اقتراب الحلّ السياسي في سورية؟

31

شكّلت عاصفة الحزم ضد الحوثيين وإيران بداية المنعطف الإقليمي، حيث تدخلت السعودية مع حلفائها لتعيد التوازن الإقليمي الذي اختلّ كثيراً لصالح إيران وتركيا وإسرائيل. وقد سبّقت السعودية عاصفتها بلقاء مع الرئيس التركي، ومحاولة جَسْر الخلافات، وأبدت تركيا وقوفها إلى جانب السعودية حالما بدأت العاصفة.

مع العاصفة، دعمت تركيا جيش «الفتح» في إدلب لتحريرها، وتمّ الأمر خلال أيام معدودة، وحُسم الجدل بخصوص: هل ستفرض «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» إمارة عليها كما «داعش» في الرقة، لجهة الابتعاد عن ذلك وتسليم المدينة إلى مجموعات مدنية وبمتابعة من الفصائل التي دخلت المدينة، والتجهيز للذهاب نحو مدينة جسر الشغور، وبالتالي تهديد مدينة اللاذقية في شكل مباشر. عدم فرض الإمارة جاء بضغط تركي، وبموافقة أميركية مقابل ضمانات تركية بعدم تعرّض جبهة النصرة وأحرار الشام للضربات الجوية من التحالف الدولي.

في درعا، تقدّمت القوات المناهضة للنظام لحسم كثير من المعارك لصالحها، وهناك تسريبات تقول باحتمال انسحاب النظام منها نهائياً، وهذا جاء بدعم أردني واضح، وهذا غير ممكن من دون غطاء إقليمي ودولي. والآن، هناك تسريبات كثيرة تقول بإمكانية خروج حلب بدورها عن النظام. هذه المعطيات الجديدة كانت لتتحقق منذ عامين لو حسمت الدول الإقليمية أمرها ودعمت القوات المناهضة للنظام. وكذلك، لو استقلّت بقرارها عن الهيمنة الأميركية، التي رفضت دعم «الجيش الحر»، وكل تسليح جدّي له، بل ساهمت في إنهاء وجوده، وهذا ما أدى الى تعمْلق «داعش» وتوسّع «النصرة» و «أحرار الشام» و «جيش الإسلام».

قبل أيام قليلة، وصل قائد جيش الإسلام إلى تركيا. يسيطر زهران علوش على غوطة دمشق الشرقية، وله امتدادات قوية في ريف اللاذقية الخارج عن النظام وفي كثير من المدن السورية. هذا القائد عقد لقاءات كثيرة، وستجري القوى الإقليمية لقاءات أكيدة معه للتنسيق بخصوص العاصمة، وهذا يعني أن هناك جديداً ستنتهي إليه زيارته، وقد ترافقت مع عملية عسكرية يخوضها جيشه مع فصائل أخرى لاستعادة مناطق في حي جوبر، المشرف على مدينة دمشق من جهة الشرق.

التنسيق الذي توسّع بخصوص اليمن، بين السعودية ودول الخليج وتركيا والأردن، هناك احتمال كبير بأنه شمل درس الوضع في سورية، خصوصاً مع خطورة الاتفاق النووي على مستقبل كل هذه الدول مجتمعة وليس اليمن والعراق وسورية فقط، وبالتالي فعاصفة الحزم التي توقفت في اليمن حالياً، انتهت ببداية مرحلة الأمل السياسية والعودة إلى الحل السياسي، ولكنها ربما ستستأنف في سورية. يعزز ذلك ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أكثر من أسبوع: لو أن الدول العربية حسمت أمرها ضد النظام السوري فلن نقف ضدها، وهذا مؤشر جديد إلى احتمال حسم الأمور. الدول المجتمعة بأكملها ليست بصدد إسقاط النظام إن انتهج الحل السياسي، ولكنها أصبحت في مرحلة تستدعي الانتهاء من الدعم المحدود إلى مرحلة الدعم الواسع وإجبار النظام على التفاوض والحل السياسي.

إيران، التي دافعت عن النظام طويلاً، ستقرأ التقدّم في إدلب ودرعا وحلب، وكذلك روسيا. الصورة واضحة: أي دعم خفيف للقوات الخارجة عن النظام ستضعه في مأزق كبير، وستهدد العاصمة ذاتها وربما اللاذقية كما أشرنا، وبالتالي سيخسر النظام المعركة وستذهب إيران بكل مصالحها الحالية والمستقبلية في سورية. ما ينقذ إيران والمجموعات الرئيسة في النظام، هو التفاوض على البدء بمرحلة انتقالية تنهي الخيار الأمني العسكري ومن كان خلفه. إيران وروسيا ليستا غبيتين حتى تخسرا كل شيء، ومن هنا ربما دفعت روسيا بالممثل الدولي دي ميستورا الى العمل على جنيف 3 مجدداً، ووفق مقررات جنيف 1 و2.

المهم في هذه التطورات الانتهاء من فكرة تقسيم سورية، وإنهاء المشاريع الطائفية كذلك، ودفع الأوضاع نحو الحل السياسي الذي يسمح بترتيب الوضع الداخلي للسوريين. الدول الإقليمية ستدعم فقط انتقالاً سياسياً للسلطة، ولا تريد إسقاطها كاملة. فتجارب العراق وليبيا وسوى ذلك في غاية الكارثية على الصعيد الداخلي وعالمياً، كذلك فشكل الانتقال اليمني وتسليم نائب الرئيس أدّيا إلى تحالف الحوثيين وعلي عبدالله صالح وتهديد مصالح دول الخليج، وهو ما أدى إلى عملية عاصفة الحزم.

هذا سيعني أن سورية تتطلب حلاً يتجاوز الحل اليمني القديم، ونظاماً سياسياً يعيد تشكيل الدولة السورية، لا سيما مؤسستي الجيش والأمن في شكل خاص. ونضيف بكل الأحوال أن الوضع السوري لا يسمح مجدداً بحل كهذا، أي نقل السلطة إلى نائب الرئيس. فالأمر يتطلّب حلاً كاملاً للمشكلات كافة وتشكيل نظام سياسي جديد بإشراف أممي وإقليمي.

إذاًً، لم تعد تمانع أميركا في التدخل الواسع ضد النظام، وهناك دول عاصفة الحزم التي حزمت أمرها لاستعادة دورها الإقليمي، وسترفع من دعمها للقوات التي تقاتل النظام السوري. روسيا وإيران تراقبان ضعف النظام وتريدان حلاً. وعلى الأرض، هناك مدنٌ جديدةٌ خرجت عن سيطرة النظام، ومدنٌ يرجح خروجها، وبالتالي ربما اقترب الحل السياسي في سورية.

 

عمار ديوب

الحياة