الأطفال المشردين ضمن مناطق سيطرة النظام.. ظاهرة اجتماعية سلبية تتسع وسط غياب الحلول

56

منذ بداية أحداث الثورة السورية في العام 2011 والتي أنتجت عنها العديد من الآفات، ولاسيما آفة التشرد والتسول وغيرها لدى فئة الأطفال في عموم مناطق سورية، حيث تعتبر من أكثر الفئات المتضررة و المستضعفة في عموم مناطق سورية وعاشت ويلات الحرب على مختلف الأصعدة، ودفعت ثمنها غالياً، أبرزها الانقطاع عن الدراسة
ومع تردي الأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية لها، بسبب انهيار قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، فضلاَ عن انخفاض مستوى الأجور، المتزامن مع ارتفاع فاحش بمختلف المواد والسلع، وسط عجز السلطة الحاكمة و تقاعسها عن إيجاد السبل لمساعدة هذه الفئة من الأطفال، ما أفسحت المجال أمام ظاهرة التسول، مخالفة للقيم الأخلاقية والإنسانية، وكانت ضحيتها الأطفال، فبدلاً من تواجدهم في المقاعد الدراسية، باتوا في الشوارع والحدائق العامة مشردين و بين الطرقات، ناهيك عن الإدمان التدخين وانتشار ظاهرة شم الشعلة وغيرها من العادات المدمرة للطفل
ويرجح ذلك للعديد من الأسباب في ظل استمرار الازمة السورية، دون وجود حلول لتسوية الأزمة، ما جعل القضاء على هذه الظاهرة صعبة.
وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قال المرشد التربوي ( م.خ) إن انتشار ظاهرة التشرد لدى فئة الأطفال هي ظاهرة عامة في جميع دول العالم، تعود للعديد من الأسباب، ففي سوريا انتشرت هذه الظاهرة في عموم المناطق دون استثناء، إلا أن تاريخها يعود لما قبل عام 2011 كونها ظاهرة اجتماعية قديمة جداً.
مضيفًا، بأن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، هناك العديد من العوامل التي ساعدت على تزايد نسبة التشرد، ولاسيما حالة الفقر الشديد الذي يعيشه غالبية سكان المنطقة، كما أن ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما دفع ضريبتها العائلات الفقيرة، بالإضافة إلى ذلك، الحرب تسببت في فقدان المعيل المنزل خلال فترة الأحداث، ما دفع بغالبية الأطفال إلى التشرد والتسول بحثاً عن لقمة العيش من خلال التجوال في الشوارع، مشيراً إلى أن النظام الحاكم لم يولي أي اهتمام بقضية حقوق الطفل، لافتقاره لمؤسسات راعية لحقوق الطفل، تكفله وترعاه في ظل الأزمات المستمرة وتحميها من التسول والتشرد.
ويوضح، أن الطفل المشرد هو شخص لم يعد لديه أي مستقبل دراسي، ويعاني من أضرار نفسية كبيرة نتيجة تعرضه للإساءة اليومية في الشارع، ويعرف عن الطفل المشرد بأنه عرضة للاستغلال الجنسي أو الخطف وغيرها من العواقب الخطيرة، خاصة في ظل الصمت المُريب وعدم التنديد والاستنكار بهذه الظاهرة ومع مرور الوقت قد يتحول لواقع اعتيادي غير لافت للانتباه وهذا أيضًا سيترتب عليه نتائج سلبية، فالأفضل هو عدم ترك الأطفال ضحية للتشرد وبذل الجهود لإنقاذ أكبر عدد ممكن منهم.
ويلفت إلى أن الحلول التي يفترض بحكومة النظام العمل عليها لمحاربة هذه الظاهرة، هو أن تعمل على تغيير طريقة تعاطيها وتعاملها مع الأطفال المشردين فبدل طردهم وإبعادهم ومحاسبتهم يجب توفير بيئة صالحة عبر إيجاد الحلول السريعة، كما يجب تأمين التعليم والمسكن والدعم المالي والغذائي والنفسي، فضلًا عن إنشاء مراكز خاصة بشؤون الأطفال ومتابعتهم وإقامة مشاريع تثقيفية وتوعوية لإدراك مخاطر هذه الظاهرة وتجنبها، لما ينتج عن التشرد من آفات مضرة بالطفل والمجتمع بشكل عام.
وينتشر ضمن جميع المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة لها آلاف الأطفال المشردين، حيث يلجأ البعض منهم للتواجد في الحدائق العامة وأمام أبواب المحلات والمطاعم وعلى أرصفة الطرقات، ويكتفي البعض بالتشرد ليحصلوا على المساعدة ممن يستعطفونه من المارة، إما عبر التسول بشكل مباشر أو الغير مباشر، في حين يلجأ البعض للعمل فيكون عملهم بيع المناديل الورقية والبسكويت للمارة، ويتوجه الجزء الآخر للاكتفاء بالتشرد وممارسة العادات السيئة منها عادة إدمان” شم الشعلة” والتي تعد واحدة من بين أبرز العادات التي يمارسها الأطفال المشردين.
بدوره يتحدث الناشط الصحفي (م.ا) المقيم في مدينة إدلب للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن هذا الموضوع قائلاً، الأرقام والإحصاءات منذ بداية أحداث الثورة السورية مُرعبة حقيقةً، سواء كانت من ناحية عدد الشهداء أو المعتقلين أو المهجرين والنازحين أو الأطفال الذين يعانون من أمراض وبحاجة للمساعدة، ونسبة الفقر أصبحت مرتفعة جداً، لاستمرار المأساة السورية طوال هذه السنوات والتي كانت لها آثار سلبية ألقت بظلالها على جميع فئات المجتمع السورية.
ويضيف أما فئة الأطفال فهم الأكثر تضررًا، فهناك من تخلت عنهم أسرهم وهناك من دفعتهم أسرهم للعمل وهناك من يعانون من العنف الأسري، وبشكل عام كل ما شاهده أطفال سوريا طيلة هذه المدة من مشاهد صادمة من نزوح وتهجير وقصف وقتل ساهم لحد كبير في تأزم حالتهم النفسية، أما المشردون فهؤلاء يشكلون النسبة الأكبر وتعد معضلتهم الأصعب لعدم وجود القدرة على حلها.
ويتابع، لكل طفل من هؤلاء قصة مختلفة، فمن أجبر على التشرد والتسول لمرض والده أو الفقر المُدقع لعائلته، ومن يعاني من فقدان المعيل أساساً، وهناك من تخلت عنه أسرته بشكل كامل فكان الشارع هو الملاذ والملجأ الأخير له، لكن أبعاد ما بعد التشرد ينتج تداعيات سلبية جداً تؤثر على مستقبلهم، فتوجه مثلاً لتعاطي المخدرات أو “تعاطي الشعلة” أو التوجه للسرقة وغيرها من هذه الأشياء هي من يجب أن تُحرك الجهات المسؤولة لردم هذه المشكلة وإنهائها.
ويشير إلى أن مناطق سيطرة النظام تنتشر فيها الكثير من الظواهر السلبية والخطيرة وأكثر ما يلفت للانتباه هو قضايا الأطفال، حيث يجب على المنظمات الدولية العمل على توفير أماكن صالحة وآمنة لهم بعيداً عن الشارع، والحد من هذه الظاهرة المنتشرة في جميع المناطق السورية التي لم تعد محصورة فقط ضمن مناطق سيطرة النظام.
وانتشرت ظاهرة “تعاطي شم الشعلة” كظاهرة ملازمة لتشرد الأطفال ضمن مناطق سيطرة النظام منذ عدة سنوات، ويوعز المختصون سبب توجه الأطفال المُشردين “لتعاطي الشعلة” للهروب من واقعهم المُعاش وأوضاعهم المادية والنفسية وعدم وجود رقابة عليهم، لذا لجأوا لهذا النوع من التعاطي، لاعتبار أن “الشعلة” والتي تستخدم محلياً كغراء ومادة لاصقة لا تصنف من ضمن المواد الممنوعة في سوريا إضافة لسعرها المنخفض، ما يجعلها في متناول يد هؤلاء الأطفال بكل سهولة، وقد ساهم البعض من المستغلين لهؤلاء الأطفال في تورطهم بهذه الآفة الخطيرة فجعلوهم يتعاطون هذه المادة لاستغلالهم في أعمال التسول والعمالة مستغلين حاجتهم للمال والطعام بعد تركهم منازلهم ولجوئهم للشوارع والتشرد.
وتعد العاصمة دمشق من أكثر المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام انتشاراً لهذه الظاهرة رغم ادعاء حكومة النظام أنها تمنح الطفل الكثير من الإهتمام والرعاية الصحية والمادية والنفسية.
وبتاريخ 15 تموز/ يوليو من العام الفائت 2021 أصدر رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، القانون 21 والذي يتضمن قانون حقوق الطفل والذي يهدف بحسب القانون الصادر لتعزيز دور مؤسسات الدولة في رعاية الطفل وتأمين حقوقه ونشأته وتأهيله نفسياً وعلمياً واجتماعياً وبناء شخصيته بما يمكنه من المشاركة في مجالات التنمية كافة، وذلك “بحسب ما ورد في مقدمة القرار”، وبحسب المادة السادسة من القانون فإن ” لكل طفل الحق في التمتع بالحقوق والحريات العامة، والحصول على الحماية والرعاية من دون أي تمييز على أساس الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين، أو على أي أساس آخر”، كما جاء في نص المادة رقم 10 “لكل طفل الحق في التعليم المجاني، وله الحق في التربية والتنشئة والنماء والتأهيل العلمي والثقافي والنفسي والاجتماعي، لبناء شخصيته، بما يمكِّنه من الإسهام في مجالات التنمية كافة”.
وبالرغم من صدور هذا القرار وما سبق من قرارات تخص شؤون الطفل ورعايته ضمن مناطق سيطرة النظام، ولكن ما زالت ظاهرة التشرد مستمرة وتتسع نطاقها ويؤكدها العديد من الصور والمشاهد التي ترد لاسيما من داخل العاصمة السورية دمشق، دون وجود أي حلول جذرية تنهي هذه الظاهرة المُدمرة لحياة الطفل وتزيد من خطورة ظهور ووجود جيل كامل في المستقبل من متعاطي المخدرات والمجرمين بناءً على ما هو مُعاش، فالاحتمالات تشير إلى ذلك بشكل واضح، ما يدعو إلى ضرورة الإسراع والتعجيل في معالجة هذه الظاهرة والقضاء عليها.