الإدارة الأميركية تدرس خيارات أكثر جرأة للتدخل في سوريا

22

تدرس إدارة الرئيس باراك أوباما التدخل في سوريا بطريقة أكثر جدية للمساعدة في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، على أمل أن يكون الصراع في سوريا قد وصل إلى نقطة تحول حاسمة، وفقا لمسؤولين حكوميين شاركوا في المناقشات.. وبينما لم يتم اتخاذ أي قرارات بهذا الشأن، تدرس الإدارة الأميركية عدة بدائل، بما في ذلك تسليح بعض مقاتلي المعارضة بصورة مباشرة.

ويتمثل القرار الأكثر إلحاحا، والذي من المرجح أن يصدر الأسبوع المقبل، فيما إذا كان ينبغي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) نشر صواريخ أرض جو (باتريوت) على الحدود التركية السورية أم لا، والذي يهدف في ظاهره لحماية تركيا من الصواريخ السورية القادرة على حمل أسلحة كيماوية. وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند يوم الأربعاء الماضي إن نظام صواريخ باتريوت «لن يستخدم خارج الحدود التركية».

ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء الاستراتيجيين والمسؤولين في إدارة أوباما أن طياري سلاح الجو السوري قد يخشون من استخدام بطاريات الصواريخ ضدهم، وهو ما قد يدفعهم إلى عدم قصف البلدات الواقعة شمال الحدود السورية التي يسيطر الثوار على مساحات كبيرة منها. ويوجد الآن فريق مسح تابع لحلف الناتو في تركيا لدراسة المواقع المحتملة لنشر البطاريات.

وهناك خيارات أخرى أكثر جرأة، بما في ذلك تسليح المعارضة بشكل مباشر بدلا من الاستمرار في إمدادهم بالأسلحة عبر بلدان أخرى، أما الخيار الأكثر خطورة فهو إرسال ضباط استخبارات تابعين لوكالة الاستخبارات الأميركية أو الاستخبارات الحليفة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة للعمل بشكل وثيق مع الثوار.

وقد ناقش مسؤولون في الإدارة الأميركية كل هذه الخطوات قبل الانتخابات الرئاسية، ولكن إعادة انتخاب أوباما لفترة رئاسية ثانية جعلت البيت الأبيض أكثر استعدادا لتحمل المخاطر، ولا سيما بعد النجاحات الهامة التي حققها الثوار في الآونة الأخيرة، وهو «ما أضفى على هذا النقاش طابعا ملحا ومنحه زخما جديدا»، حسب تصريحات مسؤول بارز في الإدارة الأميركية.

ولا تزال نتائج النقاش الواسع حول كيفية تدخل الولايات المتحدة بشكل كبير في صراع آخر في المنطقة غير مؤكدة حتى الآن، ولا سيما في ضوء تعامل أوباما الحذر مع ثورات الربيع العربي، فعلى الرغم من أنه تدخل في الصراع الليبي فيما بدا أنه جهود إنسانية، فإنه رفض إرسال قوات عسكرية أميركية على الأرض، باستثناء وجود عملاء تابعين لوكالة الاستخبارات الأميركية والوجود الدبلوماسي، ثم سرعان ما انتهى الدور الأميركي عقب الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، أما في الحالة السورية فإن الصراع أكثر تعقيدا، وهو ما جعل بعض المسؤولين يشعرون بالقلق من أن تكون مخاطر التدخل – سواء في أرواح الأميركيين أو التسبب في انتشار النزاع إلى مناطق أكبر – كبيرة للدرجة التي يمكن معها تبرير هذا التدخل. وعلى الجانب الآخر، يرى آخرون أن التدخل بخطوات أكثر جرأة في الحرب السورية له الكثير من المبررات، مثل العدد الهائل من الضحايا ومخاطر استخدام الأسلحة الكيماوية، علاوة على أن هذا التدخل يمثل فرصة لتوجيه ضربة إلى الحليف الوحيد لإيران في المنطقة.

وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد قال قبل ثلاثة أسابيع عقب زيارته أحد مخيمات اللاجئين في الأردن: «انظروا، دعونا نكن صرحاء، ما قمنا به على مدى الـ18 شهرا الماضية لم يكن كافيا. ما زالت عمليات القتل مستمرة، وما زالت الدماء تسفك بطريقة مروعة، وهناك آثار سيئة على المنطقة برمتها، والتطرف، فضلا عن الأزمة الإنسانية التي تجتاح سوريا، ولذا دعونا نعمل معا على إنجاز ما يمكننا القيام به». وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن كاميرون قد ناقش هذه الخيارات مع أوباما بطريقة مباشرة.

اعترفت فرنسا وبريطانيا بائتلاف جماعات المعارضة الذي تم تشكيله مؤخرا، والذي ساعدت الولايات المتحدة الأميركية على توحيده، ولكن واشنطن لم تقم بمثل هذه الخطوة حتى الآن.

يؤكد مسؤولون أميركيون وخبراء مستقلون متخصصون في الشأن السوري أن الإدارة الأميركية بصدد مراجعة سياستها حول سوريا، وهو ما يعود بصورة جزئية لاكتساب المزيد من المصداقية والتأثير عند مقاتلي المعارضة، الذين استطاعوا الاستيلاء على أهم القواعد العسكرية السورية في الأسابيع القليلة الماضية.

ويقول جيفري وايت، وهو ضابط سابق في «وكالة الاستخبارات العسكرية» الأميركية والمتخصص في شؤون الجيش السوري: «اكتشفت الإدارة الأميركية أنهم لم يبدأوا في القيام بأي شيء، فالحرب شارفت على نهايتها، وهم لا يتمتعون بأي نفوذ على القوات المقاتلة على الأرض. ربما يتمتعون ببعض التأثير على الجماعات والفصائل السياسية المختلفة، ولكنهم لا يتمتعون بأي تأثير على المقاتلين، الذين سيحكمون البلاد».

وقال شخص آخر، تمت استشارته وإطلاعه على مخططات الإدارة الأميركية بشأن سوريا: «لن تستطيع الولايات المتحدة المحافظة على الوضع التي كانت تتمتع به سابقا»، مضيفا: «فأيا كان ما نرغب في فعله، ينبغي علينا القيام به من خلال التنسيق الوثيق مع الحلفاء».

وأكد كبار مسؤولي الكونغرس ودبلوماسيون بارزون في المنطقة أنه لم يجر اطلاعهم على التحولات السياسية الوشيكة، معربين عن شكوكهم في حدوث أي تغير في السياسات حتى ينتهي الرئيس أوباما من اختيار فريق الأمن القومي الجديد الخاص به، بما في ذلك وزيران جديدان للدفاع والخارجية ومدير جديد لوكالة الاستخبارات المركزية، وربما أكثر من ذلك. شدد هؤلاء المسؤولون والدبلوماسيون على أن الإدارة الأميركية قامت في الأشهر القليلة الماضية بإطلاعهم على المستجدات الجديدة التي تطرأ على سياستها تجاه سوريا.

وحتى الوقت الحالي، لم تقدم الولايات المتحدة الأميركية سوى دعم محدود للعمليات العسكرية الرامية للإطاحة بالحكومة السورية، ولكنها قامت بدلا من ذلك بتوفير نحو 200 مليون دولار من المساعدات الإنسانية وغيرها من المساعدات غير القتالية. وعلاوة على ذلك، يقوم العدد القليل من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذين يعملون بصورة سرية في جنوبي تركيا منذ أشهر طويلة، بمساعدة الحلفاء على تحديد أي من مقاتلي المعارضة السوريين المنتشرين عبر الحدود ينبغي أن يحصلوا على الأسلحة، وذلك وفقا لما أكده بعض المسؤولين الأميركيين وضباط الاستخبارات العرب.

وأكد مسؤولون أميركيون أن معظم هذه الأسلحة، والتي تشمل بنادق آلية وقذائف صاروخية وذخيرة، يتم تهريبها عبر الحدود التركية من خلال شبكة من الوسطاء. وحتى هذا الجهد المحدود خضع لبعض التغييرات في أعقاب ظهور أدلة على أن غالبية الأسلحة التي يتم إرسالها إلى مقاتلي المعارضة السورية تقع في أيدي الجهاديين الإسلاميين المتشددين وليس جماعات المعارضة الأكثر علمانية التي يدعمها الغرب.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن الإدارة الأميركية تدرس حاليا ما إن كان ينبغي على الولايات المتحدة لعب دور مباشر في تزويد مقاتلي المعارضة بالسلاح للمساعدة في ضمان وصول هذه الأسلحة للجماعات المستهدفة فقط.

وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية مؤخرا: «تكمن المشكلة في الوقت الحالي في عدم امتلاكنا لرؤية واضحة بشأن الأماكن التي تذهب إليها هذه الأسلحة»، مضيفا: «هذه هي المشكلة الحقيقية في الاستعانة بمصادر خارجية في هذا الموضوع».

وفيما يتعلق بالمخاوف الأكثر إلحاحا والخاصة بالدفاع عن تركيا، من المتوقع أن يقوم الناتو باتخاذ قرار بشأن الطلب الذي تقدمت به تركيا لنشر بطاريات صواريخ باتريوت على حدودها مع سوريا في الأسبوع المقبل. وفي ليلة الأربعاء الماضي، قال توماس دونيلون، مستشار الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي، أمام حشد من الجماهير في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد: «نحن سندعم بشدة» الطلب التركي لنشر بطاريات باتريوت «في سياق حماية أمن أحد حلفائنا». وتعتبر صواريخ باتريوت «بي إيه سي – 3» أحدث الأنظمة الدفاعية الجوية في الترسانة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو.

وفي حالة الموافقة على نشر وشيك لهذا النظام في تركيا، من الممكن أن تأتي الصواريخ من الولايات المتحدة أو هولندا أو ألمانيا. وعلى الرغم من أن هذه الصواريخ تتمتع بنطاق محدود، فإنها تستطيع الوصول إلى الأراضي السورية. من الجدير بالذكر أن تركيا طلبت نشر هذه الصواريخ بعدما سقطت قذائف الهاون والمدفعية السورية داخل أراضيها، مما أسفر عن مقتل الكثير من المدنيين.

* ساهم في كتابة هذا التقرير جيسيكا براندت من كامبريدج، ماساشوستس.

 

التايمز