانة، تجويع المعتقلين لفترة، وحلق رؤوسهم ودهنها بالمربى وإجبار المعتقلين أن يأكلوا من رؤوس بعضهم البعض، ويقتصر الأكل في باقي الأيام على نصف رغيف من الخبز المعفن وحبة زيتون وهي وجبة يوم كامل.

ومنع المرتزقة الاستحمام على المعتقلين، فلا يستحم المعتقل إلا مرة واحدة كلّ بضعة أشهر، وبدون مواد تنظيف أو صابون، فقط برش المياه عليهم. ومنذ الأيام الأولى يُصاب المعتقل بالقمل والجرب الذي يظلُّ ينهش لحمه حتى مات البعض.

استشهاد المواطن كاوا عمر

وذكر (إ ح) أنّ عدداً من الأشخاص توفوا في المعتقل، منهم المواطن “كاوا عمر” من أهالي قرية دار كريه، وكان يعملُ معلم مدرسة سابقاً، والمواطن الكفيف “محمد عمر” من القرية نفسها، ولا علاقة لهما بأي تهمة ملفقة ضدهما، كحال كلّ المعتقلين.

كان المسلحون يجبرون المواطن “كاوا عمر” خلال التعذيب على شرب المياه الملوثة بعد تعطيشه على مدار أيام من التحقيق، حتى أصيب بإسهالٍ حادٍ رافقه نزيفٌ في المعدة، وعند طلب مساعدة طبيب، دخل المسلحون على المعتقلين وسبوهم وشتموهم بأبشع الألفاظ مكررين عبارة ” أنتم الكرد خنازير وكفار” وضرب مسلح “كاوا عمر” بأنبوبٍ معدنيّ على بطنه ورأسه وفقد حياته على إثرها فوراً.

وذكر (إ ح) أنّه بسبب شدة التعذيب ووسائل الموت البطيئة التي يستخدمها المسلحون يضطر بعض المعتقلين إلى إنهاء حياتهم بأيديهم على أن يموتوا في اليوم الواحد ألف مرة، ومنهم المواطن “أحمد بيباكا” الذي انتحر بسبب عدم تحمله التعذيب، وهو زوج المواطنة (ن س) التي اُعتقلت معه وأُفرج عنها بعد عامين و7 أشهر من الاعتقال.

بعد أكثر من عامين ونصف من الاعتقال التعسفي والتعذيب والتنكيل، وبدون أيّ محاكمة تذكر، أُفرج عن الشاب (إ ح) وتمكّن بعدها من الفرار خارج المناطق المحتلة والوصول إلى بر الأمان.

أشهر أعمال الاختطاف

من أشهر قصص الاختطاف قصة اختطاف “أبو إبراهيم الطويل” بالاشتراك مع المدعو “حمودة المعراويّ” وأخفاه في مزرعته، وأوشك “الكادري” أن يقتله لولا تدخل العشائر، وقام ببيع 11 مرتزق من “داعش” مقابل مبلغ 60 ألف دولار، وأوصلهم عن طريق شقيقه الذي يعمل لدى “هيئة تحرير الشام”.

كما اُختطف المدعو “يحيى الحافظ” من مارع، وهو ابن عم المدعو “حسام الحافظ” متزعم ميليشيا “فرقة 51″، وبملاحقة القصة تبين أنه مختطف لدى “الكادري” ومخفي في مزرعته، ولدى تقديم شكوى لدى “الشرطة العسكريّة”، لم تجرؤ على التدخل، وبخاصة أنّ المدعو “أبو خالد” رئيس الشرطة العسكريّة تابع لميلشيا “الحمزة”.

يمكن فهم أنّ تفعيل “الحمزات” لنشاط المدعو “محمد أسامة الكادري” أنه دخول لمرحلة تنذر بمزيد من التصفيات والشدة في السجون.

المصدر: عفرين بوست

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.