ارتفاع تكاليف تربية المواشي في إدلب وانخفاض أسعارها.. أسباب تدفع المربين لترك المهنة 

68

يعاني مربو المواشي في مناطق إدلب وريفها من العديد من الصعوبات التي تواجه عملهم، نتيجة غلاء تكاليف تربية المواشي والتي يقابلها صعوبة في بيع المواشي بسبب انخفاض أسعارها مقارنة بالتكاليف الباهظة، الأمر الذي دفع الكثير منهم لترك هذه المهنة أو تقليص عدد رؤوس المواشي لديه لتجنب الخسائر، ما يهدد بتراجع في قطاع الثروة الحيوانية في المنطقة بشكل عام.
التقاعس عن دعم مربي المواشي وتقديم التسهيلات لهم من قبل الجهات المسؤولية والمنظمات وتركهم يواجهون الأسعار الباهظة للأعلاف والشعير و”التبن” وجميع أنواع الاحتياجات الضرورية لتربية المواشي هو عامل آخر من عوامل وأسباب تزايد هذه المعاناة، حيث شهدت أسعار الأعلاف ارتفاعاً كبيراً خلال العاميين الماضيين ليصل سعر الطن الواحد لنحو 440 دولار أمريكي.
ونتيجة لهذه الأسعار المرتفعة اضطر العديد من المربين الذين لا زال لديهم رغبة في مواصلة هذه المهنة إلى بيع أكثر من نصف عدد رؤوس المواشي لديهم بأسعار منخفضة لتأمين الاحتياجات الأساسية لتربية ما تبقى لديهم، ويعزو العديد من المربين سبب انخفاض أسعار المواشي إلى ذات السبب الأساسي وهو غلاء أسعار الأعلاف وجميع احتياجات تربية المواشي إضافة لتقليص مساحات المراعي في المنطقة وغلاء أسعار ضمان أراضي مزروعة بالشعير لرعي المواشي فيها.
“تركت هذه المهنة بعد 25 عاماً من العمل ورغم حبي الشديد لها” بهذه العبارات بدأ المسن (ع.خ) “70 عاماً” حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو يقيم في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي، يقول، أنه بدأ بمهنة “تربية المواشي” وتحديداً الأغنام منذ أكثر من 25 عاماً وكان يعرف ضمن منطقته في ريف حماة الشمالي بأنه من أشهر مربي وتجار المواشي في المنطقة.
مضيفاً، أن عدد رؤوس الأغنام التي كان يملكها قبل الثورة السورية كانت تتجاوز 250 رأس، أما الآن فلم يعد يملك منها سوى 20 فقط، أبقاها للاستفادة من الحليب واللبن لعائلته ثم رغبته في الإبقاء على عدد قليل فقط لحبه وتعلقه الشديد بهذه المهنة “على حد تعبيره “.
ويعزو سبب تركه لهذه المهنة لغلاء أسعار الأعلاف و”التبن” والشعير وعدم وجود طلب كبير على المواشي سوى في المناسبات مثل “عيد الأضحى” ومناسبات الزواج والولائم، أما بهدف تربيتها فلم يعد ذلك مهماً بالنسبة لغالبية سكان الشمال السوري، بسبب غلاء التكاليف فسعر ضمان دونم الأرض المزروعة بالشعير زاد إلى حد الضعف عن السابق.
موضحاً بأنه حاول كثيراً مقاومة الظروف وعدم ترك هذه المهنة لكنه لم يستطع بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها لاسيما في بداية نزوحه إلى الشمال السوري واضطراره بيع عدد كبير من رؤوس الأغنام التي كان يملكها لسد احتياجاته ثم ارتفاع أسعار احتياجات تربية المواشي بشكل تدريجي حتى وصلت لحد غير مقبول.
ويعرب عن استيائه لعدم وجود أي اهتمام بقطاع “الثروة الحيوانية” في مناطق إدلب وريفها من قبل الجهات المعنية المتمثلة “بحكومة الإنقاذ” أو المنظمات الإنسانية، ونتيجة ذلك بقي المربون يعانون من ارتفاع تكاليف تربية المواشي وركود الأسعار ما دفع الكثير إلى ترك هذه المهنة والبحث عن مصدر دخل جديد.
وتنتشر في عدة مناطق في إدلب وريفها العديد من الأسواق الشعبية المخصصة لبيع وشراء المواشي حيث يؤكد العديد من رواد هذه الأسواق أن الأسعار باتت منخفضة جداً، وبذات الوقت لا يوجد رغبة في الشراء بسبب غلاء أسعار الأعلاف وتكاليف تربية المواشي.
يتردد (م.ع) “55 عاماً” المقيم في إحدى القرى القريبة من منطقة دركوش في ريف إدلب الغربي بشكل دائم إلى الأسواق ليقوم بشراء وبيع بعض رؤوس الأغنام وجني ربح محدود منها في كل مرة كمهنة اعتاد عليها منذ عدة سنوات، يتحدث للمرصد السوري لحقوق الإنسان قائلاً، إن استمرار تدهور قطاع “الثروة الحيوانية” في إدلب ينذر باندثار مهنة تربيتها لكثرة المشاكل والمتاعب التي تواجه المربين، فالفترة الماضية شهدت جفافاً وتراجعاً في المراعي وقلة المواد الأساسية للأعلاف وتكلفة تحضيرها المرتفعة ما تسبب بارتفاعها بشكل كبير، حيث يصل سعر كيلو “التبن” حالياً لنحو 5 ليرات بينما تشهد الأعلاف ارتفاعاً كبيراً.
ويضيف، تذهب غالبية المواشي حالياً للذبح في محلات بيع اللحوم والمطاعم وللمنظمات وفي المناسبات، ويترك تربيتها الكثير ما يهدد بتقلص كبير في أعداد المواشي في الشمال السوري بشكل عام، فلا بد من إيجاد حلول جذرية من قبل الجهات المعنية لمساعدة مربي المواشي وتوفير تسهيلات لهم مثل تقديم الأعلاف والأدوية بأسعار مناسبة، فهذه المهنة كانت في السابق تدر على صاحبها أرباحاً جيدة أما الآن فهي لم تعد توفر حتى تكاليف العمل.
موضحاً، أن توفير الأعلاف بأسعار مخفضة سيساهم ويشجع الكثير من المربين على زيادة أعداد المواشي لديهم وبالتالي ستشهد الأسواق حركة جيدة، أما في الوقت الراهن الأسعار والمواد مرتفعة، حيث يصل سعر طن الشعير إلى نحو 430 دولار أمريكي، وسعر كيلو “التبن الأبيض” ثلاث ليرات تركية، أما سعر كيلو “التبن الأحمر” أربع ليرات تركية، وسعر طن الجلبان 480 دولار أمريكي، وعلف مركب للحليب بسعر 440 دولار أمريكي للطن الواحد.
ويلفت إلى أن هناك ارتفاع في أسعار ضمان واستئجار المساحات المزروعة بالشعير أو غيره من المواد التي تعد طعاماً للمواشي وهذا أيضاً ساهم في معاناة مربي المواشي في المنطقة ودفعهم للعزوف عن هذه المهنة التي باتت لا توفر لهم مرابح ومصروف لعائلاتهم، حيث يضطر المربي لبيع أكثر من 5 رؤوس أغنام لشراء طن واحد من الأعلاف، ووسط كل هذه المصاعب تغيب الحلول المساندة لهم من قبل “حكومة الإنقاذ”.
وتقدر أعداد المواشي في مناطق إدلب وريفها بحسب  “وزارة الزراعة” في “حكومة الإنقاذ” بنحو 22 ألف و 333 رأس من الأبقار، و284 ألف و461 رأس من الأغنام،و 62 ألف و525 رأس من الماعز، ويعزو العديد من مربي المواشي سبب وجود هذه الأعداد الكبيرة لحركة النزوح الكبيرة والتهجير التي شهدتها المنطقة حيث استطاع غالبية مربو المواشي في مناطق أرياف حماة الشرقي والشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي من نقل قطعانهم إلى الشمال السوري.
ويشار أن العديد من المهن في مناطق إدلب وريفها تأثرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بسبب غلاء أسعار المواد الأساسية وتدهور قيمة الليرة التركية المتداولة مقابل الدولار الأمريكي وانخفاض القدرة الشرائية لدى السكان لحد كبير، إضافة للتضييق الممارس من قبل “هيئة تحرير الشام” و”حكومة الإنقاذ”.