الإدارة الذاتيّة لشمال شرقي سوريا: علاقاتنا الدّبلوماسيّة لا تتعارض وسيادة الدّولة

62
بزخم متقادم، تتعزز أشكال التواصل السياسي والدبلوماسي بين الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والعديد من الدول، بعدما كان التواصل “الدولي” مع هذه المنطقة تقليدياً طوال السنوات الماضية، يقتصر على تعاون قوى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب على الجانبين العسكري والأمني. فالعديد من الدول الأوروبية أجرى لقاءات مُعلنة مع مؤسسات هذه الإدارة، وتحت عناوين ولأسباب مُختلفة، الأمر الذي أثار “استياء” وزارة الخارجية السورية، وردت عليه الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا عبر “النهار العربي” بالقول إن تحركاتها لا تتعارض ولا تخترق سيادة الدولة السورية.   
رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر ديكرو كان قد أعلن أن بلده بصدد إرسال وفد دبلوماسي-قنصلي إلى شمال شرقي سوريا، بغرض استعادة أطفال بلجيكيين مُحتجزين مع أمهاتهم في مخيمات تلك المنطقة، وهُم من عائلات تنظيم “داعش” الإرهابي.
وكان المقاتلون الدواعش من حملة الجنسية البلجيكية يُقدرون بنحو 400 مقاتل. وكانت جهود بلجيكا لاستعادة عائلات المقاتلين من مواطنيها تمر بـ”حراجة” طوال العامين الماضيين، لكن إعلان رئيس الوزراء البلجيكي بنفسه عن تواصل حكومته مع الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، يبدو كأنه بمثابة قطيعة مع ذلك التردد. 
الجهود البلجيكية أُضيفت إلى محاولات هولندية وفرنسية مماثلة، جرت طوال الأسبوعين الماضيين، إذ تواصلت الدولتان عبر مؤسساتهما السياسية والمدنية مع الإدارة الذاتية، فقد زار مدينة القامشلي المبعوث الهولندي الخاص بالملف السوري، كذلك قام وفود فرنسي ضم رئيس مؤسسة دانيل ميتران وبلدية باريس بزيارة مماثلة. الإدارة الذاتية كانت قد عقدت لقاءات افتراضية مع عدد مسؤولي وزارات الخارجية للدول الأوروبية، بالإضافة إلى كندا، أُستراليا والولايات المُتحدة. 
هذا التواصل الدبلوماسي والمدني يأتي بُعيد الزيارة التي قام بها قائد القيادة الوسطى للجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي لتلك المنطقة، والتي أكد فيها أن بلاده ستسعى، إلى جانب محاربة الإرهاب، الى دعم الاستقرار وتطوير الإدارة الذاتية لتلك المنطقة. 
كانت وزارة الخارجية والمُغتربين السورية قد أصدرت بياناً خاصاً عن طريق ما أسمته بـ”مصدر رسمي”، قال فيه: “دأب ممثلو بعض الدول المشاركة في الحرب على سوريا على القيام بممارسات تشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي واعتداءً سافراً على سيادة الجمهورية العربية السورية.. فقد قام وفد هولندي برئاسة ما يسمى بالمبعوث الخاص بالملف السوري بالدخول بشكل غير مشروع إلى الأراضي السورية بالتواطؤ مع ميليشيا قسد، بحجة تسلم عدد من موقوفي تنظيم “داعش” المحتجزين لدى هذه الميليشيات.. إن الجمهورية العربية السورية إذ تعرب عن الرفض القاطع والإدانة الشديدة لهذه الممارسات، فإنها تؤكد مجدداً الإصرار والتصميم على بسط سيادة الدولة على كل أراضيها وتحريرها من الاحتلال الأجنبي التركي والأميركي وغيره، ليكون المقدمة لسقوط أدواته العميلة من ميليشيات قسد والمجموعات الإرهابية الأخرى”. 
 دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، ردت على بيان وزارة الخارجية   السورية بتصريح أدلى به الرئيس المُشترك لتلك الدائرة عبد الكريم عُمر لـ”النهار العربي”. قال عُمر: “لا تتناقض تحركاتنا وعلاقاتنا مع مبدأ سيادة الدولة السورية على كل أراضيها. فالإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا ترى نفسها جزءاً من الدولة والسيادة السورية، وليس لديها أي تطلع بالمسّ بتلك الثوابت، واتهامها بذلك إنما هو شكل من الدعاية التي تصدر عن الجهات التي تسعى الى كسر حالة الاستقرار ومحاربة الإرهاب في منطقة شمال شرقي سوريا”.
وأضاف عمر: “على كل المُتابعين إدراك أن هذه الإدارة تكونت نتيجة ظرفٍ غير طبيعي تماماً، هو الحرب المُدمرة التي أغرقت سوريا. وبما أن هذه الإدارة إنماتتوخى فقط تيسير وإدارة الشؤون العامة لملايين المواطنين السوريين من مختلف المكونات، الذين خاضوا مجتمعياً أشرس حربٍ في مواجهة أعتى الجماعات الإرهابية، وتالياً إيصالهم بأفضل شكل الى لحظة إنهاء الحرب السورية عبر المفاوضات السياسية السورية، وبحسب قرارات مجلس الأمن وحفظ حقوق جميع المكونات والمواطنين السوريين. وكل تحركات الإدارة الداخلية والخارجية، إنما تتوخى تحقيق ذلك، وليس أي شيء آخر. وبذا فالمطلوب من النظام ومؤسساته وأجهزته هو القيام بأدوار الدولة السورية وسيادتها، وليس فقط التصرف كجهة تستغل كل شيء لمصلحة خياراته السياسية فقط”.
العلاقات الخارجية بين الإدارة الذاتية والدول العالمية كانت قد بدأت مُنذ أكثر من عامين، بعد انتهاء “معركة الباغوز” في شهر آذار (مارس) من عام 2019، والتي أعلنت نهاية تنظيم “داعش الإرهابي”. بدأت تلك العلاقة من أشكال التعاون بشأن تصفية تركة تنظيم “داعش”من خلال عوائل مقاتليه، الأوروبيين تحديداً.
لكن المُداولات البينية التي تدور راهناً بين هذه الإدارة والمؤسسات النظيرة في هذه الدول، بالذات الدول الأوروبية والولايات المُتحدة وأستراليا وكندا، إنما تتطرق فعلياً الى آليات دعم الاستقرار والظروف الاقتصادية لتلك المنطقة وإمكان تعويض عائلات وذوي المفقودين والضحايا من أبناء هذه المنطقة، الذين سقطوا في مواجهة مقاتلي “داعش”، إذ كان الآلاف من هؤلاء المقاتلين من مواطني تلك البُلدان، إلى جانب مناقشة ظروف الحل السياسي في سوريا. 

المصدر: النهار العربي

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.