الأسد… اقتراب لحظة المساءلة والحساب!

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

22

عندما تصبحُ أوضاع سوريا، القطر العربي السوري، هذه الأوضاع، التي لا تسرُّ الصديق ولا تغيظُ العدا، فإنّ أغلب الظن أنّ «لَمْلمتها» جغرافياً وسياسياً وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل أنْ يعصف بها الربيع العربي الذي ثبت أنه خريفٌ عاصفٌ، غير ممكنة في المدى المنظور، اللهم إلا إذا طرأ ما لم يكنْ في الحسبان وضربها انقلابٌ عسكري على حين غرّة، إذ إن المعروف أنها أمُّ الانقلابات العسكرية، وآخرها انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 الذي بعد 30 عاماً أورثها إلى ابنه بشار الذي لم يحافظ عليها وباتت ممزّقة تتناهشها كل الدول الطامعة والمقتدرة في الكرة الأرضية.
كانت سوريا قبل أنْ تصل إلى هذا الذي وصلت إليه قد مرّت بمنعطفاتٍ تاريخية بدأت بانقلاب حسني الزعيم في عام 1949 الذي كان أولَّ حلقة في سلسلة الانقلابات العسكرية التي تلاحقت على مدى أكثر من 20 عاماً وحتى وصل «الدور» إلى حافظ الأسد الذي كان أقلَّ رتبة في مجموعة الضباط (العلويين) الذين كانوا، وعلى رأسهم محمد عمران الذي تم اغتياله لاحقاً في طرابلس اللبنانية، قد شكّلوا لجنة عسكرية (سرية) عندما كانوا في القاهرة خلال الوحدة السورية – المصرية (الجمهورية العربية المتحدة) ضمّت بالإضافة إلى عمران والأسد كلاً من صلاح جديد وعبد الكريم الجندي وأحمد المير، وهؤلاء هم الذين بقوا يتصارعون على الحكم في هذا البلد العربي المحوري إلى أن انتهت الأمور إلى انقلاب عام 1970 الذي كرّس الحكم في عائلة الأسد (الأب وابنه) على مدى كل هذه السنوات الطويلة.
كان حزب البعث بعد انفراط تلك الوحدة المصرية – السورية في عام 1961 قد قام بما سمّاه «ثورة» 8 مارس (آذار) عام 1963. وحقيقة أنّ الثلاثة الذين سيطروا على الحكم وبقوا يتصارعون فيما بينهم هم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، وحقيقة أنّ ما غيّر الاتجاهات في هذا البلد أيضاً وفي بعض دول هذه المنطقة هو أنّ الذين وصفوا أنفسهم بأنهم «يساريو» حزب البعث قد قاموا في 23 فبراير (شباط) عام 1966 بالانقلاب على «رفاقهم» في القيادة القومية، وعلى رأسها ميشيل عفلق ومنيف الرزاز وأيضاً أمين الحافظ، لكن الجمر بقي «يُعسْعسُ» تحت الرماد حتى عام 1970.
في هذا العام، عام 1970 قام حافظ الأسد، الذي أصبح مع مجموعته التي تضمُّ عدداً من العسكريين الذين من بينهم الجنرال مصطفى طلاس وبعض المدنيين الذين في مقدمتهم عبد الحليم خدام، بانقلابه العسكري الذي وضع الحكم في هذا البلد العربي الرئيسي في يده ولمدة 30 عاماً وبعده جاء دور ابنه الرئيس الحالي بشار الأسد منذ ذلك الحين وحتى الآن، وقد حاول عمه رفعت الأسد انتزاع الحكمِ والسلطة من يدِ ابن أخيه لكن «المعادلة» وبخاصة لكبار الضباط «العلويين» قد حالت دون ذلك وأصبح بالنتيجة لاجئاً سياسياً متنقلاً بين كثير من العواصم الأوروبية من بينها باريس ولندن منذ ذلك الحين حتى الآن.

ما كان بإمكان بشار الأسد أنْ يصبح رئيساً لهذا البلد الذي تناوب على حكمه كثيرون قبل حزب البعث وبعد ذلك لو لم تختطفِ الأقدار شقيقه الأكبر باسل الذي كان قد توفي في حادث سيارة سباق، دارت حوله الشبهات ولا تزال منذ ذلك الحين حتى الآن… لكن الماضي بقي ماضياً وبات هذا الرئيس الحالي يهيئ ابنه «حافظ» ليخلفه ويحلَّ محلّه وليبقى حكم هذا البلد الذي ابتلي بويلاتٍ كثيرة في هذه العائلة وعلى غرار ما كانت عليه الأوضاع في كثير من الدول الأوروبية.
لكن مشكلة بشار الأسد وعائلته والبعض يقول وجزءاً من الطائفة «العلويّة» هي أنّ عواصف «الربيع العربي»، الذي اتّضح أنه لم يكنْ ربيعاً بل خريفاً مدمراّ، قد زعزعت المعادلات في هذه المنطقة وفي كثير من الدول العربية، ومن بينها سوريا «القطر العربي السوري»، حيث أصبحت سيطرة هذا النظام تقتصر فعلياً على بعض الأحياء الدمشقية وبمساندة من الروس والإيرانيين الذين باتوا يتحكّمون في القرارات والمواقف السورية كلها، وذلك مع أنّ شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» لا يزال يرفع فوق بعض المؤسسات الحكومية وفوق المباني الحزبية.
وهكذا؛ وللأسف فإنّ سيطرة الإسرائيليين على هضبة الجولان السورية قد ازدادت، إلى حدّ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد بقي يردّد أن هذه «الهضبة» جزءٌ من إسرائيل وأنها ستبقى إسرائيلية إلى الأبد، هذا في حين أنّ تركيا رجب طيب إردوغان قد تعاظم تمدُّدها في الأراضي السورية والمناطق السورية الشرقية باتت موزّعة بين كثير من التنظيمات الإرهابية، ولم تعد هناك سيطرة لنظام بشار الأسد على نهر الفرات الذي يعتبر شريان الحياة في هذه الدولة العربية التي باتت السيطرة على جزءٍ كبيرٍ منها لبعض الدول الطامعة ولتنظيماتٍ وافدة وخارجية.
لقد كان على الرئيس السوري ألا يبقى، بعد إطلالة ما يسمّى «الربيع العربي»، متمسكاً بإرثِ والده السياسي، وأنْ يتخلّى عملياً وفعلياً عن شعار «إلى الأبد يا أسد»، وأنْ يستجيب، إنْ لم يكن لكلّ مطالب المعارضة السورية، التي هي مطالب الشعب السوري كلّه، فلبعضها، لكن ما حصل هو أنّه قد تم إطلاق مغاوير «الفرقة الرابعة» ليحوّلوا دمشق بمعظمها إلى مدينة مدمرة ومنهوبة وليفعلوا في الشعب السوري ما لم يفعله الإسرائيليون في هضبة الجولان، ولعلَّ ما يؤكد هذا كله وأكثر منه هو أنّ «الوثائق» التي جرى تسريبها إلى الخارج وباتت متداولة لدى جهات معينة كثيرة بدأت تتحدث عن أنه لا بدَّ من إخضاع هذا النظام لمحاكمات دولية.
وعليه، فإنّ رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة والمحاسبة، ستيفين راب، قد قال مما قاله في هذا المجال إنّ الأدلة التي في هذه اللجنة بالنسبة لمسؤولية بشار الأسد عن جرائم الحرب أكثر مما كان قد توفّر في محاكمة المدّعين العامين للقادة النازيين وللزعيم اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش، وهنا رغم الحماية التي توفرها روسيا للرئيس السوري فإنّ الواضح أنّ الدول والجهات المعنية بهذا الأمر ذاهبة بهذا الشوطِ حتى النهاية وأنّ التهم الموجهة لرئيس نظام دمشق قد وصلت إلى مئات الألوف، وهكذا فإنه ليس بإمكان الروس أنْ يبقوا يضعون أنفسهم كدرعٍ لحماية مسؤولٍ ارتكب بالأدلة القاطعة كل هذه الجرائم التي ارتكبت ضدَّ هذا الذي بات معظمه خارج بلده… والمقصود هنا هو الأكثرية المعروفة.
وعليه، فإنّ مسؤولية هذه الجرائم التي ارتكبت ضدَّ الشعب السوري وضدَّ بعض الدول العربية وغير العربية، القريبة والبعيدة، تقع على عاتق كبار المسؤولين الروس الذين بقوا يشكّلون درعاً واقية لهذا النظام الذي أجرم بحقِّ ما يعتبر شعبه وبحقِّ دولٍ مجاورة وبعيدة، وهنا فإنه إذا كانت المرحلة الشيوعية مرحلة جرائم ضدَّ الروس كشعبٍ وضدَّ دولٍ كثيرة، في أوروبا الشرقية وفي أفغانستان وغيرها، فإنّ موسكو بعد انعتاقها من ذلك النظام الاستبدادي فإنها تتحمّل مسؤولية ما يفعله جلاوزتها وأتباعها، ضدَّ شعوبهم وضدَّ شعوبٍ أخرى، وعلى رأس هؤلاء هذا الذي استكمل نظاماً دموياً ليصبح عدد سنواته حتى الآن 50 سنة وأكثر!!

 

 

الكاتب: صالح القلاب – المصدر: الشرق الاوسط