استهداف وجهاء العشائر ضمن مناطق “الإدارة الذاتية”.. ظاهرة جديدة تخلق احتقان وتوتر كبير في المنطقة وتصعد من الفلتان الأمني

94

توالت مؤخرًا سلسلة من حوادث الاغتيال التي راح ضحيتها عدد من وجهاء كبرى العشائر العربية في دير الزور ضمن مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في إطار استغلال حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار في مناطق نفوذ “قسد”، لا سيما في منطقة “دير الزور”، والتي تشهد ممانعة لقرارات “قسد”، خاصة مع تصرفها في ثروات المنطقة بإرادة منفردة من خلال توقيع صفقات النفط الأخيرة مع الشركة الأمريكية “ديلتا كريسنت إنيرجي”. كما تزامنت الاغتيالات مع إعلان قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي حملة لملاحقة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان عددا من حوادث الاغتيالات التي تعرض لها وجهاء وشيوخ العشائر في منطقة “دير الزور”، والتي كان أولها في 31/7/2020 حيث أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن مقتل “علي سليمان الحمادة” المتحدث الرسمي لقبيلة “العكيدات” ببلدة البصيرة شرق “دير الزور”، وهي قبيلة يبلغ عدد المنتمين إليها أكثر من نصف مليون نسمة وتسيطر على الفرات الأدنى.

وفي 1/8/2020، استهدف مجهولون بالأسلحة الرشاشة سيارة يستقلها وجهاء من عشيرة “العكيدات”، وهم: الشيخ “إبراهيم الهفل” والشيخ “مطشر الهفل” خال شيخ عشيرة “العكيدات”، وهو أحد ملاك الأراضي التي يوجد بها حقل العمر النفطية، في بلدة ذبيان بريف دير الزور الشرقي، ما أسفر عن إصابة الأول بجراح بليغة وقتل الأخير وسائق السيارة، كما استهدف شيخ قرية الدحلة بريف دير الزور “علي السلمان البكاري” أحد وجهاء عشيرة “البكارة”، وهي أيضًا من كبريات العشائر العربية هناك. وفي ضوء ذلك، حملت قبيلة “العكيدات” قوات “قسد” مسؤولية سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها وجهاء وشيوخ العشائر، نتيجة عدم اتخاذ “قسد” أي إجراء اتجاه عمليات الاغتيال المتوالية التي تمت في مناطق نفوذها.

ورصد “المرصد السوري” تزايد الاحتقان الشعبي وتصاعد الاحتجاجات والمظاهرات إثر تكرار حوادث اغتيال وجهاء القبائل على مرأى ومسمع من قوات “قسد” في مناطق نفوذها دون أن تحرك ساكنًا، إلى جانب ازدياد انتهاكاتها ضد الأهالي والعشائر في المنطقة على الحواجز، لا سيما في العملية الأخيرة المسماة بـ“ردع الإرهاب” التي تم خلالها اعتقال مدنيين وضربهم وإهانتهم، وسط اتهامات لعناصر من “قسد” بسرقة المنازل التي تقوم بمداهمتها. وفي سياق ذلك، اندلعت احتجاجات في مدينة البصيرة وقرية أبو النيتل في ريف دير الزور، وبلدتي الشحيل وذيبان وقرية الحوايج، بسبب تحميل “قسد” مسؤولية اغتيالات وجهاء العشائر، فقد أشعل المتظاهرون الإطارات وقطعوا الطرقات في المنطقة، فيما استقدمت “قسد” تعزيزات ضخمة إلى المنطقة، وعززت تواجدها في مداخل ومخارج مدينة البصيرة، ومنعت السيارات من الدخول والخروج إلى المدينة، وعززت حواجزها في بلدتي الشيحل وذيبان وقرية الحوايج بعد انسحابها منها 4/8/2020، كما واجهوا المتظاهرين بإطلاق النيران عليهم، ما أسفر عن إصابة 6 متظاهرين من قرية الحوايج، وفي المقابل أحرق المتظاهرون مدرسة الحوايج التي تتخذها “قسد” مقرًا لها.

على الصعيد المقابل، اكتفت الإدارة الذاتية في شمال سوريا التابعة لقوات “قسد” بإصدار بيان يوم 4/8/2020 نفت عن نفسها تهمة اغتيال شيوخ العشائر، واستنكرت استهداف مشايخ من عشيرة “العكيدات”، معتبرة أن “هذا العمل الإرهابي يستهدف أرواح السوريين لتحقيق أجندات بعينها”، كما نفى البيان أن تكون عشائر المنطقة قد طالبت “قسد” بالخروج من المنطقة لافتًا إلى وجود شباب من أبناء العشائر ضمن قواتها. وكذلك وجه مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) أصابع الاتهام لكل من “مجلس العشائر والقبائل السورية” المدعوم من تركيا والنظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”، بحسب بيان للرئيس المشترك للمجلس رياض درار في 8 أغسطس/آب الحالي.

وعلى صعيد متصل، أدان الجانب الأمريكي الاعتداء على شيوخ عشيرة “العكيدات” في دير الزور في بيان نشره على حساب السفارة الأمريكية بدمشق، وهي المرة الأولى التي تصدر فيها واشنطن مثل هذا البيان بالرغم من تكرار عمليات الاغتيال والقتل، وجاء فيه: “إن العنف ضد المدنيين غير مقبول ويعيق الأمل في حل سياسي دائم للصراع في سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، ونكرر دعمنا لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في سوريا، على النحو الذي دعا إليه الممثل الخاص للأمم المتحدة جير بيدرسن”.

وعلم “المرصد السوري” في 5/8/2020، باجتماع الجانب الأمريكي بعدد من شيوخ ووجهاء مناطق ذيبان والشحيل وشيخ عشيرة “العكيدات” في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، لمناقشة الأوضاع الخدمية، وبحث التطورات في المنطقة، حيث تعهد الجانب الأمريكي بمواصلة التحقيقات لكشف مرتكبي جريمة قتل شيوخ العشائر.

يُشار إلى أنه بالرغم من سيطرة “قسد” على مساحات واسعة من أرياف دير الزور، فإن الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية تتقاسم معها السيطرة في المحافظة، إذ تسيطر الميليشيات الإيرانية على المنطقة الممتدة من البوكمال وصولاً إلى الميادين، في حين تسيطر القوات الروسية وميليشيات موالية للنظام على مدينة دير الزور، بينما قوات النظام السوري تتواجد في مناطق الميليشيات الإيرانية والروسية وتأتمر بإمرتها، وتحاول كل تلك القوى اجتذاب العشائر لجانبها.

في الوقت ذاته، اجتمع ممثلون عن قوات النظام السوري مع وجهاء من عشيرة العكيدات المؤيدين له في 12/8/2020، في مطار القامشلي ضمن مناطق نفوذ النظام في ريف الحسكة، لخلق انتفاضة شعبية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وتسليح الشباب لتشكيل مجلس عسكري من القبائل لطرد قوات “قسد” من المنطقة. وكان شيخ “العكيدات” (الشيخ مصعب خليل الهفل) دعا إلى ملتقى قبائل زبيد، في بلدة ذيبان شرق دير الزور، حيث تناول الملتقى الوضع العام في دير الزور والانفلات الأمني المسيطر عليها، واختتم الملتقى ببيان لقبيلة “العكيدات”، اتهمت خلاله قوات سوريا الديمقراطية بالفشل في إدارة المنطقة عسكرياً ومدنياً واقتصادياً. وخرج المجتمعون بنقاط عدة أبرزها، تحميل “التحالف الدولي” مسؤولية الانفلات الأمني وعدم الاستقرار في دير الزور كونه هو المسئول عن سلطة الأمر الواقع.

في المقابل، أصدر وجهاء وشيوخ العشائر الموالية لـ”قسد” في الريف الجنوبي للحسكة بيانا أعلنوا خلاله دعمهم لقوات سوريا الديمقراطية، مؤكدين نبذ “الفتن” في المنطقة، وكذلك أصدر شيوخ ووجهاء عشائر محافظة الرقة، بيانًا أكدوا خلاله رفضهم القاطع لسياسة النظام السوري والقوات الإيرانية وأعلنوا فيه دعمهم الكامل لقبيلة “العكيدات”.

وتشير سلسلة الاغتيالات إلى رغبة في تفتيت بنية العشائر من الداخل باغتيال زعمائها واستبدالهم بزعماء جدد ليس لهم خبرة الزعماء القدامى، كما أن تلك الظاهرة هي سابقة حيث إنه لم يكن يجرؤ أحد على تهديد أو استهداف مشايخ ووجهاء العشائر على مدار تاريخهم الممتد في دير الزور، إضافة إلى وجود حالة تربص وصراع من قبل القوى الدولية والإقليمية في منطقة دير الزور للاستحواذ على الثروات النفطية وانتزاعها، من خلال محاولات استمالة العشائر بدير الزور، إلى جانب نجاح القوى المختلفة في استثمار التناقضات بين أبناء العشائر وانتماءاتهم المتباينة، إضافة إلى سعي عشائر دير الزور إلى استثمار تلك الأحداث للمشاركة في السلطة وحكم مناطقهم بأنفسهم والتصرف بثرواتهم ومحاولة إبعاد “قسد” عن المشهد السياسي هناك.