الأزمة السورية في شهر: “موسكو” و”النظام” صاحبا “اليد العليا”.. و”التحالف” لاعب ثانوي.. وتركيا تواصل عملياتها رغم وقف إطلاق النار.. وإسرائيل تستهدف مقرات ومستودعات “الحرس الثوري” في “دمشق” وريفها.. والمدنيين “الحلقة الأضعف” في دائرة العنف

82

المرصد السوري لحقوق الإنسان،
نوفمبر/تشرين الثاني 2019

لم يعد يتبق سوى أشهر قليلة حتى تدخل الأزمة السورية عامها التاسع على التوالي دون حل يلوح في الأفق لإنقاذ ملايين السوريين من المدنيين الذين قتلوا وتشردوا داخليا وخارجيا على أيدي أطراف النزاع دون أدنى اهتمام بما آل إليه المجتمع السوري وما لتلك التطورات والأحداث من تداعيات على مستقبل النسيج الاجتماعي السوري بعد أن سقط آلاف قتلى بينما نزح وشُرد وهُجر الملايين من منازلهم إلى الداخل والخارج. وعلى الرغم من أن شهر نوفمبر/تشرين الثاني، شهد هدوءًا إلى حد ما في بعض المناطق السورية، فإنه شهد أيضا تصاعدا للأحداث وتطورات هائلة في مناطق أخرى، ففي الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الغارات الجوية الروسية إلى حد كبير على مناطق “خفض التصعيد”، شهدت منطقة شمال شرق سوريا تصاعدا حادا في الأحداث منذ بدء العملية العسكرية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في 9 أكتوبر/تشرين الأول، حيث إنه منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني، شهدت مناطق شمال شرق سوريا استمرارا في الأعمال القتالية على الرغم من وقف إطلاق النار “صوريا”، إذ واصلت القوات التركية والفصائل الموالية لها عملياتها العسكرية ومحاولة التقدم في مناطق عدة على حساب “قوات سوريا الديمقراطية”، بينما باتت روسيا والنظام صاحبا اليد العليا في سوريا، بعد أن بلغت نسبة سيطرة النظام وروسيا على ما يقرب من 71% من إجمالي الأراضي السورية، في وقت بات فيه التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” لاعبا ثانويا انزوى إلى الزاوية واكتفى بالإعلان عن استمرار عملياته ضد خلايا “الدولة الإسلامية” مع الانسحاب من أغلب قواعده في شمال شرق سوريا، وإنشاء قواعد جديدة بهدف “حماية النفط” وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
على مدار ذلك الشهر، منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني وحتى الثلاثين من الشهر نفسه، واصل المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد التطورات المختلفة على الساحة السورية في مختلف مناطق السيطرة، والتي تبدلت في معظمها التحالفات والتوازنات، في وقت يترقب فيه الكثيرون ما يمكن أن يحدث على مدار الساعة وما يمكن أن يغير دفة الصراع في سوريا بين لحظة وأخرى.
شمال شرق سوريا: وقف إطلاق النار “كذبة إعلامية”.. و”موسكو” صاحبة القرار “توزع مناطق النفوذ”.. وتغيير ديمغرافي برعاية “أنقرة”
على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار مرتين، الأولى وفقا للاتفاق الأمريكي-التركي والثانية وفقا للاتفاق الروسي-التركي، فإن ذلك التوقف لم يكن سوى “كذبة إعلامية” ليس لها أي صدى على أرض الواقع، وفقا لما رصدته مصادر موثوقة لـ”المرصد السوري”، حيث أكدت تلك المصادر أن العمليات العسكرية لم تتوقف يوما واحدا، بل إن القوات التركية والفصائل الموالية لها واصلت قصف المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة للتقدم والسيطرة على المزيد من المناطق.

وعلى الرغم من ادعاءات تركيا بشأن نيتها إنشاء “منطقة آمنة” في المناطق التي خضعت لسيطرتها، فإن مصادر “المرصد السوري” رصدت عمليات انتهاكات واسعة ضد من تبقى من السكان، حيث يتعرض المدنيون لاعتداءات وعمليات سلب ونهب واختطاف وابتزاز مقابل المال، فيما علم “المرصد السوري” أن تلك الانتهاكات تجري بأمر من الاستخبارات التركية، بهدف إجبار من تبقى من السكان على الرحيل من مناطقهم من أجل إحداث عملية تغيير ديمغرافي في المنطقة، وهو ما رصدت مصادر موثوقة انطلاقه بالفعل، حيث وثق “المرصد السوري” في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، توطين عوائل من إدلب جرى استقدامها من مناطقها إلى منازل المدنيين في “رأس العين”، من أجل إحداث عملية تغيير ديمغرافي في المنطقة. وقالت المصادر: “لا تزال الانتهاكات مستمرة، بداية من السلب والسطو والاختطاف، مرورا بتلفيق الاتهامات للمدنيين بالانتماء لمؤسسات الإدارة الذاتية وإلقاء القبض عليهم، وحتى طلب مبالغ مالية ضخمة من أجل إخلاء سبيلهم”. وبحسب ما رصدت مصادر “المرصد السوري”، فإنه لا تزال هناك خلافات بين من يتم توطينهم في المدينة، سواء بالترغيب أو الترهيب أو الإرغام بحسب ما كشفت مصادر موثوقة، حيث “هناك خلافات بين من تم توطينهم والفصائل الموالية لتركيا وصلت إلى درجة توجيه السباب والشتائم فيما بينهم، وقد اندفعت بعض الفصائل المسلحة إلى إلقاء القبض على عدد من المستوطنين الوافدين إلى المنطقة، واتهامهم بعدة تهم من بينها بث الفتنة وتشويه صورة الجيش الوطني، وغيرها من الاتهامات”.
ووفقا لما رصده “المرصد السوري”، فإن الفترة من نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى 26 نوفمبر، شهدت انفجار 13 مفخخة ضربت ريفي الرقة والحسكة بالقرب من الحدود السورية–التركية، وانحصرت التفجيرات في مناطق محدودة هي مدينة تل أبيض وبلدة سلوك وقرية حمام التركمان بريف الرقة الشمالي، وبلدة تل حلف بريف رأس العين (سري كانييه) الغربي شمال الحسكة.
ومع التطورات المتلاحقة في شمال شرق سوريا، باتت روسيا هي صاحبة اليد العليا في توزيع مناطق النفوذ والسيطرة وفقا للاتفاقات التي أبرمتها مع قوات سوريا الديمقراطية و”النظام” وتركيا، حيث أعادت بهذا الشكل نسبة 71.7% من إجمالي الأراضي السورية إلى سيطرة “النظام” وفقا لتدخلاتها العسكرية والسياسية من أجل دعم رأس النظام بشار الأسد. وعلم المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، أن تعزيزات روسية تتألف من نحو 15 عربة عسكرية روسية تمركزت في مطار القامشلي بريف الحسكة. وأفادت مصادر لـ”المرصد السوري” بأن العربات تحمل جنود قادمين من محافظة حلب، حيث جاء ذلك تأكيدا لما نشره “المرصد السوري”، في 3 نوفمبر بشأن نية النظام السوري تأجير مطار “القامشلي” للقوات الروسية لمدة 49 عاما لاتخاذه مقرا للقوات الروسية على غرار ما حدث في قاعدة “حميميم”، رصد “المرصد السوري” بدء القوات الروسية في نقل عددٍ من المروحيات من قاعدة “حميميم” إلى مطار القامشلي الواقع في شمال شرقي سوريا على الحدود مع تركيا، ضمن إجراءات روسيا لتأمين عمل الشرطة العسكرية التي تقوم بدوريات بشمالي سوريا في إطار الاتفاق الروسي–التركي.
حتى السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” يسيطر على نحو ثلث مساحة الأراضي السورية بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، دفع بسلسلة من التغيرات، أفضت إلى تحول “التحالف الدولي” إلى لاعب ثانوي يكتفي بـ”حماية المنشآت النفطية” في دير الزور والاستمرار في عمليات مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث علم المرصد السوري لحقوق الإنسان في 14 نوفمبر، من مصادر موثوقة، أن قوات التحالف الدولي انسحبت بشكل كامل من قاعدة مطار “صرين” بالقرب من عين العرب (كوباني)، وهي القاعدة التي انطلق منها فريق عملية استهداف زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” أبوبكر البغدادي. وفي 21 نوفمبر، أكدت القوات الروسية ما كشف عنه “المرصد السوري” في 15 نوفمبر، من أنها سيطرت على قاعدة مطار “صرين” بريف مدينة عين العرب (كوباني)، عقب انسحاب القوات الأمريكية من القاعدة. ووفقاً لمعلومات “المرصد السوري”، فإن 4 مروحيات روسية حطت في مطار “صرين” وانتشر عناصر الشرطة العسكرية الروسية في المطار. وبذلك، تكون القوات الروسية قد انتشرت في 5 قواعد سابقة للقوات الأمريكية بعد انسحاب الأخيرة منها، وهي قاعدتا عون الدادات والعسلية في منطقة منبج، وقاعدتا مشتى النور وصرين بريف عين العرب (كوباني)، بالإضافة لقاعدة مطار عين عيسى بريف الرقة الشمالي.
وفي الوقت الذي تفرض فيه “موسكو” سيطرتها على معظم الأراضي السورية، تراجع نفوذ التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى حد كبير، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان انسحابه من عدة قواعد مهمة على رأسها قاعدة مطار “صرين” الذي انطلق منه فريق عملية استهداف زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، فيما انتشرت القوات الروسية في 5 قواعد سابقة لـ”التحالف الدولي”، في وقت لجأت فيه الولايات المتحدة والتحالف الدولي إلى إنشاء 3 قواعد جديدة وتركيز قواتها في منطقة دير الزور من أجل “حماية النفط” وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع استمرار تنفيذ عمليات مشتركة لمكافحة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان –على وقع الفلتان الأمني ضمن مناطق نفوذ “قسد” في دير الزور، مقتل 15 شخصا، هم: 9 مدنيين و6 من عناصر “قسد”.

كما رصد “المرصد السوري” حوادث متعددة، في ظل تصاعد نشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور، منها: هجوم مسلحين على منزل أحد المواطنين في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، بعد عدة أيام من إيقاف المواطن وابتزازه لدفع مبلغ 10000 دولار أمريكي كـ”زكاة” على حد وصفهم، إلا أنه رفض دفع المبلغ المذكور. وفي 6 نوفمبر، علم “المرصد السوري” أن مجهولين أقدموا على إلقاء عبوة ناسفة منزوعة الصاعق على منزل طبيب في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، فيما عثر على ورقة مكتوب عليها رقم هاتف وطالبوه بمبلغ 10 ألاف دولار، وتنتشر حالات الابتزاز بهدف الحصول على أموال في ظل انتشار خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي 3 نوفمبر، رصد “المرصد السوري” قيام مجموعة من أهالي بلدة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، بنصب كمين لأشخاص يعملون على ابتزاز أهالي المنطقة بهدف الحصول على أموال بذريعة أنها “زكاة”، تحت وطأة التهديد بالقتل في حال عدم دفع المبالغ المالية. وأفادت مصادر لـ“المرصد السوري”، بأن الأهالي أفرجوا لاحقاً عنهم خوفاً من بطش عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة.

 

شمال غرب سوريا: “تصعيد” في مناطق “خفض التصعيد”.. وأزمة كهرباء ووقود وتمرد على “تحرير الشام” في كفرتخاريم

على الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته مناطق “خفض التصعيد” في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، فإن شهر نوفمبر جاء ليحمل معه تصعيدا هائلا بمئات الغارات الجوية وآلاف الضربات البرية، حيث وثق “المرصد السوري” منذ الثاني من نوفمبر وحتى الثلاثين من الشهر نفسه، حوالي 1329 ضربة جوية نفذتها الطائرات الحربية الروسية والسورية والمروحيات السورية، إضافة إلى 8110 ضربة برية بالقذائف المدفعية والصواريخ التي أطلقتها قوات النظام، ما أسفر عن استشهاد ومقتل العشرات وإصابة مئات آخرين. وعلى مدار شهر نوفمبر، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 6 مجازر نفذتها القوات الروسية في إدلب وغرب حلب، فيما نفذت قوات النظام مجزرة بقصف بري على مخيم شمال إدلب، بالإضافة إلى مجزرة أخرى نفذتها الفصائل بقصفها أحياء بمدينة حلب. ويأتي تصاعد الأعمال العسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني، للمرة الأولى منذ اتفاق “بوتين-أردوغان” الجديد في نهاية أغسطس/آب الماضي، حيث بلغت حصيلة الخسائر البشرية في شهري سبتمبر وأكتوبر مجتمعة 45 شهيد مدني، أي ما يعادل أقل من نصف حصيلة الشهداء منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني وحتى نهايته.
ووفقا لإحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن شهر نوفمبر/تشرين الثاني شهد استشهاد 117 مدنيا في حلب وحماة واللاذقية وإدلب، بينهم 40 طفل و23 مواطنة، والشهداء هم: 69 مدنيا بينهم 23 طفل و12 مواطنة استشهدوا في قصف جوي روسي، و27 بينهم 11 أطفال و9 مواطنات جراء قصف بري من قبل قوات النظام، و8 بينهم مواطنة وطفلين جراء غارات جوية نفذتها طائرات النظام الحربية، و10 بينهم مواطنة و4 أطفال جراء قصف الفصائل على مناطق سيطرة قوات النظام بمدينة حلب وريف حماة، و3 مدنيين جراء براميل متفجرة ألقتها مروحيات النظام، كما خلف القصف الجوي والبري مئات المصابين والجرحى، بعضهم في حالات خطرة وبعضهم أصيبوا بإعاهات دائم.
وفي مناطق سيطرة الفصائل وهيئة تحرير الشمال، لا يزال الفلتان الأمني مستمرا إلى حد كبير، حيث تشهد مناطق إدلب استهداف مجهولين عناصر بالفصائل ومواطنين ومباني تابعة لـ”الفصائل” بالقنابل اليدوية، ما تسبب في مقتل واستشهاد وإصابة العشرات. وشهدت مدينة “كفرتخاريم” تطورات كبيرة خلال شهر نوفمبر، حيث رصد “المرصد السوري” احتجاجات واسعة، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، في المدينة تطورت إلى طرد عناصر هيئة تحرير الشام، حتى باتت خالية من أي تواجد لـ”الهيئة”، عقب نقض الهيئة العامة للزكاة الاتفاق مع أهالي كفرتخاريم، والذي يلزمها بتوزيع زكاة الزيتون ضمن مدينة كفرتخاريم فقط. وفي سياق ذلك، استنفرت هيئة تحرير الشام وقواها الأمنية في عدة أماكن في إدلب المحيطة بكفرتخاريم، بغرض الضغط على أهالي كفرتخاريم وإخضاعهم لقرارات الهيئة العامة للزكاة وعودة عناصر المخفر إلى عملهم. ورصد “المرصد السوري”، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، مظاهرات في مناطق متفرقة من محافظة إدلب ضد هيئة تحرير الشام وما يعرف بـ”حكومة الإنقاذ”، حيث خرج أهالي كفركيلا ومعرة مصرين وسراقب وتفتناز وبنش وحربنوش ومعرة النعمان ومدينة إدلب ومناطق أخرى بالمحافظة، وهتف المتظاهرون ضد “هيئة تحرير الشام” وزعيمها “أبومحمد الجولاني” وما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ” الموالية لـ”الهيئة”.
ولا تتوقف حالة الاستياء التي تشهدها محافظة إدلب عند حد “كفرتخاريم”، بل إن قرارا أصدرته وزارة الاقتصاد فيما يعرف بـ”حكومة الإنقاذ” أثار موجة استياء واسعة، حيث يقضي القرار بخفض وزن كيس الخبز من 800 غرام إلى 760 غراما بعدد 9 أرغفة بسعر ثابت 200 ليرة سورية، بداية من نوفمبر/تشرين الثاني. وفي 3 نوفمبر الماضي، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تظاهر عشرات المواطنين في مدينة إدلب، رفضاً للقرارات التي أصدرتها “حكومة الإنقاذ” الموالية لـ”تحرير الشام”، والتي تقضي بتخفيض عدد ساعات الاشتراك بخدمة الكهرباء، حيث هتف المتظاهرون ضد “حكومة الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام”، بعد أن أصدرت قراراً يقضي بتخفيض عدد ساعات الاشتراك بخدمة الكهرباء في محافظة إدلب، حيث خفضت عدد ساعات الاشتراك إلى 3 ساعات، وبسعر 3500 ليرة سورية للأمبير الواحد.
وشهدت أسعار المحروقات خلال شهر نوفمبر ارتفاعا غير مسبوق، حيث وصل سعر لتر المازوت المستورد الواحد لـ800 ليرة سورية لأول مرة. ونتيجة لذلك، تضرر توليد الطاقة الكهربائية في عدة مناطق في ريف إدلب الشمالي، إضافة لمناطق أخرى في ريف حلب الغربي، حيث أعلن عدد من مالكي المولدات التي تعمل على توليد الطاقة الكهربائية للمدنيين باستخدام مادة المازوت، عن توقف المولدات في كامل مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي. وفي بلدات كفرتخاريم وأرمناز وسلقين وحارم، المكتظة بالنازحين وعدة قرى أيضاً في ريف إدلب الشمالي، تعاني تلك المناطق من أزمة خانقة نتيجة ارتفاع سعر مادة المازوت، ما أدى إلى وصول سعر الأمبير الواحد لأكثر من 3500 ليرة سورية، بينما يتم تشغيل الكهرباء يومياً فقط لمدة ساعتين، فضلاً عن انقطاعها المتكرر أثناء هذه الساعتين والأعطال الدائمة.

 

دمشق وريفها.. فوضى وفلتانا أمنيا وغضب شعبي.. وسيطرة “صورية” لـ”النظام” في ظل استمرار التعامل بـ”القبضة الأمنية”

على الرغم من السيطرة التي تفرضها قوات النظام على نحو 71% من الأراضي السورية، فإن تلك السيطرة لا تعدو عن كونها سيطرة صورية، حيث تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام فوضى وفلتانا أمنيا متواصلا واستمرارا للتعامل بالعقلية الأمنية والتعذيب، حيث أكدت مصادر موثوقة لـ”المرصد السوري”، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “عنصرا من قوات النظام لقى مصرعه وأُصيب ثلاثة آخرون بجراح، جراء استهداف أحد الحواجز التابعة للأمن السياسي في بلدة كفربطنا بالغوطة الشرقية في ريف دمشق بعبوة ناسفة زرعها مجهولين”. وفي 12 نوفمبر، علم “المرصد السوري” أن فرع “أمن الدولة” المعروف باسم “فرع الخطيب 215” التابع لقوات النظام، نشر نحو 20 حاجز أمني في أحياء مدينة دوما بريف دمشق. ووفقا لمعلومات “المرصد السوري”، تقوم جميع الحواجز بإيقاف المارة والتشديد على حركة المدنيين وإجراء “فيش أمني” للنساء والرجال، فيما أكدت مصادر موثوقة أن جهاز “أمن الدولة” المسؤول الأمني عن مدينة دوما منع عشرات الشبان ممن أجروا “مصالحات وتسويات” من الخروج من المدينة إلى مناطق الغوطة الشرقية والعاصمة دمشق، بحجة أن التسويات التي أجروها إبان خروج “جيش الإسلام” من المدينة كانت بغرض الإحصاء وأن “أمن الدولة” بصدد إجراء تسوية جديدة لأبناء المدينة.
وفي اليوم ذاته، 12 نوفمبر، علم “المرصد السوري” أن دوريات لـ”الشرطة العسكرية” مزودة بأجهزة تنصت على الاتصالات دخلت مدينتي كفربطنا وسقبا بالغوطة الشرقية وتجولت ضمن أحيائها لعدة ساعات متواصلة وغادرت نحو العاصمة، عقب استهداف أحد الحواجز التابعة للأمن السياسي في بلدة كفربطنا بالغوطة الشرقية في ريف دمشق بعبوة ناسفة. وداهمت مخابرات النظام، في 13 نوفمبر، بلدة الصبورة في ريف دمشق الغربي، واعتقلت عدة أشخاص، فيما نفذت عملية مداهمة أخرى في مدينة “الرحيبة” بالقلمون الشرقي بريف العاصمة “دمشق”، في 14 نوفمبر، حيث اعتقلت 7 شُبان بعد مداهمة منازلهم قرب المسجد الكبير في مدينة الرحيبة، وجرى اقتيادهم لجهة مجهولة. كما نفذت استخبارات النظام مداهمات أخرى في 15 نوفمبر في بلدة “حزة” ومدينة “زملكا” في الغوطة الشرقية، حيث اعتقلت 6 أشخاص من “حزة” و8 أشخاص من “زملكا”، رغم أنهم سبق أن أجروا “تسويات” إبان خروج فصائل المعارضة من المنطقة، لكن تسوياتهم قوبلت بالرفض. وفي 25 نوفمبر، علم “المرصد السوري” أن استخبارات النظام داهمت مدينة “ضمير” شرق العاصمة “دمشق”، وشنت حملة اعتقالات طالت منتسبين سابقين لفصائل المعارضة، فيما أقدم حاجزا لـ”الشرطة العسكرية” في محيط مدينة “حرستا”، في 26 نوفمبر، على اعتقال نحو 100 شاب من مختلف مناطق الغوطة الشرقية.
وإلى جانب الفوضى الداخلية التي تشهدها مناطق سيطرة النظام، دخلت إسرائيل من جديد على خط الأزمة السورية، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، ضربات إسرائيلية على دمشق وريفها، أسفرت عن مقتل 23 شخصا من بينهم شهيدين مدنيين و16 غالبيتهم من الإيرانيين بإلاضافة لـ5 عناصر من قوات النظام وقوات الدفاع الجوي بينهم ضابطان قضوا نتيجة استهداف بطاريات الدفاع الجوي من قبل الطائرات الإسرائيلية في مطار المزة العسكري، حيث استهدفت إسرائيل مستودعات ومقرات لـ”فيلق القدس” و”الحرس الثوري الإيراني” في جنوب العاصمة “دمشق” بمحيط مطار دمشق الدولي وجنوب غرب العاصمة وفي محيط ضاحية قدسيا التي أُصيبت بها امرأة بجراح نتيجة سقوط شظايا صاروخ دمرته الدفاعات الجوية التابعة للنظام. وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإنه “على عكس المرات السابقة الصواريخ الإسرائيلية وصلت غالبيتها لأهدافها المحددة”.

 

الدولار يتجاوز 800 ليرة سورية.. واستياء شعبي واسع تجاه سياسات النظام

وفي ظل الفوضى والانهيار الأمني الذي تشهده مناطق سيطرة النظام، شهدت تلك المناطق أزمة اقتصادية في ظل انهيار الليرة السورية، حيث حاول رأس النظام حفظ ماء وجهه بإصدار مرسوم تشريعي يقضي بزيادة الرواتب لجميع العاملين في الدولة “القطاع العام”، في وقت بدأت تلوح أزمة الغاز المنزلي والمحروقات والكهرباء وأزمات أخرى لن يستطيع النظام السوري إخفائها. وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإن 150 ألف ليرة سورية هو متوسط مصروف العائلة المتوسطة، حيث إن المصاريف تضاعفت إلى 10 أضعاف ما كانت قبل عام 2011، حين كان الدولار يساوي أقل من 50 ليرة سورية. وبحسب ما رصد “المرصد السوري”، شهدت مناطق نفوذ النظام ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية تزامنا مع انهيار الليرة السورية، حيث تجاوزت حاجز الـ800 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد. وأفادت مصادر، لـ”المرصد السوري”، بأن موظفي وزارة التموين يجرون دوريات يومية في الأسواق لمراقبة الأسعار في جميع المحافظات الخاضعة لسلطة النظام السوري، في حين سادت حالة من التمرد على القوانين في محافظات دمشق واللاذقية ودرعا. وأكدت مصادر أن العديد من المحال التجارية أغلقت نتيجة الارتفاعات المتلاحقة بأسعار الصرف، حفاظاً على محتوياتها.

 

الجنوب السوري.. اغتيالات وهجمات وعبوات ناسفة وألغام.. 81 محاولة في 30 يوما

وفي درعا، ونتيجة للفلتان الأمني الذي تشهده المحافظة، على مدار شهر نوفمبر/تشرين الثاني، رصد “المرصد السوري” عدة هجمات ومحاولات اغتيال بأشكال وأساليب عدة عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار، وصل عددها إلى 81 محاولة، نتيجة الفلتان الأمني السائد في أغلب مناطق السيطرة المختلفة، حيث أسفرت تلك المحاولات عن مقتل واستشهاد 26، هم: 7 مدنيين بينهم مواطنة وطفل، إضافة إلى 8 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و6 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية من بينهم قادة سابقين، و4 من المليشيات السورية التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 1 مما يُعرف بـ”الفيلق الخامس” الذي أنشأته روسيا.
وفيما يتعلق بالحصيلة الكاملة لضحايا الحرب السورية خلال شهر نوفمبر، فقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، استشهاد ومقتل 805 أشخاص، من بينهم 277 مدنيا (44 طفل و29 مواطنة)، حيث بلغت نسبة الضحايا المدنيين من إجمالي الضحايا نحو 29.3%. ووفقا لإحصاءات “المرصد السوري”، توزع ضحايا نوفمبر/تشرين الثاني، على النحو التالي: 79 مواطنا بينهم 27 طفل و17 مواطنة استشهدوا في قصف للطائرات الحربية الروسية، و21 مواطناً بينهم 3 مواطنات و4 أطفال استشهدوا في قصف وبرصاص قوات النظام، و13 مواطنا بينهم مواطنة وطفلان اثنان استشهدوا جراء قصف الطائرات الحربية، و16 مواطنا استشهدوا تحت التعذيب في سجون قوات النظام، ومواطن استشهد برصاص قوات سوريا الديمقراطية، و7 مواطنين بينهم طفل جراء قصف الفصائل، و3 أشخاص أعدمتهم هيئة تحرير الشام، ورجل وزوجته قتلتهم الطائرات الاسرائيلية، و3 مواطنات قضوا على يد القوات الروسية، و19 مواطناً بينهم 8 أطفال ومواطنة قضوا بانفجار ألغام وعبوات ناسفة، ومواطن قضى في قصف لطائرات التحالف الدولي، و13 مواطنا بينهم طفل قضوا باغتيالات متفرقة في الأراضي السورية، و37 مواطنا بينهم طفل ومواطنة استشهدوا في انفجار مفخخات، و10 مواطنين بينهم مواطنتان اثنتان استشهدوا في ظروف مجهولة، ومواطنان اثنان قضيا جراء عملية “نبع السلام” العسكرية التركية.
وعن الضحايا من المقاتلين، رصد “المرصد السوري” مقتل 241 مقاتلا سوريا من الفصائل الإسلامية والفصائل المقاتلة وحركات وتنظيمات أخرى، إضافة إلى مقتل 71 من قوات سوريا الديمقراطية و137 من قوات النظام، ومقتل 38 من عناصر اللجان الشعبية وقوات الدفاع الوطني والمسلحين الموالين لـ”النظام” من الجنسية السورية، و16 من المقاتلين موالين لـ”النظام” من جنسيات غير سورية غالبيتهم من الطائفة الشيعية. وكذلك، رصد “المرصد السوري” مقتل 66 من مقاتلي الفصائل الإسلامية المقاتلة وتنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، وجيش المهاجرين والأنصار والحزب الإسلامي التركستاني من جنسيات غير سورية، إضافة إلى 9 لا يزالون مجهولي الهوية حتى اللحظة.
وفي الوقت نفسه، أحصى “المرصد السوري” سقوط 25 شهيدا من بينهم مواطنة و10 أطفال، نتيجة انفجار مخلفات الحرب التي لا تجد اهتماما من قبل المنظمات المعنية، والتي لا تزال تهدد حياة الآلاف من السوريين، خاصة مع دخول فصل الشتاء وبحث البعض عن مادة الكمأة المستخدمة في التدفئة.

8 أعوام و9 أشهر مرت على انطلاق الثورة السورية التي تحولت إلى كارثة إنسانية أفضت إلى مقتل الآلاف ونزوح وتشريد الملايين داخليا وخارجيا، ومع استمرار آلة القتل في حصد آرواح السوريين في مختلف مناطق السيطرة، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مناشداته إلى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لاتخاذ قرار حاسم لإنهاء الأزمة السورية ووقف سفك الدماء على أيدي مختلف الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، فعلى الرغم كل محاولات التوصل لحلول وعمليات التهجير والتلاعب بمستقبل السوريين وقرارات مجلس الأمن والهدن، ورغم انخفاض كثافة عمليات القتل بسبب الرغبة الدولية في البحث عن حل، إلا أن نزيف الدماء لا يزال مستمراً على الأراضي السورية، ولا يزال القتل والاقتتال مستمراً دونما سلام، ولم تكن هدن وقف إطلاق النار إلا استراحة محارب بين الأطراف المتصارعة على الجغرافيا السورية، فكانت بعض الأطراف رابحةً وبعضها الآخر خاسراً للنفوذ والسيطرة، لذا فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يدعو الأطراف الدولية مجدداً للعمل الجاد والمستمر بأقصى طاقاتها، من أجل وقف نزيف دم أبناء الشعب السوري.
كذلك، يناشد “المرصد السوري” أطراف النزاع إلى إبعاد المدنيين عن صراعهم الدائر على النفوذ والسلطة في مختلف المناطق السورية، لا سيما في ظل الظروف الإنسانية الكارثية التي يعيشها الشعب السوري، الذي بات مشردا في مخيمات لا تحظى بأدنى مقومات الحياة والظروف الإنسانية، خصوصا مع دخول فصل الشتاء ونقص مواد التدفئة والكهرباء وأزمة الوقود والخبز والمساعدات الإنسانية. كما يدعو المرصد السوري لحقوق الإنسان المنظمات الدولية المعنية بالتدخل للتوعية بمخاطر مخلفات الحرب التي لم تنفجر بعد، والعمل على إزالتها وإبعادها عن المدنيين الذين يتساقطون نتيجة انفجارها بسبب قلة الوعي بمخاطرها. ويناشد “المرصد السوري” كذلك المنظمات الإغاثية المعنية بإغاثة وعون اللاجئين والنازحين، إلى التدخل والنظر في حالة آلاف النازحين والمشردين السوريين الذين يفترشون العراء دون أن يجدوا قوت يومهم، بعد أن تركوا منازلهم وممتلكاتهم هربا من القصف والقتل والدمار الذي يلاحقهم في كل مكان. ويؤكد “المرصد السوري” أن الصمت الدولي تجاه ما يجري في سوريا، إنما يدل على عجز منظومة ونظام العالم عن إدارة الكوارث الإنسانية والأزمات والحروب التي تعصف بالمدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حروب على السلطة والنفوذ، يُستخدم فيها المدنيين كوقود لآتون الحرب المشتعل الذي لا ينطفئ أبدا.
ويجدد “المرصد السوري” تعهده بالالتزام في الاستمرار برصد وتوثيق المجازر والانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بحق أبناء الشعب السوري، بالإضافة إلى نشر الإحصائيات عنها وعن الخسائر البشرية للعمل من أجل وقف استمرار ارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات والفظائع بحق أبناء الشعب السوري، وإحالة مرتكبيها إلى المحاكم الدولة الخاصة، كي لا يفلتوا من عقابهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعب كان ولا يزال يحلم بالوصول إلى دولة الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة لكافة مكونات الشعب السوري.