الأوراق الثبوتية.. أزمة جديدة تُضاف لسلسلة أزمات لا تنتهي تضرب مواطني الشمال السوري

44

تعتبر أزمة الأوراق الثبوتية من بين أكثر الأزمات تعقيداً في الشمال السوري، حيث يزيد تعقيد المسألة يوما بعد يوم في ظل عدم حصول المؤسسات المدنية في الشمال السوري على الاعتراف الخارجي من أجل تسجيل المعاملات الرسمية مثل عقود الزواج والطلاق والنفوس وغيرها من المعاملات. وباتت تلك المسألة معضلة للمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في الشمال، في ظل الحاجة الملحة لهذه المعاملات بعد الازدياد الكبير في أعداد سكان الشمال السوري، بعد عمليات التهجير القسرية التي مُرست بحق سكان المحافظات الجنوبية وتهجيرهم إلى الشمال السوري. ومن جهة أخرى، فإن المؤسسات المدنية المختصة بتثبيت مثل هذه المعاملات، والتي تتبع بدورها لكل من حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، لا تحظى بثقة كبيرة من جانب المدنيين، إذ ينظر إلى هذه المؤسسات على أنها غير معترف بها، لدرجة عزوف نسبة كبيرة من طلاب الجامعات عن متابعة تعليمهم لهذا السبب، ويلجأ الكثير من المدنيين إلى متابعة أوراقهم ومعاملاتهم الخاصة لدى دوائر تابعة للنظام السوري، عبر وساطات تقوم بهذه المهمة، مقابل الحصول على مبلغ مالي، على حسب المعاملة وأهميتها.

المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدث إلى أحد المحامين من منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي، عن معضلة تسجيل الأوراق الثبوتية وعقود الزواج وصعوبة ذلك في مناطق الشمال السوري، حيث قال: “مشكلة الأوراق الثبوتية واحدة من المشاكل التي تحمل الكثير من المتاعب للمدنيين في الشمال السوري، وبالأخص مناطق إدلب وريفها في الوقت الراهن الواقعة تحت سيطرة فصيل هيئة تحرير الشام، وجناحها المدني المسمى حكومة الإنقاذ، وتعتبر مسألة تسجيل الزواج من أبرز تلك المعوقات في المنطقة، وما يتعلق بها من إثبات النسب للأطفال، بالإضافة لتسجيل الطلاق وحصول المرأة على حقوقها وغيرها الكثير من الأشياء المتعلقة بالطلاق. كل ذلك بطبيعة الحال يرجع إلى غياب المراكز الحكومية الرسمية والمعتاد عليها، والفوضى التي خلقتها أحداث سوريا من بدايتها ، إضافة إلى استلام زمام المنطقة أكثر من جهة وطرف، ما جعل من وجود مؤسسات رسمية مختصة بهذا المجال ومعترف بها دولياً، أمراً في غاية الصعوبة، بل يكاد يكون من المستحيل. ولا ندري إلى متى سوف تستمر هذه المعضلة، فلا أرقام رسمية محددة لعدد الذين لا يملكون أوراق ثبوتية، ولا عدد حالات الزواج غير المثبتة، أو حتى عدد الأطفال غير المسجلين في دوائر سجلات النفوس. نحتاج حلولا جذرية، ربما تتمحور في تغيير الجهات المسؤولة في المنطقة، واستلام جهات مدنية تحظى بترحيب واعتراف دولي أكبر، وإنشاء مؤسسات مختصة بشأن الأوراق الثبوتية، وإبعادها عن ساحة الحرب الجارية، وتحييدها بشكل كامل عن أي تطورات عسكرية أو سياسية، ومنحها ثقة دولية حتى تقوم بدورها بشكل فعال في هذا الجانب”.

وفي شهادته لـ”المرصد السوري”، يقول أحد سكان منطقة جبل “شحشبو” في ريف حماة الغربي، إنه غير قادر على الحصول على الأوراق الرسمية وحقوق أطفاله في التسجيل بسجلات دائرة النفوس، مضيفا: “عمري 37 عام، متزوج منذ عام 2007، ولدي أسرة مكونة من 6 أطفال، وهناك 3 منهم ولدوا خلال فترة الأحداث السورية، وتبلغ أعمارهم ما بين 7 و3 سنوات، وإلى الآن هم غير مسجلين في دوائر النفوس، على الرغم من وجود مجالس محلية ومؤسسات تعنى بهذا الأمر، إلا أنني لا أفضل تسجيلهم بهذه الطريقة غير الواضحة، فهذه المؤسسات غير معترف بها إلا في مناطق محددة من الشمال السوري فقط، فضلاً عن الاعتراف الدولي. وتظهر معضلة الحصول على الأوراق الرسمية على مستوى الأسرة بشكل خاص، عند الحاجة لتسجيل تاريخ ولادة الأطفال وأسمائهم، فهي مهمة جداً لحصولهم على حقوقهم المدنية، والأهم هو حقهم في الدخول للمدرسة في سنها المحدد”.

وتنقسم الآراء في أوساط المدنيين في الشمال السوري، ما بين معارض لتسجيل زواجه أو أطفاله أو حتى إخراج أي ورقة ثبوتية من دوائر سجلات النظام السوري، باعتبار هذا يعد بمثابة اعتراف بـ”النظام السوري”، وما بين من يرى أن ذلك ضرورة لا بد منها بسبب غياب دور المؤسسات الرسمية وعدم قدرتها على رأب الصدع الذي أحدثته سنوات الحرب السورية، وحفاظاً على الحقوق من الضياع، في حين يبقى السؤال المطروح عن مستقبل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في الشمال السوري، ومتى سوف تتحمل الجهات المعنية بالملف السوري مسؤولياتها حيال هذه القضية؟”.