احتكاك روسي ـ أميركي في سوريا يعكس ضعف قنوات منع «الحوادث العرضية»

موسكو تنشّط تحركاتها لدعم دمشق رغم انشغالها بالحرب الأوكرانية

41

حمل حادث الاحتكاك في الأجواء السورية بين طائرات عسكرية روسية وأميركية، قبل يومين، دلالات مهمة كونه أظهر مجدداً هشاشة قنوات التنسيق لمنع وقوع حوادث عرضية بين موسكو وواشنطن.

وأعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي التابع لقاعدة «حميميم» على الساحل السوري، أوليغ إيغوروف، أن طائرة نقل عسكرية روسية من طراز «أنتونوف26» تفادت مساء الاثنين الاصطدام بطائرتين مسيّرتين (درون) أميركيتين أثناء تحليقهما في شمال سوريا. وقال إيغوروف، إن «ما يسمى بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة يواصل القيام برحلات جوية غير شرعية لطائرات مسيّرة بمعدات هجومية في المجال الجوي للجمهورية العربية السورية».

وأوضح المسؤول العسكري الروسي، أن الطائرة التي كانت في طريقها لتزويد وحدات المجموعة الروسية بالإمدادات العسكرية اللازمة، نجحت في تجنب الاصطدام مع طائرتين أميركيتين كانتا تقومان بطلعة فوق المنطقة. وشدد على أن هذه «ليست المرة الأولى التي ينتهك فيها الجيش الأميركي أحكام مذكرة التفاهم (بين الجانبين الروسي والأميركي) بشأن منع الحوادث وضمان سلامة الطيران أثناء العمليات في سوريا».

ورغم أن الجانبين عادة يتبادلان الاتهامات بالتسبب في وقوع خروقات مماثلة، لكن الحادث الأخير أظهر أن قنوات التنسيق لمنع وقوع حوادث عرضية في أضعف حالاته حالياً، مع توقف كل قنوات الحوار والتنسيق الأخرى بين الجانبين.

وأهمية الحدث الجديد تكمن في أنه على رغم تصاعد حدة المواجهة بين موسكو وواشنطن في أوقات سابقة، لكن قنوات التنسيق في سوريا كانت توصف بأنها الوحيدة التي تعمل بشكل فعال ونشط؛ ما مكّن من تجنب احتكاكات عدة في السابق كادت تسفر عن وقوع صدامات مباشرة.

وعلى الرغم من تزايد التقارير الغربية التي تفيد بأن موسكو بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية قلّصت من درجة اهتمامها بالشأن السوري، وتركت الباب مفتوحاً أمام تنشيط التحركات التركية والإيرانية والأميركية أيضاً في هذا البلد، لكن الأوساط الروسية تنفي صحة هذه التقارير، وهي ترى أن حوادث مماثلة كحادثة يوم الاثنين كانت تقع حتى في أوقات سابقة عندما كانت الأولوية العسكرية الروسية موجهة للعمليات على الأراضي السورية.

ولم تعلّق موسكو على المستوى الرسمي على معطيات عن قيامها بتقليص تعداد قواتها في سوريا خلال الشهور الماضية، ونقلها آلاف المقاتلين إلى أوكرانيا. لكن مصادر تحدثت معها «الشرق الأوسط»، في وقت سابق، كانت قد أشارت إلى أن موسكو أجرت بعض عمليات إعادة الانتشار «في المناطق التي لا تقوم فيها القوات الروسية المنتشرة في القواعد العسكرية بنشاط قتالي أو ميداني». وبهذا المعنى، فإن موسكو يمكن أن تكون قد قامت فعلاً بنقل جزء من قواتها من سوريا، لكن هذا النقل لن يؤثر، وفق تقديرات مسؤولين عسكريين، على قدرات روسيا للتأثير في مجرى الأحداث في سوريا عموماً.

في الوقت ذاته، رأى خبراء روس أن تكرار الحديث في الفترة الأخيرة عن احتكاكات روسية – أميركية في بعض المناطق أو الإشارات التي تتحدث عن نشاط قوات التحالف الدولي في مناطق الجنوب أو مناطق الشمال الشرقي، يعود لحقيقة أن موسكو باتت تولي الأولوية في تحركاتها مع شريكيها في «مسار آستانة» (تركيا وإيران) إلى تصعيد مسار مواجهة الوجود الأميركي في سوريا، وهذا ما أظهرته مجريات أعمال قمة مسار آستانة التي انعقدت قبل شهرين في طهران.

في المقابل، تُبرز معطيات عن مواصلة موسكو عمليات تدريب القوات النظامية ومدها بالأسلحة والذخائر، أن الرهانات الروسية في سوريا لم تتأثر بالحرب الأوكرانية، بل على العكس من ذلك اكتسبت الساحة السورية أهمية إضافية في إطار «المواجهة الكبرى» القائمة حالياً بين روسيا والغرب.

وقبل يومين، أعلنت مصادر روسية وسورية متطابقة، أن أحد التشكيلات السورية المقاتلة نفّذ مشروعاً تكتيكياً بالذخيرة الحية على مدى أيام، بإشراف ضباط روس، على رأسهم ألكسندر تشايكو، قائد القوات الروسية في سوريا. وتضمنت التدريبات التي شاركت فيها مختلف صنوف القوات البرية والجوية، محاكاة لظروف القتال في معركة حقيقية.

وتقول مصادر سورية، إن التدريب بدأ «بالتأثير الناري المركّز من قوات المدفعية وراجمات الصواريخ والهاونات على القوى الحية والوسائط النارية المعادية، تلاه تمهيد ناري كثيف وضربات صاروخية عملياتية أرض – أرض وضربات جوية شارك فيها الطيران الحربي وحوّامات الدعم الناري ورمايات تركيز بمختلف الوسائط النارية».

وأفادت وكالة أنباء «سانا» الحكومية السورية، بأن التمرين تضمن كذلك «تنفيذ إنزال جوي خلف خطوط العدو تحت تغطية نارية كثيفة، والتصدي لعمليات هجوم مضادة انتهت بإجبار العدو على التراجع».

وأظهرت طبيعة التدريبات ومستواها، أن القوات الروسية ما زالت، رغم انشغالها في الحرب الأوكرانية، تولي أهمية خاصة لتعزيز الجاهزية القتالية في حال واجهت اندلاع مواجهات جديدة على الأرض السورية.

في الوقت ذاته، لم تقلص موسكو خلال الفترة الماضية من عملياتها الهجومية على مواقع المعارضة المسلحة السورية، وهو أمر رأى فيه بعض المحللين رسائل في أكثر من موقع موجهة إلى الشريك التركي. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين، عن استهداف الطيران الروسي مواقع تابعة لتنظيم «جبهة النصرة» في منطقة إدلب؛ ما أسفر وفق المصادر الروسية عن مقتل 13 مسلحاً، بينهم قياديون. وأفادت قاعدة «حميميم» في بيان، بأن «القوات الجوية الروسية دمرت مواقع لجماعة (جبهة النصرة) الإرهابية في منطقة إدلب لخفض التصعيد، كانت تمثل تهديداً على أفراد القوات الروسية والقوات الحكومية السورية». وأوضح البيان، أن الضربات وُجّهت إلى مواقع محصنة تحت الأرض بالقرب من قريتي الرويحة ومصيبين، مؤكداً أنه «تمت تصفية 13 مسلحاً، بينهم القياديان أبو يوسف الشامي وخالد اليوسف (أبو عمر)، وأصيب 22 عنصراً في الجماعة الإرهابية بجروح خطيرة».

وأكد البيان الروسي، أن «تدمير المخابئ للإرهابيين سمح بتجنب هجمات تخريبية وإرهابية ضد مواقع القوات المسلحة الروسية والقوات الحكومية السورية». و«جبهة النصرة» هو الاسم السابق لـ«هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة إدلب وأرياف محافظات مجاورة لها، مثل حماة واللاذقية.

المصدر: الشرق الأوسط

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.