استهداف الأسد شرط السنة لدعم أميركا

51

سلط مستشار معهد واشنطن والدبلوماسي الأميركي المحنك دينس روس، الضوءَ على طبيعة الخيارات المطروحة أمام الإدارة الأميركية، وقال إنه لا ينبغي أن يتفأجأ أحد باستمرار الصعوبة التي يواجهها الرئيس الأميركي في مسعاه لحل الأزمة السورية في ظل غياب خيارات فعالة، ووسط حرب حصدت أرواح حوالي 200 ألف شخص وشردت حوالي 10 ملايين آخرين.
وأضاف روس أن أوباما محق في القول بعدم وجود حلول سحرية للأزمة السورية، لكن أوباما يدرك أيضا بوضوح أن تجنب التعامل مع تلك الأزمة ليس الحل، خاصة إذا أراد تحقيق هدفه المعلن بإضعاف تنظيم الدولة الإسلامية وتدميرها في النهاية، لأن ترك ملاذ آمن للتنظيم في سوريا سيعطيه القدرة لنشر الفوضى في العراق، وسيوفر لها مجالا عملياتيا يكون مركزا للتخطيط والتجنيد وتنفيذ العمليات على نطاق عالمي. وحلل الكاتب الخيارات التي اتخذها ولم يتخذها الرئيس أوباما حتى الآن، مشيراً إلى أن كل خيار مطروح أمام أميركا تكتنفه المعضلات، فعلى سبيل المثال، أدى القصف الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا إلى إطلاق بشار الأسد قبضته العسكرية على المعارضة غير الإسلامية، وكثف غاراته الجوية على معاقلها.
وأضاف الكاتب أن أميركا تستعدي مجموعات المعارضة التي تأمل أن تحل محل الدولة الإسلامية بعد سقوطه، وذلك لأن مجموعات المعارضة ترى أن الهجمات الجوية ضد الدولة الإسلامية تجعلها تدفع ثمنا غاليا من خلال ترصد بشار الأسد لها، وكأنها تريد القول إن أميركيا تستهدف داعش، فيما يتفرغ بشار الأسد لقتال المعارضة المعتدلة.
ولفت الكاتب إلى أن الإدارة الأميركية تتفادى مهاجمة نظام بشار الأسد لخوفها من الرد الإيراني ليس في سوريا ولكن في العراق، ونقل عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله «إذا استهدفنا مواقع تخص نظام الأسد، فإن إيران ستأمر الميليشيات الشيعية تحت إمرتها في العراق لمهاجمة القوات الأميركية هناك».
وأشار إلى أن أميركا بالتأكيد يجب أن تأخذ في الاعتبار أن مصلحة إيران في بقاء الأسد قد تتسبب برد فعل، وتساءل: لكن هل تحل هذه المصلحة محل التهديد المداهم الذي تشكله الدولة الإسلامية لإيران ووكلائها في العراق؟ وهل يقاتل الإيرانيون الدولة الإسلامية في العراق لصالح أميركا؟ وأضاف الكاتب أنه من الصعب التصديق بأن إيران تسعى لتقويض المعركة ضد داعش لكي تنقذ الأسد. وأكد روس أن المعضلة الأخرى التي تواجه الإدارة الأميركية تتعلق بأن إحجامها عن ضرب نظام الأسد، خاصة بسبب خوفها من رد فعل إيراني، يلهب قلق شركاء أميركا من السنة العرب، كما تخشى بعض الدول العربية والخليجية من أن توقيع واشنطن لاتفاق مع طهران سيكون على حسابها، فضلا عن ارتياحها للانفراجة الدبلوماسية المحتملة بين الجانبين بعد أكثر من ثلاثين عاما على تأزم العلاقات بسبب الثورة الإسلامية التي قادها الخميني عام 1979.
وأوضح روس أن تلك الانفراجة الدبلوماسية قد تكون مفيدة في حال غيرت إيران موقفها من دول المنطقة، وتوقفت عن محاولة حيازة مزيد من النفوذ، مشيراً إلى أن الجمهورية الإسلامية على عكس ذلك لم تظهر أي إشارة على نيتها تغيير موقفها، بل يبدو أنها عازمة على تغيير ميزان القوة الإقليمي لصالحها، حتى إن بعض المسؤولين تحدثوا علانية عن نفوذهم البارز في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
وأشار إلى أن نشوة النصر التي تشعر بها إيران تزيد شكوك السنة تجاه الإدارة الأميركية، لافتا إلى أن السنة في النهاية هم الفصل المهم في هزيمة الدولة الإسلامية وليست أميركا أو الميليشيات الشيعية.
وأضاف أنه إذا سمح التحالف الدولي لبشار الأسد بزيادة هجماته ضد المعارضة غير الإسلامية دون محاسبة، ودون دعم ملموس لها، فإن أميركا لن تحصل على تأييد السنة، والأسوأ أن الغرب يخاطر بأن يجعل الدولة الإسلامية تبدو وكأنها حامي حمى السنة.
وأعرب الكاتب عن استيائه من أن أميركا تواجه عدة خيارات بائسة، لافتا إلى أن جهود الإدارة الأميركية المعلنة لتدريب حوالي 5 آلاف من المعارضة السورية تنتظر موافقة الكونجرس، ولما تبدأ عملية فحص الجنود بعد.
ووصف الكاتب المسار الأميركي الحالي في سوريا بأنه «مخيب للآمال» وأنه يشكل مخاطرة في فقدان دعم السنة. ودعا روس الإدارة الأميركية إلى إعادة التفكير في موقفها بشأن إقامة منطقة عازلة للمعارضة السورية على طويل الحدود السورية التركية، حيث يمكن إنشاء تلك المنطقة بإعلان إسقاط أي طائرة سورية تحلق داخل منطقة عرضها 75 ميلا من الحدود التركية عن طريق صواريخ الباتريوت التابعة للناتو، والمنتشرة على طويل حدود تركيا مع سوريا.
وحول ما يمكن أن تفعله تلك المنطقة العازلة، شرح روس أنها ستلبي عدة احتياجات سياسية وعسكرية: فهي من ناحية ستمنح المعارضة منطقة داخل سوريا تكون مرتكزا لإعادة التنظيم والاندماج والتغلب على الاختلافات فيما بينها، أما من الناحية العسكرية فإن المنطقة العازلة ستوفر قاعدة للتدريب في سوريا وستمنح القوات المتواجدة فيها مزيدا من الشرعية، أما من الناحية الإنسانية فإنها ستوفر ملاذا آمنا في وقت يمنع فيه اللاجئون السوريون من دخول تركيا والأردن ولبنان.
وأوضح الكاتب أنه في مقابل إقامة تلك المنطقة العازلة، يمكن لأميركا أن تطلب بإصرار من تركيا أن تبدأ بالمشاركة بفاعلية مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، والسماح باستخدام قواعدها لشن الهجمات، فيما تطلب واشنطن من حلفائها العرب أن يلبوا الاحتياجات المادية للاجئين والتنسيق بكثافة مع الجيش الأميركي من أجل التدريب العسكري للمعارضة. أما بالنسبة للإيرانيين والروس ونظام الأسد، فإن إقامة المنطقة العازلة لن تعجبهم، وقد يحاولون رفع الثمن بالنسبة لسعي الغرب من أجل تلك الخطوة، لكن خيارات حلفاء الأسد ليس كبيرة أيضا، فهل يريد الأسد حقا خسارة طائراته بالصواريخ الأميركية؟ أما بالنسبة لروسيا وإيران فإن احتمالية ارتفاع التكلفة يمكن أن تدفعهم في النهاية للسعي لإيجاد مخرج سياسي من الصراع السوري. وختم روس بالقول إن كل الخيارات لها ثمن، لكن المسار الأميركي الحالي يقدم القليل بالنسبة لسوريا، وربما يتسبب بإضعاف أهداف واشنطن ضد الدولة الإسلامية.

 

العرب القطرية