أنسنة السياسات العربية والغربية لاستثمارها في الملف السوري وغيره من الملفات.

وحتى تبقى حقوق الإنسان قيمة مضافة للمنطقة ولا تتحول إلى أداة مستلبة منها.

44

 

المعارض السوري-محمد العبيد

 

بداية لابد من ذكر أن السياسات العربية لم تستطع عبر عقود ماضية حتى حاضرنا من حل أي قضية عالقة من قضاياها ولا حتى تمكنت من الاتفاق و التقدم بأي خطوة باتجاه حل ومعالجة جذر هذه القضايا العالقة والملفات الشائكة فيها . ذلك من قضية فلسطين إلى أحداث لبنان والعراق وسورية إلى بلاد المغرب العربي حتى سد النهضة وأزمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة ثم ليبيا والسودان واليمن وأخرها تدخل إيران في المنطقة واحتلالاتها وتدخلاتها وتأثيرها في أربع بلدان عربية ومحاولة توسعة نفوذها أكثر , إضافة أن المنطقة تتعرض كل يوم لأزمات تُغرقها بخلافات ومتغيرات جديدة غير متوقعة وغير مهيأة للتعامل معها.

ومن جانب اخر لم تستطع بعض هذه السياسات بالنهوض بمجتمعات دولها من حيث التنمية والاقتصاد والاستقرار الأمني والمعيشي مما أفشل كل تحالفاتها السياسية التي ظهرت أنها سطحية سواء السياسية الاقتصادية و حتى الأمنية والعسكرية منها , كما عجزت هذه السياسات من الناحية العسكرية بوقت تزيد ترسانتها المسلحة وتمتلئ مخازنها من القطع العسكرية القديمة منها والحديثة ولم يسجل لها انتصار عسكري أو تحرير ارض محتلة واحدة ولا حتى البعض منها استطاعت الدفاع عن نفسها وقد امتلأت جعبتها من الانتصارات المعنوية .

إضافة أنه يتم شراء هذه الأسلحة والمعدات العسكرية  وتأتي من بلاد لا تعرف الحروب بحاضرها ولا تتعرض لهذا الكم من الأزمات ولا تحمل ملفات شائكة كما سجلها حافل بالانتصارات العسكرية السابقة والسياسية الحاضرة و متقدمة بحضارتها ومزدهرة بمجتمعاتها على كافة الصعد كما يفتقد سجلها من أي انتصار معنوي .

وبدون الدخول بتفاصيل وتحليلات أجد أحد أسباب هذا التقدم والنجاح في سياسات هذه الدول انه جاء بعد تخليها عن السياسات التقليدية والحروب العسكرية وكانت ضمن عملية تغيير وتجديد دائم لسياساتها مما مكنها من الذهاب باتجاه الصناعة العسكرية وغيرها من الصناعات والتطور التكنولوجي والأهم اعتمادها أنسنة السياسات والتزامها بحقوق الإنسان وعدم تجاوزها , لتهيئة البيئة المناسبة  لديمقراطية دولها وتنمية مجتمعاتها وإيجاد مساحة لشعوبها والسماح لهم بممارسة حرياتهم.

أما السياسات العربية التقليدية التي غالبا تعتمد الحلول المؤقتة والخالية من أي إستراتيجية واضحة نجد أنها لم تعد تجدي نفعا ولا تقطف عنبا.

إلى متى تبقى هذه السياسات العربية تعتمد ذات النهج وتعطي أولوياتها لشراء وتخزين واستهلاك للآلة العسكرية سواء الدفاعية منها والهجومية , ولا تستند إلى صناعتها وتطويرها , وأكثر من ذلك إلى إمكانية التخلي عنها, بوقت باتت القوة الاقتصادية والتنمية البشرية وسلمية المجتمعات وتماسكها أكثر دفاعية من الآلة العسكرية المستنزفة المانعة لوجود هذه العوامل الثلاث, فلماذا حتى الآن لم يتم مراجعة هذه السياسات ليتم تجديدها و أنسنتها للنهوض والتقدم أفضل من النكوص والتراجع ,للاستفادة من تجارب الآخرين مع العمل على حلول دائمة ضمن استراتيجيات تقودها مؤسسات الدولة وتفعيلها من خلال العمل المؤسساتي المنظم , وليس من خلال حكم الفرد أو الأجهزة الأمنية.

لتبقى حقوق الإنسان قيمة مضافة ولا تتحول إلى أداة مستلبة يجب اعتمادها ضمن السياسات العربية وجعلها  آليات لا أدوات لحل قضايا المنطقة وملفاتها العالقة وعلى وجه الخصوص في سورية , ليكون ذلك عبر التمسك في القرارات الأممية والسعي لتطبيقها بالعمل مع الشرعية الدولية لإنقاذ الشعب السوري , ومن خلال احترام مبادىء وقانونين حقوق الإنسان , لتعزيزها وترسيخها ضمن مجتمعاتنا ودولنا وليس عبر تجاوز الأولى وتجاهل الثانية ولا حتى عبر تكديس الآلة العسكرية والقبضة الأمنية , بإعطائها الأولوية في السياسة والميزانية المادية والبشرية التي باتت من الماضي وأصبحت أهم آليات الدفاع والهجوم في حاضرنا هو الاقتصاد القوي والنهضة العلمية والشراكات والتحالفات الدولية المتينة , يتضمنها التمسك بالشرعية الدولية والالتزام بقراراتها.

كل هذه الأمور باتت أجدى وأنفع من مستودعات حديد أخرها يُباع في سوق الخردة وفي إعادة التصنيع والتدوير أو يقتل بها ذات الشعب الذي دفع ثمنها.

ولا يكون ذلك من خلال حلول أحادية الجانب والطرف , خاصة أن اغلب القرارات الأممية الخاصة في المنطقة العربية منذ عقود لم يطبق منها شيء , و التي نفذت منها على أساس توافق مصالح مرحلي لم ينتج عنها حلول دائمة ومرضية , والجدير بالذكر هنا أن أغلب الملفات الساخنة والتي عملت وتعمل عليها الأمم المتحدة وقراراتها هي في منطقة الشرق الأوسط , مع العلم أن اغلب رؤساء وموظفين هذه المنظمة من خارج دول و مجتمعات وسكان المنطقة .

لذلك ومن باب أهل مكة أدرى بشعابها ربما تكون الآن الفرصة مواتية ومناسبة للجميع ليكون القرار الاممي المتعلق في الحل السوري نموذج حقيقي لأنسنة السياسات العربية بالسعي إلى التطبيق الكامل من خلال الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية لتفعيل الشرعية الدولية وإعطائها القوة بعد ضعف أدائها ودورها في عموم المنطقة إضافة لباقي القرارات الأممية ومعالجة ملفاتها العالقة منذ عقود.

وبالعودة للملف السوري نحن السوريون نحتاج عودة سورية والسوريين أولا و لسنا بحاجة عودة سلطة بلا دولة  ولا عودة وطن بلا شعب ولا شعب بلا وطن , فلماذا يكون التطبيع والانفتاح بالمجان وبدل أن يكون لمصلحة الشعب السوري يكون لمصلحة أفراد ونظام .

ومن باب الأمل والعتب على الأشقاء والأصدقاء ورغم كل ما حصل سوف ننظر للأمر بلين رغم قسوة المشهد الذي تابعناه من لقاءات واجتماعات مع وزراء النظام  والانفتاح عليه بالمجان دون منهجية واضحة يرافقه غياب توافق دولي وبالحد الأدنى اتفاق عربي يساعد و يدفع إلى حل عادل ليعود على الجميع  بالنفع والإيجاب بما فيهم الدول و النظام والمعارضة مع التذكير والتأكيد أن وفود اسطنبول وغيرها في نيويورك , صحيح لم تعد تمثل إلا نفسها , لكن هل الشعب السوري هو الذي اختارها أم أصدقاء الشعب السوري من نصبها , ألم تشارك كل هذه الدول بتعميدها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب والثورة , هل كان يخفى على أحد طبيعة التبعية و الولاء عند يعضهم أوغالبيتهم.

فلماذا يدفع الشعب السوري ثمن هذه السياسات , لماذا يتم تجاهل حقوقه ومعاناته بهذا الشكل بعد أن خذل من الجميع دولاً ومعارضةً ونظاماً.

نحن السوريين دفعنا ثمن باهظ منذ عشر سنوات ليس من اجل عودة سلطة وفتح علاقات وسفارة وزيارة وزير وصناعة وتهريب مخدرات واحتواء ميليشيات . بل من اجل إحداث تغيير وإصلاح من اجل كرامة وحرية للوصول إلى حقنا في المواطنة المسلوب وترسيخ حقوق الإنسان بما تحمل من قيم وقيمة , من اجل الخلاص من الاستبداد والعبودية , لا من اجل تكريسها وتعويمها من جديد فكيف تنصفونا اليوم أيها الأشقاء والأصدقاء.

إن غالبية السوريين منذ سنوات ينادون بدور عربي للحل في سورية , ودائما ما كنا نؤكد رفضنا لأي اصطفاف لصالح أي طرف , ليتم الاستفادة من هذا الدور لصالح سورية وشعبها وليس لصالح طرف من الأطراف.

كما دائما يرفض غالبية الشعب السوري أي أجندات غير سورية , وقاطع وتخلى عن كل من عمل على أجندات حتى ولو كان من أبناء جلدتهم.

فكيف يمكن لدولة أو نظام  العمل والإصلاح للنهوض بشعب وإيجاد حلول لمشاكله والانفتاح على محيطه والعالم ويساوم على حقوق الإنسان بمصالح صغيرة مؤقتة تعتبر مرحلية وضيقة لا أفق لها.

متجاهلا اكبر مأساة العصرويغض النظر عن دماء مايقارب النصف مليون سوري ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسرا, وتهجير وتشريد الملايين من السوريين , كما يجتاح أرضه احتلالات عدة ونفوذ متعددة لقوى خارجية وميليشيات مسلحة. بوقت تعمل الدول المتقدمة على أنسنة السياسة والتمسك بحقوق الإنسان والارتقاء بها , كما التمسك بالقرارات الأممية وشرعيتها حتى ولو كان ذلك ببعض الأحيان شكلا لا مضمونا.

كما أننا لا نستطيع إنكار حق أي دولة تبحث عن حلول لمشاكلها وتحقيق مصالحها ومصالح شعوبها وليس من حقنا التدخل بأي سياسة داخلية لأي بلد كان , لكن ليس من حق احد يفعل ذلك على حساب ضحايا وكوارث الشعب السوري وحقه بالتغيير إلى العدالة والحرية.

ولا يكون ذلك عبر المساومة على القضايا العادلة وتجاهل اكبر مأساة إنسانية كما لا يكون بتعويم الميت الذي لن تستطيع قوة بالعالم إحيائه, بل يكون بمناصرة ونصرة هذه القضايا وإنصاف شعوبها والسعي لإيجاد حلول لها.

وبوقت نتفهم مصالح الدول ومشاكلها الداخلية , من واجبنا التذكير بأن بقاء واستمرا الديكتاتورية والاستبداد والإجرام  في سورية وتركها دون حل سياسي شامل وكامل هذا يشكل خطرا على الجميع , وذلك لان وجود سرطان في خلايا الجسم الواحد لن يعطي الصحة لأي من أعضاء هذا الجسم.

كما مالا يمكن تفهمه واستيعابه أن تقبل بعض سياسات الدول بالحلول المجتزئة من الحل السوري الذي هو حق وملك للشعب السوري وقد جرى تعبيد طريقه عبر بحر من دماء السوريين , وإذا بأصدقاء الشعب السوري عوضا أن تشمل رؤيتهم وخطواتهم للحل كل الأطراف يذهبون باتجاه طرف واحد , بوقت المفروض تكون مع ولصالح وحساب كل الأطراف وعلى أساس المصالح المتبادلة التي تصب في مصلحة الجميع.

فلا يمكن لدولة ولا لأي جهة تطالب بتطبيق الشرعية الدولية من خلال قرارات تخص دولتها ومشاكلها وبذات الوقت تتجاهل هذه الشرعية وتتجاوز قراراتها الأممية التي تخص دول وشعوب غيرها , فلا يمكن نرفض الاستبداد هنا ونقبل به هناك وبذات الوقت نشتكي من ازدواجية السياسات و المعايير.

كما لا يمكن لجهة تشتكي من اللاجئين وتطالب بعودتهم وأخرى تشرح أحوالهم الإنسانية وترفع تكاليفهم الباهظة وتطلب المساعدة من الدول المانحة وأخرى تساوم عليهم الدول الأوربية وبدل أن تدفع إلى الحل

تذهب وتنفتح مع من كان سبب في تهجيرهم و قتل أبنائهم سواء مع النظام أو الإيرانيين متجاهلة كل ماسيهم وأسباب تهجيرهم ولجوئهم وكل القرارات الأممية وقوانين ومواثيق حقوق الإنسان.

بعد كل هذا كيف سوف تجد هذه الدول والسياسات الجامدة من يناصر قضاياها في المستقبل وتكون مقنعة لحمل قضاياها سواء على مستوى الشعوب أو المجتمع الدولي خاصة بعد أن تجاوزت حقوق الشعب السوري وماّساته التي لم يشهد لها التاريخ مثيل..

قد كان من الممكن لنا تفهم خطوة الانفتاح على سلطة الأسد لو جاءت ضمن استثمار و مبادرة وخطة عمل شاملة ضمن اتفاق دولي أو عربي يقابلها إجراء وخطوة تصب في نصرة الشعب السوري لخلاصه من عذاباته ويأخذ بعين الاعتبار دور المعارضة الوطنية وأهمية وضرورة مشاركتها بأي خطوة وإجراء ممكن ,

قد كان من الممكن أن تتفق هذه الدول سواء عربيا أو دوليا وتقدم مبادرة ضمن خارطة طريق خطوة مقابل خطوة بعد الاتفاق على الخطوات المطلوبة وتحديدها من النظام ومن المعارضة وما يقابلها من المجتمع الدولي أو الدول المهتمة والصديقة .

فكل خطوة  يخطيها النظام ويتنازل للرضوخ للحل السياسي والإصلاحات المنشودة يقابلها خطوة وخطوات من تلك الدول الشقيقة والصديقة وهذا يشمل المعارضة أيضا ,

هذا ولو تبنت كل دولة خطوة واحدة من هذه الخطوات وطالبت النظام بها مقابل خطوات تطبيع وتمويل وإعادة أعمار وعودة سورية إلى الجامعة العربية ورفع عقوبات وعقود استثمار وفتح سفارات وعلاقات وتبادل تجاري حتى نصل إلى حل سياسي , حينها فقط يتم إنقاذ ما تبقى من سورية وشعبها وإنقاذ المنطقة من عدم الاستقرار. كما كنا قطعنا الطريق على تمدد إيران وميلشياتها في المنطقة.

مازال ممكن يحصل ذلك واليوم نتمنى هذا من جميع الدول الصديقة للعمل على ذلك ليخرج الجميع منتصر ولتبقى الشعوب متحابة والأنظمة متماسكة وترتقي بحق وحقوق الإنسان لترسيخ العمل المشترك بالحفاظ على الأوطان وشعوبها والنهوض بها إلى الأفضل , كما أن الدولة التي تبادر اليوم على هذا الأساس اعتقد ستجد الجميع يقف إلى جانبها وجانب قضاياها العادلة الآن وفي المستقبل , خاصة بعد أن وقفت وتقف مع الشرعية الدولية ورسخت مبادىء حقوق الإنسان وشاركت بحل اكبر مأساة العصر وأكثرها تعقيدا وأكثرها سوادأً, وانتصرت لحق الإنسان وعيشه بحرية وكرامة.