الاتفاق النووي والدور الإيراني في سورية

24

كان العالم ينتظر نتائج اتفاق الدول 5+1 مع إيران لإحداث تغيرات في منطقة الشرق الأوسط، تغيراتٍ تحجّم النووي الإيراني وتحصره بالمجالات السليمة، والاتفاق المقصود يصل إلى خمسة عشر عاماً أو يزيد، ويسمح بمراقبة يومية للمنشآت النووية. لم يوقع الاتفاق، ولا أخفق كذلك، فقط تمّ التمديد لسبعة أشهر إضافية.

إيران لم تتوقف عن تطوير برنامجها النووي، وتعتبره حقاً مطلقاً لها، ووفق استراتيجيها مسألة سيادية، وفي هذا ليست أقل من الهند وباكستان وإسرائيل. إيران تحدد لنفسها ومن خلاله دوراً إقليمياً وازناً، وهذا ما اعترف به التخطيط الأميركي للمنطقة، متجاهلاً التذمر الخليجي عامة، وتذمر تركيا، وحتى تذمر إسرائيل الرافضة للنووي الإيراني والمطالبة بإنهائه.

إيران وبغياب الاتفاق ستستمر في السياسات ذاتها. أي دعم كل الجماعات الطائفية وغير الطائفية التابعة لها، في العراق وسورية ولبنان واليمن ودول أخرى، وستستغل الأشهر السبعة المقبلة لتقوية نفوذها. فهي تعلم أن قوّة الدول ليست في الاتفاقات بل في القوّة المتعددة الأوجه ومنها النفوذ الإقليمي. وأميركا كقائدة «مأزومة» للعالم الرأسمالي، وكقوة مقررة في سياسات الدول في الشرق الأوسط، تعطي لإيران دوراً إقليمياً فاعلاً كما يتبدى كل يوم. فمعركتها الحالية ليست في المنطقة، بل في شرق آسيا وفي مواجهة الصين. هذا ما يدفعها إلى مراعاة إيران وروسيا في سورية. فهي تخطط لسنوات مقبلة ، وتريد إنشاء تحالفات عالمية.

التباعد الأميركي – الروسي، وهناك من يصفه بحرب باردة جديدة، ربما كان فيه ما يشبه تلك الحرب، ولكن أميركا وبسبب أزمتها الاقتصادية المتعاظمة، تريد الذهاب بالعالم نحو عالم متعدد الأقطاب، وليس الإخفاق أمام المارد الصيني، الذي إن لم يحاصَر، سيفرض هيمنته عالمياً في العقد المقبل. هنا معركة أميركا الفعلية.

سياق الأحداث يؤشر إلى غياب أي تغيير في الوضع السوري، بل إن خطة دي ميستورا، والتصريحات الروسية، واستقبال روسيا لوفود من المعارضة والنظام، والصمت الأميركي عن ممارسات النظام، وآخرها مجزرة الرقة بطيران النظام وتحت الأجواء التي يحلق بها طيران التحالف، كلها مؤشرات تقول إن أوباما لا يزال «يغوي» إيران للتنسيق معها في كامل الشرق الأوسط. إيران ستتمدد إذاً، و»داعش» أداتها كما هي أداة أميركا لهذا التنسيق. فأميركا تراقب «داعش» و»النصرة»، وتساهم بضربات تحالفها المحدودة في إبقاء هذه الجهاديات، والهدف دفع روسيا وإيران بل النظام ليقلم أظافره قليلاً، والسماح له مجدداً بالحكم، وبالتشارك مع جهات معارضة.

فأميركا تؤهل النظام بداعش إذاً. وهذا ما ترفض إيران وروسيا الاعتراف به. وهم يريدون أكثر من ذلك. يريدون تغييراً في غاية الشكلية، بما يبقي القوة الضاربة الرئيسية للنظام بيديه، واعترافاً أميركياً ودولياً بدوره في محاربة الإرهاب، وإنهاء كل شكل للثورة، وحينها فقط يمكن إشراك جهات المعارضة هذه. الروس وإيران هذه سياستهما، وهذا ربما تتوافق معه خطة دي ميستورا، وربما يحلم بذلك اوباما ذاته، ولكن هل هذا الحلم ممكن؟!

قوة إيران، ومهما تعاظمت، ومهما دُعمت من روسيا، لا يمكنها تجاوز الدور الإقليمي لكل من تركيا وإسرائيل، ولا يمكنها تجاوز الدور الخليجي في المنطقة كذلك. إيران استفادت من السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق، ومن الاعتراف الأميركي بها كذلك. ولكن ما يفوت إيران، أنها دولة عالم ثالثية، وأوهام العظمة لا تفيد كثيراً. فوضعها الاقتصادي هش، والأزمة الاجتماعية تتعاظم داخلها، وسؤال الإيرانيين اليوم: لماذا نجوع ويُدعم النظام السوري خلال أربعة أعوام بأكثر من ثماني مليارات دولار والكثير سواه؟ ثم إن خراب العراق وسورية لن يقف عند هاتين الدولتين وسيتمدد وقد يصل الى إيران ذاتها. ووصول الجمهوريين إلى الكونغرس في أميركا، وفي موازاة تذمر حلفائها من سياسات رئيسها، قد يساهم في إعادة الضغط الفاعل على إيران. نضيف كذلك أن أميركا ومن خلال الحرب على «داعش» حاولت مراراً إفهام إيران أن لها دوراً ولكنه يظل محدوداً، وأن موافقتها على رحيل المالكي عن الحكومة لمصلحة العبادي لا يكفي، ولا بد من إقرار حقوق الشعب العراقي. والأمر ذاته في سورية ولبنان. فسياسة اللين الأميركية لا تعني إعطاء إيران دوراً أكبر مما يعطى لدولة مهمة في المنطقة. وهذا ما تحاول السياسات الأميركية فعله مع إيران منذ حربها ضد «داعش».

في الأشهر السبعة المقبلة لن تفهم إيران ضرورة التصالح مع وضعها كدولة من دول المنطقة، وستغرقها أميركا بالجهاديات في العراق وسورية بعد أن كانت الجهادية لعبة إيران المفضلة قبلاً، حينما ساهمت بخلق «داعش» و «القاعدة» في العراق. وهذا سيكون كارثة على السوريين بالتأكيد، ولكن لا قيمة للسوريين في السياسة الأميركية. فأميركا مهتمة بمتابعة الضغط واستمرار العقوبات على إيران، وهذا ما سيضاعف التأزم الإيراني الداخلي تباعاً.

ما يساعد في الضغط على إيران، بروز قوة عربية فاعلة، وهذا الدور ضروري مجدداً للضغط على إيران ولتفعيل دور العرب في تشكيل الشرق هذا. والمعارضة السورية يمكنها أيضاً أن تعيد النظر في سياساتها بعيداً من التبعية للأميركيين والاستجابة لما يرتأون

 

الكاتب : عماد ديوب

المصدر : جريدة الحياة اللندنية