أطفال سورية خلال العام 2022: 310 برعم قضى بأعمال عنف على اختلاف مناطق السيطرة.. ومستقبل مجهول في ظل انتهاكات الحقوق

المرصد السوري يجدد دعوته لحماية حقوق الأطفال وتحييدهم عن الأعمال العسكرية

42

المرصد السوري لحقوق الإنسان
في بلد بات فيه الموت عنوانا كبيرا في حرب دامية أتت على كل شيء كان مفعما بالحياة ، يتعايش أطفال سورية بين الجوع والعطش والمرض والدم والعنف.. يتعايشون في عواصف الفقدان والحرمان والآلام، أطفال سيبقى أثر الوجع يلاحقهم، فهم من تحملوا أوجاعا فاقت أعمارهم وأثقلت قلوبهم النقية نقاء السماء برغم السحب.

لا يمكن لبشر أن يتخيّل وجع طفل يريد الحياة ويطمح إلى بهجتها ولكن كل الطرق الموت ظلت مخيمة على آماله كأن يفقد عزيزا أو أن يعيش تحت قصف مستمر أو أن يبحث عن حضن دافئ يحتمي به.. أما موت الجوع والمرض والقهر والغلبة فذلك أصعب وأقسى على طفل لا يعرف من الحياة غير حروفها، وحتى حروفها بات عاجزا عن قراءتها بعد أن حرموه مجبرا من التعليم وحرموه لذّة لحظة نجاح وانتصار، وسقوه مرّ الفشل الذي لا يعرف معناه.. فأسباب الموت كثيرة.

اتفاقيات في مهب الريح
تنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة على أن تتولى الحكومات حماية الأطفال من العنف والإساءة والتعرّض للإهمال أو الاستغلال بأي شكل من الأشكال من قبل أي شخص مسؤول، وبرغم ذلك سلّط تقرير للأمم المتحدة في يوليو 2022 الضوء على ما يقرب من 24 ألف انتهاك جسيم تم التحقق منها ضد الأطفال في العالم، وفي مقدمته تأتي سورية التي تتعدد فيها أنواع الانتهاكات والاعتداءات ضدّ الأطفال سواء في مناطق النظام أو مناطق المعارضة والجماعات المسلحة، وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال في مناطق النزاع المسلح ،فرجينيا غامبا: لا توجد كلمات قوية بما يكفي لوصف الظروف المروعة التي يعاني منها الأطفال في النزاعات المسلحة”.. هذه العبارات تختزل بكل تأكيد المأساة التي يعيشها أطفال سورية منذ اكثر من 11 عاما، في واقع يعم فيه العنف والسواد الأعظم بكل جوانبه.

310 طفل قضوا بأعمال عنف
مع استمرار أعمال العنف ضمن الأراضي السورية، وثق نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، استشهاد 310 طفل سوري بظروف مختلفة ضمن مختلف مناطق السيطرة، وتوزعت ظروف استشهادهم على النحو الآتي:
– 68 طفل برصاص عشوائي واقتتال وجرائم وغير ذلك
– 14 طفل على يد الفصائل
– 21 طفل بظروف مجهولة
– 27 طفل برصاص وقصف بري للنظام
– 1 طفل على يد تحالف
– 22 طفل بتردي الأوضاع
– 9 أطفال بقصف روسي
– 2 طفل بانفجار آليات مفخخة
– 104 طفل بمخلفات حرب
– 1 طفل على يد الدولة الإسلامية
– 13 طفل بقصف التركي
– 3 طفل برصاص الجندرما التركية
– 1 طفل بانفجار لغم / عبوة ناسفة
– 11 طفل برصاص مجهولين
– 13 طفل على يد قسد
وتمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق 5 حالات اعتقال تعسفي لأطفال سوريين خلال العام 2022، ففي مناطق نفوذ النظام تم توثيق 3 حالات، وفي مناطق نفوذ الفصائل الموالية لأنقرة تم تسجيل حالتين اثنتين.
كما وثق المرصد السوري 42 حالة اختطاف لأطفال سوريين خلال العام 2022 على اختلاف مناطق السيطرة، ففي مناطق نفوذ النظام تم توثيق 5 حالات اختطاف، وفي مناطق نفوذ الفصائل الموالية لأنقرة تم تسجيل 3 حالات، بينما تم توثيق 34 حالة ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية.

أطفال محاربون من أجل البقاء
منذ 2011 بات أطفال سورية على خط تماس الحرب والصراع الدائر وقد دفعوا ثمن ذلك غاليا، دفعوا ثمنه جوعا وخصاصة وجهلا، وبرغم ذلك ظلوا صامدين آملين في حياة أفضل ومن أجل البقاء على قيد الحياة.. ففي بلد بلغت فيه نسبة الفقر أكثر من تسعين بالمائة -وفق إحصائيات الأمم المتحدة -لا يمكن الحديث عن استشعار لمستقبل أفضل أو تحسن في واقع الأطفال الذين يتحملون مرّ العيش بين المخيمات وبلدان اللجوء والشوارع والأماكن المهجورة بعد أن قُصفت بيوتهم الآمنة وقُصفت معها أحلام الملايين وذكرياتهم.

وفي وقت تؤكد فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة( اليونيسيف) أن 5.3 ملايين طفل سوري بحاجة إلى المساعدة العاجلة، تزداد المعاناة بل تتضاعف خاصة مع سياسة اللامبالاة التي اتخذها كل من النظام والمعارضة في مختلف مناطق سيطرتهما وعدم إيلاء الأطفال ومآسيهم الاهتمام والرعاية التي تعتبر أولوية مطلقة في مقدمة أي اهتمام، فهم الفئة الأكثر تضررا ومعاناة، وحتى المساعدات القادمة من بعض الجهات تتصرف فيها الشبيحة والمافيا التي تتحكم في الأوضاع .. هي إذن مآسي إنسانية سيرويها التاريخ بفظاعتها حتى تعلم الأجيال المقبلة أي معاناة عانها ما يسمى بجيل الثورة.. هم فعلا أطفال محاربون من أجل البقاء والصمود من أجل بلدهم ومستقبلهم التي تتقاذفه الرياح من كل جانب.

حرمان من التعليم
لا يعاني أطفال سورية الجوع والفقر فقط بل ظلوا ضحايا قنابل الجهل والتخلف والضياع وهم من انقطعوا مبكرا عن الحلم، انقطعوا مجبرين بسبب الحرب عن التعليم، حيث تقول يونيسيف إن أكثر 2.7 مليون طفل سوري لم يلتحقوا بالتعليم داخل سورية وخارجها منذ بداية الثورة، وما انجر عن ذلك من ترك جيل كامل غير متعلم يعجز عن فهم حاضره وقراءة مستقبله، وما زاد الوضع تأزما انتشار ظاهرة تشغيلهم واستغلالهم من قبل أرباب العمل في ضرب لكل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تنخرط فيها سورية وتجرم تشغيل الأطفال القصّر بقطع النظر عن الظرف أيا كان، لكننا نعلم جميعا أن تلك المافيات أو تجار الحروب يكسبون من وراء ذلك ولا يبالون لا بالقوانين ولا بحقوق الأطفال .

تشغيل واستغلال
ولطالما حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في مختلف تقاريره الحقوقية، من ظاهرة لافتة ومخيفة تتمثّل في عمالة الأطفال خاصة في الورشات العشوائية التي تشغلهم أكثر من 12 ساعة في ظروف صعبة ولا إنسانية ، ويجبرهم رب العمل على حمل الآلات الثقيلة ومعدات الصيانة وغيرها من الأعمال الشاقة لا تتماشى وحقوق الطفل وقدراته.
لم يختر أطفال سورية هذا الواقع بين ورشات العمل العشوائية وحتى المنظمة ولم يختاروا السوق لبيع الخضروات ولا أي مكان آخر بعيدا عن مقاعد الدراسة، لقد أُجبروا على ذلك بألم في إطار صراع البقاء والعيش.

تلك الأعمال هي اغتيال بطيء وقاسٍ لطفولة لم تعرف لذة الحياة واللعب، طفولة نشأت في بيئة خطيرة وسامة .

وقد حذرت منظمات دولية عديدة من استغلال الأطفال بطرق شنيعة بالتشغيل الهشّ واللا قانوني وكثرة عدد ساعات العمل.

وتعد إشكالية تشغيل الأطفال من أبرز المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسر التي تدفع بأطفالها إلى العمل لتوفير القوت والعيش بأقّل الإمكانيات.

وكان تقارير كثيرة للمرصد السوري قد سلّطت الضوء على تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في مختلف المهن الحرّة، كنبش القمامة ومسح السيارات عند إشارات المرور وقطف الخضروات خاصة الفتيات اللواتي تم استغلالهن بصفة أبشع.

فتيات ضحايا الاتجار بالبشر
لم تسلم الفتيات القصّر من الاستغلال الفاحش اقتصاديا بإجبارهن على العمل لساعات طويلة بأجر أقلّ من البالغات، وفي ظروف سيّئة، مع انقطاعهن المبكر عن الدراسة لمساعدة عائلاتهن في توفير ضروريات الحياة، فهن ضحايا الدولة والمجتمع الذي لايرحم.. هذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها الفتيات زادها سوءً تزويجهن القسري بتعلة التخلّص منهن ومن مسؤوليتهن التي تؤرق بعض العائلات وكأنهن عبء وجب التخلص منه.

ومازاد الأمر سوءً تعرضهن للاستغلال الجنسي وإجبارهن أحيانا على القيام بأعمال منافية للأخلاق من قبل أرباب العمل مستغلين حالة الخوف من الإبلاغ عن تلك الحالات المشينة.

وبرغم عمل المنظمات الحقوقية والنسوية على مواجهة تلك الأعمال العدوانية تجاه الطفلات إلا أن يد كل هارب من القانون ومتكئ على قانون الغاب السائد نتيجة الحرب أطول من عمل تلك المجموعات المكافحة من أجل حقوق أوسع للأطفال.

أطفال لاجئون يكابدون مر العيش
ويكابد الأطفال اللاجئون في مختلف الدول وخاصة في مخيمات اللجوء في لبنان مرّ العيش، فهم يتعرضون لأبشع الجرائم المنظمة التي تبدأ بحرمانهم من التعليم وتنتهي باستغلالهم في الأعمال الشاقة والفلاحية بأجور زهيدة ، فضلا عن تزويج الفتيات القصّر لكبار في السن للقيام بخدمتهم.

ويعيش الأطفال الذين تحطمت آمالهم وأحلامهم على حدود بلدهم حين فروا من الحرب، أسوأ الظروف اللاإنسانية منتظرين ساعة الفرج والحلول التي تعيد إلى بلدهم الاستقرار والأمان ليعودوا إليها بعد سنوات من الجمر والجوع والبرد القاسي والظلم والحرمان والعنصرية المقيتة.
وبحسب تقرير منظمة صندوق الطوارئ للطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف)، يحتاج 90% من الأطفال السوريين إلى الدعم في ظلّ انتشار واسع ومخيف لعمالة الأطفال .

ولا يفوت المرصد السوري أن يذكّر بأن الأطفال في سورية لا يتعرضون للعنف المضاعف والاستغلال والتجنيد من قبل التنظيمات المتطرفة والفصائل المسلحة فحسب، بل باتوا أيضا ضحايا للإدمان على التبغ والمخدرات بمختلف أنواعها التي تساهم في نشرها الميليشيات والشبيحة المستفيدة من ذلك.

بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة التي تم تحويلها إلى حرب مجنونة قسمت البلد ودمرته وجعلته محتلا من قبل عديد القوى، تتفاقم معاناة أطفال سورية وتزداد تعقيدا وبؤسا ما جعل أكثر من تسعين بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع وفق إحصائيات أممية.
ويجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان تأكيده على ضرورة النأي بالأطفال عن مختلف الصراعات السياسية التي يُستغل فيه الطفل كحطب نار، ويؤكد أن مستقبل البلد يرتبط أساسا بأطفاله، منبها إلى أن واقعهم اليوم سينعكس على واقع سورية غدا، ويدعو مختلف الأطراف المتحاربة إلى تحكيم العقل والحكمة والعودة إلى طاولة الحوار وتجنيب البلد مزيد المآسي الانسانية والدمار والخراب الذي قتل ملايين السوريين وهجر ملايين أخرى.

ويجدد المرصد السوري دعواته المجتمع الدولي إلى ضرورة التسريع في إيجاد الحلول الواقعية لإنقاذ سورية وشعبها من الدمار ومن مصير مجهول.