ارتفاع في الأسعار يقابله شح المساعدات الإنسانية..أوضاع معيشية صعبة يعاني منها سكان مناطق إدلب وريفها

36

شهدت مناطق إدلب وريفها شمال غربي سوريا الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” خلال الأيام الأخيرة تردياً جديداً في الأوضاع المعيشية حيث ازدادت أسعار المواد الأساسية من خضار ومواد تموينية ومحروقات إضافة لأسعار الكهرباء المنزلية، وخفض وزن ربطة الخبز بمقدار 125 غرام، ويقابل ذلك انهياراً جديداً لقيمة الليرة التركية المتداولة في المنطقة مقابل الدولار الأمريكي، مما ضاعف من معاناة المدنيين لاسيما النازحين والمهجرين في مخيمات النزوح.

شركة “وتد للبترول” نشرت تحديثاً جديداً لأسعار المحروقات التي تحتكر بيعها ضمن مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” حيث أظهرت نشرة أسعار المحروقات التي نشرتها بتاريخ 28 أيار/مايو الجاري، ارتفاعاً طرأ على أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، ووصل سعر لتر البنزين لنحو 1.256 دولار أمريكي بعد أن كان بسعر 1.181 دولار أمريكي، وسعر لتر المازوت المستورد 0.952 دولار أمريكي بدلاً من 0.935، أما سعر لتر الغاز المنزلي فقط وصل لحد 13.13 دولار أمريكي، أي ما يعادل “216 ليرة تركية”.

أما أسعار الخبز فقد بقيت على حالها للربطة الواحدة حيث يصل سعرها 5 ليرات تركية، لكن “مديرية الأفران” التابعة “لحكومة الإنقاذ” أعلنت بتاريخ 27 أيار/ مايو الجاري تخفيض وزن ربطة الخبز الواحدة لتصبح بوزن 475 غرام بدلاً من 525 وبعدد أرغفة 5 بدلاً من 6، وجاء هذا القرار بعد أقل من أسبوع على تخفيض وزن الربطة من 600 غرام إلى 525 ، وبهذا الشكل تكون الربطة قد انخفضت بمقدار 125 غرام خلال أسبوع.

وفي سياق متصل، أعلنت شركةُ “GREEN ENERGY، التي تغذي مناطق إدلب وريفها بالكهرباء المنزلي والتجاري، عن رفعها أسعار الكهرباء من جديد بعد عدة مرات سابقة، ليصبح سعر “الكيلو واط” الواحد للكهرباء المنزلية بسعر 3 ليرات تركية بعد أن كان سابقاً بسعر 2.2 ليرة تركية، والتجارية بسعر 0.23 سنت امريكي بدلاً من 0.21، كما وشهدت أسعار المواد الغذائية والتموينية في أسواق إدلب وريفها ارتفاعاً جديداً في الأسعار ولاسيما أسعار مواد السكر والشاي والسمن النباتي والارز والطحين وبعض انواع الخضار، وذلك بسبب تراجع قيمة صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.

الارتفاع في الأسعار تسبب بمزيد من التضييق على المدنيين وتردي أحوالهم المعيشية وصعوبة حصولهم على المستلزمات اليومية وتحمل أعباء وتكاليف المعيشة، ويزداد الوضع سوءا لدى العائلات التي تقطن ضمن المخيمات العشوائية الغير مدعومة، كما ويعاني من هذا الارتفاع في الأسعار شريحة واسعة من المدنيين الذين يعانون من البطالة وعدم قدرتهم الحصول على فرص عمل والعمال والعائلات التي تعيش دون معيل.

الشاب (م.ع) يعيل أسرته المكونة من خمسة افراد ويقطن في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي بعد نزوحه من ريف حماة الشمالي، يعيش في منزل بإيجار شهري يبلغ 60 دولار أمريكي ما يعادل 970 ليرة تركية، وقد تفاجأ بارتفاع أسعار الكهرباء المنزلية لهذا الحد، حيث يضطر لدفع تكلفة تقدر بنحو 150 ليرة تركية بشكل متوسط.

وفي شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، إن ارتفاع أسعار الكهرباء المنزلية بشكل متكرر يضاعف من معاناة النازحين المستأجرين في المنازل بشكل محدد باعتبار أن الكهرباء لم تصل إلى المخيمات، فالمستأجر يعاني أساساً من سعر الإيجار للمنزل لعدم وجود مدخول شهري لدى الكثير يكفي لسد إيجار المنزل والمصروف الشهري للعائلة.

مضيفاً، فارتفاع أسعار الكهرباء المنزلية أضاف معاناة جديدة بالنسبة للمستأجرين، وبحال أرادت العائلة تخفيض مصروفها الشهري من الكهرباء فعليها الاستغناء عن تشغيل العديد من الأدوات الكهربائية الهامة مثل البراد والمروحة والغاز الكهربائي وهذه الأدوات هي ما دفعت بكثير من العائلات للاشتراك أساساً.

ويلفت إلى أن ارتفاع سعر الكهرباء المنزلية لحد ثلاث ليرات للكيلو واط الواحد جاء تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة ووجود حاجة ملحة لاستخدام البراد لحفظ الطعام واستخدام المروحة، كما أن استخدام الغاز الكهربائي يوفر شراء أسطوانة الغاز، وبشكل عام اضطرت الكثير من العائلات للاشتراك بالكهرباء للتخلص من أزمة الطاقة الشمسية وعدم جودتها خصوصاً أثناء فصل الشتاء.

ويدعوا الشركة لإعادة الأسعار لوضعها السابق وعدم استغلال حاجة المدنيين ومراعاة ظروفهم المعيشية في ظل عدم وجود فرص عمل توفر مدخولاً مناسباً لكل متطلبات الحياة اليومية، فالأسعار كانت في البداية مناسبة جداً لا تتجاوز ليرة ونصف للكيلو واط الواحد لكنها الآن وصلت لحد الضعف.

من جهتها تشتكي السيدة (ح.أ) النازحة في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي من غلاء أسعار الخبز وانخفاض بوزن الربطة، وفي حديثها للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تقول، حيث كانت سابقاً ربطة الخبز الواحدة بسعر ليرتين ونصف تركية و بوزن جيد وكانت أسعارها مناسبة، ثم بدأت تنخفض ويرتفع سعرها عدة مرات حتى وصلت إلى سعر خمسة ليرات تركية أما وزنها فقليل جداً وتضم 5 ارغفة فقط.

وتضيف، أنها تعيش ضمن عائلة مكونة من ثلاث أطفال إضافة لها ولا أحد أولادها وزوجته، وتحتاج العائلة يومياً لثلاث ربطات من الخبز بسعر 15 ليرة تركية، ولكن مع خفض وزن الربطة وعدد الأرغفة بدأت تلاحظ أنها لم تعد تكفي لوجبة غداء واحدة وبدأت منذ عدة أيام تشتري يومياً أربع ربطات حتى لا يخلو المنزل من الخبز.

وتشير بأنها لا تحصل على اي مساعدات إنسانية رغم أن إدارة المخيم أخذت بيانات عائلتها منذ أكثر من عام ويعاني ولدها الوحيد الذي يعيش معها برفقة زوجته من عدم وجود فرصة عمل ثابتة ولهذا فإنها تعاني أوضاعاً وظروفاً إنسانية صعبة جداً، فهي تستعين ببعض أنواع الخضار المنخفضة الثمن لتحضير الطعام لكن مادة الخبز تعد أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها

وتطالب الجهات المعنية في “حكومة الإنقاذ” بمساعدة المدنيين وخصوصاً النازحين في المخيمات وتقديم المساعدات الإنسانية بشكل كافي وخفض أسعار الخبز او تقديمه بشكل مجاني لجميع العائلات النازحة وعدم تقديمه للبعض وحرمان آخرين، فالأوضاع وصلت لحد يصعب جداً “على حد تعبيرها” ولم يعد الكثير قادرون على تحمل هذه الحالة المعيشية الصعبة

أما الشاب ( ع.م) ويتحدث للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن ارتفاع أسعار المحروقات وبشكل خاص البنزين وتأثره بذلك فهو يدرس “البكالوريا” في إحدى المدارس التي تبعد عن مخيمه نحو أربعة كيلو متر ويضطر يومياً لقطع هذه المسافة عبر الدراجة النارية، يقول، أنه يقطن في مخيم قريب من بلدة كفرلوسين في ريف إدلب الشمالي ويضطر يومياً للذهاب للمدرسة عبر دراجته النارية رغبة منه بإكمال دراسته وتحقيق حلمه.

مضيفاً، أن سعر ليتر البنزين وصل مؤخراً إلى حد 20 ليرة تركية وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة له ويصعب عليه تأمينه يومياً لاسيما وأنه يعيش مع والدته برفقة ثلاثة من أشقائه الصغار بعد استشهاد والده في العام 2019، فسعر البنزين سيضاف إلى تكاليف المعيشة اليومية التي تتحملها والدته مستعينة بما تقدمه المنظمات الإنسانية من مساعدات غذائية إضافة لمساعدة الأقارب المقيمين في تركيا.

ويشير (ع.م) أنه بدأ يشعر بالصعوبات التي تواجهه بسبب تكاليف الذهاب إلى المدرسة وعجزه عن إيجاد حل لهذه المعضلة، كما يشكو أيضاً من انقطاع مادة البنزين أحياناً وبحثه في عدة محطات ومحلات ومن طريقة تعامل أصحاب هذه المحطات مع الزبائن إضافة للتغيرات الدائمة بأسعار المحروقات التي تعد من أهم المواد الأساسية لحياة المدنيين، لافتاً، بأنه يبحث حالياً عن طريقة جديدة للتنقل لتخفيف أعباء شراء البنزين بهذه الأسعار المرتفعة جداً، ويدعو بدوره لتخفيف أسعار المحروقات لتتناسب مع الأوضاع المعيشية والمادية وعدم احتكارها فقد وصلت لحد كبير جداً.

بدوره يرى الناشط الصحفي (م.أ) المقيم في ريف إدلب الشمالي خلال حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الأوضاع المعيشية في مناطق إدلب وريفها تزداد تراجعاً يوماً بعد آخر بسبب هيمنة الشركات التابعة “لهيئة تحرير الشام” و”حكومة الإنقاذ” على المنطقة وتحكمها في الأسواق وحركة البيع والشراء، إضافة لفرض الضرائب والاتاوات على جميع مناحي الحياة العامة للمدنيين.

كما واعتبر (م.أ) استمرار الوضع على ماهو عليه قد يتسبب بمجاعة قريبة فهناك شريحة كبيرة من سكان مناطق إدلب وريفها معدمين تماماً ويعيشون أوضاعاً إنسانية كارثية والبعض يعتاش على ما يتبقى له من سعر السلة الغذائية الشهرية بعد أن يبيعها ويقوم بتسديد ديونه للبقاليات والمحلات، أما العمال فهم فئة مهمشة جداً ويعيشون ظروف قاسية بسبب أن أجورهم اليومية في أحسن ظروفها لا تكفي لسداد نصف حاجة العائلة.

ويلفت إلى أن استمرار التضييق على لقمة عيش المدنيين في مناطق إدلب وريفها سيولد حالة من الانفجار في الشارع ضد هذه الطريقة المستبدة في إدارة المنطقة، فمنذ حوالي الأسبوع أقدمت “هيئة تحرير الشام” على إزالة عشرات البسطات وسط مدينة إدلب كانت تعد مصدر دخل لأصحابها وترحيلهم بقوة السلاح.

ويتابع، والآن تم خفض وزن ربطة الخبز ورفع أسعار الكهرباء والمحروقات، و سعر صهريج المياه لا يقل عن 50 ليرة تركية وبسبب فرض الضرائب على محلات الانترنت فإن سعر الإشتراك الشهري بسرعة نت متوسطة تبلغ 130 ليرة تركية، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الأولية من خضار ومواد تموينية، ووسط كل هذه المتطلبات يقف معيل الأسرة عاجزاً عن تأمين حتى نصفها.

وخلال جولة في أسواق إدلب وريفها رصد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان أسعار بعض أنواع الخضار بالليرة التركية ، فكانت على النحو التالي، كيلو البندورة ” 12 ليرة” كيلو الباذنجان “10 ليرات”، كيلو الخس “ليرة ونصف” ضمة البقدونس ” ليرتان “كيلو الليمون ” خمسة ليرات” كيلو الملفوف “خمسة ليرات” كيلو البطاطا “8 ليرات” كيلو الزهرة”خمسة ليرات” كيلو الكوسا” 18 ليرة” كيلو الفول ” 6 ليرات” كيلو البصل ” ثلاث ليرات” ضمة النعنع ” ليرة ونصف”.

ويشار بأن الليرة التركية قد سجلت مؤخراً انخفاضاً جديداً في قيمتها أمام الدولار الأمريكي حيث وصل سعر تصريفها لنحو 16.5 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي الواحد، ويعد اعتماد الليرة التركية “بحسب خبراء اقتصاديون” في مناطق الشمال السوري من أبرز أسباب ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية لدى المدنيين.