أميركا تحذر مواطنيها من ركوب الطائرات العابرة فوق سوريا

27

أكدت الناطقة باسم السفارة الأميركية في بيروت، أن وزارة الخارجية الأميركية حذرت مواطنيها من «ركوب أي طائرات مدنية تعبر فوق الأراضي السورية»، بعد نحو شهرين على منعها الطائرات المدنية الأميركية من عبور الأجواء السورية والعراقية، الأمر الذي أثار المزيد من المخاوف حول سلامة الطيران المدني فوق المنطقة المشتعلة منذ عام 2011، وما إذا كانت واشنطن تمتلك معلومات عن سيناريو لاستهداف طائرات مدنية في المجال الجوي السوري على غرار عملية إسقاط الطائرة الماليزية فوق الأراضي الأوكرانية.
ورغم أن مسؤولة الإعلام والثقافة في السفارة الأميركية روبن هولزهاور قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن التحذير «روتيني» وإنه لا يوجد أي «شيء محدد» يفيد بقرب وقوع هجمات، فإن رفع حالة التحذير إلى حد عدم ركوب الطائرات المدنية في المجال الجوي السوري يرفع من المخاطر المحيطة بالمجال الجوي السوري، الذي لا يزال نشطا جدا، خلافا لمطارات سوريا التي توقف معظمها عن العمل، وانخفضت حركة بقيتها إلى الحد الأدنى، حتى بات وصول الطائرات من الخارج أمرا نادرا، وخصوصا أن كبريات الشركات الأجنبية والعربية تمتنع عن استعمال المطارات السورية، ما عدا شركات قليلة من بينها الطيران الإيراني الداعم الأكبر لدمشق في حربها.
إلا أن الأجواء السورية تبدو أكثر نشاطا، وفقا لتقارير أميركية، بينها تقارير لمؤسسة «فلاي أوير» التي أكدت أن شركات الطيران الدولية لا تزال تستعمل مجالات جوية في مناطق الحروب من بينها المجال الجوي السوري الذي هربت إليه الطائرات الماليزية مؤخرا لتفادي المجال الجوي الأوكراني، كذلك طائرات أخرى تابعة للخطوط الجوية البريطانية وأخرى لشركة «دلتا» الأميركية (قبل الحظر الذي فرض عليها في 18 أغسطس (آب) الماضي).
وأظهر برنامج تتبع الرحلات لموقع «فلاي أوير» أمس وجود طائرات قطرية عبرت جزءا من المجال الجوي السوري في أقصى الشمال الشرقي باتجاه مطار الأمير حمد في الدوحة. كما رصدت طائرة تابعة للخطوط الجوية الإماراتية تتجه من مطار ليوناردو دافنشي إلى مطار دبي، في حين كانت طائرة تابعة لشركة طيران العربية تدخل المجال الجوي السوري آتية من الأردن في طريقها إلى أوروبا.
وقالت هولزهاور إن التحذير الذي أطلقته الخارجية الأميركية هو امتداد لتحذير روتيني تطلقه الخارجية، لكنها اعترفت بوجود «لغة جديدة» في هذا التقرير المحدث ردته إلى «حرص الولايات المتحدة على سلامة مواطنيها»، مشيرة إلى أن واشنطن ترى أن «في سوريا إمكانيات أكبر لوقوع حوادث كارثية جراء الصراع الدائر هناك ولهذا لا تريد أن ننتظر وقوع الكارثة». وأشارت هولزهاور إلى أن ما قامت به واشنطن «لا يعد فريدا من نوعه، إذ إن الكثير من الدول أوقفت استعمال المجال الجوي السوري، ومن بينها روسيا»، حليفة النظام السوري وأشد داعميه. ورغم أن الكثير من الدول أوقفت استعمال المطارات السورية، فإن ثمة حركة طيران نشطة جدا في الأجواء السورية، من بينها 20 رحلة داخلية يومية لشركة الطيران السورية التي تتنقل بين دمشق واللاذقية والقامشلي وحلب. كما أن هناك 12 رحلة يومية على الأقل لشركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية التي تستعمل المجال الجوي السوري في 40 في المائة من رحلاتها اليومية، كما أكد نقيب الطيارين اللبنانيين فادي خليل لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن الشركة تتابع الوضع في المجال الجوي السوري عن كثب وتجري تقييما دوريا له عبر لجنة أزمة شكلتها الإدارة لمراقبة الوضع. وكانت تقديرات لبنانية أشارت إلى أن تغيير الشركة اللبنانية مسارها، على غرار ما فعلته شركات أخرى كـ«القطرية» و«الإماراتية» و«الأردنية»، سوف يكلفها 50 مليون دولار، الأمر الذي يعتبر تكلفة عالية جدا. وفي حين كانت معلومات تحدثت في عام 2012 عن مشاهدة الطيارين اللبنانيين لصواريخ أو لمعان القصف، فإن طيارا رفض ذكر اسمه أكد أن الرحلات تسير بانتظام، وأن الأمر لا يشكل خطرا على السلامة بسبب تحليق الطيران على ارتفاعات عالية جدا لا تطالها القذائف والصواريخ التي يطلقها المتحاربون، ولا الصواريخ المحمولة على الكتف التي يقال إن المعارضة تمتلكها، في حين أن الجيش السوري وحده من يمتلك القدرة على إصابة الطائرات العالية الارتفاع. وأشار الطيار اللبناني إلى أن مسارا كان يمر فوق دمشق تم إلغاؤه بطلب من السلطات السورية من أكثر من عامين لأسباب غير معروفة.
وأشار الطيار الذي رفض ذكر اسمه إلى أن الطيارين اللبنانيين باتوا يتعمدون هبوطا حادا بعد عبور الحدود السورية يشبه «المناورات الجوية»، بعد أن كانوا في وقت سابق يبدأون الهبوط التدريجي فوق الأراضي السورية بسبب قرب مطار بيروت من الحدود. وأشار إلى أن الطائرات تبدأ بالهبوط الحاد بعد عبور الحدود، مما يجبرها أحيانا على التحليق فوق البحر والعودة مجددا إلى مطار بيروت على علو منخفض. ورأى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور هشام جابر، أن التحذير من عبور الطائرات يأتي ضمن إطار «الإجراءات الاحترازية لشكوك أو معلومات لدى السلطات الأميركية بأن هناك صواريخ مضادة للطائرات تسربت إلى أيدي متشددين في المعارضة السورية»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مخاطر استهداف تلك الطائرات «قائمة نظرا لأن الصواريخ التي تحدثت معلومات عن تسربها إلى أيدي (داعش)، يصل مداها إلى 7 كيلومترات».
وأشار جابر إلى معلومات تحدثت عن امتلاك «داعش» لصواريخ مضادة للطائرات تطلق عن الكتف ويصل مداها إلى 7 كيلومترات، ويرجح أنه اغتنمها من مطار الطبقة العسكري في شمال سوريا، ومن مراكز للجيش العراقي في الموصل، كاشفا عن أن تلك الصواريخ التي لم يعلن عن استخدامها بعد «قادرة على استهداف الطائرات المدنية التي لا تحلق دائما على ارتفاع 33 ألف قدم (نحو 11 كيلومترا)، بل تجبر أحيانا على التحليق على ارتفاعات أقل، مما يجعل احتمال استهدافها قائما». كما لفت إلى أن نطاق سيطرة «داعش» وتنظيمات متشددة أخرى على مساحة تتجاوز نصف سوريا «يجعل تحليق الطائرات المدنية فيها خطرا، لأنها توجد على تماس مع خطوط الطيران المدني فوق سوريا».
وفي حين لم تصدر منظمة الطيران الدولية أي تحذيرات في شأن استعمال المجال الجوي السوري، أكد المدير العام الهيئة العربية للطيران المدني محمد أحمد شريف، أن الهيئة لم تصدر أي تعليمات بشأن سوريا، معتبرا أن استعمال المجال الجوي السوري وتقييم مخاطره هو من مسؤولية «الطيران المدني السوري». وقال شريف في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن كل دولة تحدد الخط الذي تسير فيه طائراتها، موضحا أن الهيئة لم تجرِ أي دراسة للوضع في سوريا بسبب غياب الدولة السورية عنها، بعد تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية

 

المصدر : الشرق الاوسط