الانتخابات الأميركية في حسابات السوريين

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

35

تتابع أوساط سورية عديدة باهتمام كبير السباق الانتخابي الأميركي، الموصل في نهايته إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، إذ تدور نقاشات وسجالات بينها بشأن مواقف كل من المرشح الجمهوري، الرئيس الحالي دونالد ترامب، ومرشح الحزب الديمقراطي جوزيف (جو) بايدن، من القضية السورية، وأثر فوز أحدهما عليها، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ تكثر التكهنات بشأن الخطوات والمساعي التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس المقبل حيال هذه القضية. غير أن لاهتمام سوريين بمواقف المرشحين، سواء أكان ترامب أم بايدن، مبرراته وحيثياته، بالنظر إلى تأثير دور الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها، بوصفها القوة العظمى في العالم، على القضية السورية، لذلك تحظى برامج مرشحي الانتخابات الرئاسية الأميركية وتصريحاتهما بالمتابعة والتحليل، من جهة أن النظر في رؤية كل من ترامب وبايدن للقضية السورية يمكنه الإسهام في استشراف التغيرات والتحولات المحتملة في السياسة الأميركية تجاهها.

تنحاز أوساط من المعارضة السورية إلى سياسات الجمهوريين، وإلى ترامب، على خلفية المقارنة بين تعامله مع النظام السوري وتعامل الرئيس السابق باراك أوباما معه

وتختلف مواقف السوريين وقواهم السياسية حيال كل من المرشحيْن، بل وتتناقض أحياناً، بالنظر إلى اختلاف مواقعهم ومواقفهم ووجهات نظرهم حيال الثورة السورية، ومدى رهانهم على وعود المرشحين وبرامجهما ورؤيتهما للقضية السورية. ويُبنى معظمها على مقارنة تفيد بأن المسؤولين الجمهوريين كانوا على الدوام أشدّ حزماً حيال نظام الأسد من نظرائهم الديمقراطيين، وبالتالي لا تخفي أوساط من المعارضة السورية انحيازها إلى سياسات الحزب الجمهوري بشكل عام، وإلى الرئيس ترامب بشكل خاص، على خلفية المقارنة بين تعامله مع النظام السوري وتعامل الرئيس السابق باراك أوباما معه، مذكّرة بما قام به ترامب حيال سورية، بدءاً من تشدّده حيال نظام الأسد، وقصفه مواقع للنظام، وصولاً إلى تطبيق قانون قيصر. وتقدر هذه الأوساط أنه في حال فوزه في دورة رئاسية ثانية، سيتخذ مواقف أكثر تشدّداً حيال النظام السوري وداعميه، وستمارس إدارته ضغوطاً أشدّ على النظام الإيراني، عبر زيادة العقوبات الصارمة عليه، ما يعني حرمانه من قدرته على دعم نظام الأسد. فيما تعتبر أن وصول بايدن إلى الرئاسة يعني العودة إلى سياسة أوباما التي كانت تميل إلى عدم الاكتراث بالوضع السوري واعتماد اللغة الدبلوماسية، وعدم معاقبة النظام على جرائمه، وتطبيع العلاقات مع إيران، بما فيها العودة إلى الاتفاق النووي معها، ورفع العقوبات عنها، الأمر الذي سيفضي إلى تقوية قدرتها على استخدام مواردها المالية والعسكرية دعماً لنظام الأسد.

تظهر أوساط القوى والأحزاب الكردية في مناطق شمال شرقي سورية مواقف متباينة ومتناقضة أيضاً حيال كل من بايدن وترامب

غير أن أوساطاً أخرى من المعارضة السورية تشكّك في جدوى سياسة الرئيس ترامب ونجاعتها حيال القضية السورية، وفي مدى استفادة السوريين منها، من منطلق أن كل ما قام به لا يختلف كثيراً عما قام به سلفه أوباما، إذ لم تسفر سياسته عن رضوخ النظام أو انصياعه للانخراط في الحل السياسي، ولا عن توقف داعميه له. أما العقوبات الأميركية فستبقى، لأنها تحظى بموافقة الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وكذلك قانون قيصر. وترى هذه الأوساط في المعارضة أن سياسة الرئيس ترامب حيال الملف السوري، بشكل عام، كانت تصبّ في مجال استثماره الشخصي، وخدمة طموحاته في الانتخابات المقبلة، وبُنيت على الاستعراض والتشاوف، بدءاً من الحرب على الإرهاب التي أعلن فيها النصر النهائي على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في حين أن خلايا هذا التنظيم الإرهابي ما تزال موجودة في البادية السورية، وصولاً إلى سعيه إلى إنهاء الوجود الإيراني في سورية الذي لم يؤت أكله.
وتظهر أوساط القوى والأحزاب الكردية في مناطق شمال شرقي سورية مواقف متباينة ومتناقضة أيضاً حيال كل من بايدن وترامب، إذ يُحمّل بعضها الأخير مسؤولية سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها على مناطق عفرين والدرباسية وتل أبيض وسواها من المناطق التي كانت تخضع لسيطرة مليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية، لذلك تتمنّى خسارته في الانتخابات المقبلة، معتبرة أن ترامب هو من أعطى الضوء الأخضر لتركيا لتسيطر على تلك المناطق، نظراً إلى العلاقة الشخصية الجيدة التي تربطه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولا تخفي هذه الأوساط ترحيبها وتفضيلها وتمنياتها بفوز بايدن الذي أظهر في العلن موقفاً مناوئاً للرئيس التركي ومسانداً للقوى الكردية. في المقابل، تميل قوى وأحزاب كردية إلى ترامب، مراهنة على فوزه في الانتخابات، باعتباره سيمثل مواصلة واستمرار نهج الدعم العسكري والمادي لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وكذلك لمجلس سورية الديمقراطي (مسد)، والإبقاء على القوات الأميركية التي تسيطر على منابع النفط في الجزيرة السورية، وتأمين الدعم المالي لها، واستثنائها من عقوبات قانون قيصر، إضافة إلى إبرام اتفاقيات نفطية معها.

أوساط من المعارضة السورية تشكّك في جدوى سياسة ترامب ونجاعتها حيال القضية السورية، وفي مدى استفادة السوريين منها

وهناك اعتقاد لدى سوريين كثر يفيد بأن اختلاف الإدارات في الولايات المتحدة الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية، لن يجلب الخير أو السلام إلى السوريين. ويسود هذا الاعتقاد لدى بعض القوى السياسية وقوى الأمر الواقع أيضاً، لكنها مع ذلك تراقب عن كثب ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما مواقف النظام ومؤيديه، فتتمحور حول الإطمئنان إلى أن النظام باقٍ في السلطة، مهما اختلفت الإدارات الأميركية وتعاقبت، حسبما أثبتت التجربة، وهذا هو الأهم بالنسبة إليهم، لكنهم لا يخفون تفضيلهم فوز بايدن على ترامب في الانتخابات المقبلة، لأنه أقل تشدّداً حيال النظام الإيراني الداعم الأكبر لنظامهم.
ويخطئ كل من يراهن على نتائج الانتخابات الأميركية، لأن وصول رئيس أميركي جديد لن يفضي إلى أي تغيير جوهري في الموقف الأميركي في ما يخص القضية السورية، إذ يتمحور موقف إدارة ترامب، بشكل عام، على محاربة “داعش”، ومواجهة القوى المنافسة للولايات المتحدة على الأرض السورية، ما يعني السعي إلى إنهاء النفوذ الإيراني فيها بالتفاهم مع إسرائيل، ومحاولة إرغام نظام الأسد على تغيير سلوكه، إلى جانب دعم القوى الكردية المسيطرة على منطقة شرقي سورية، وبناء توافقات بين القوى الموجودة فيها.
في المقابل، لا تختلف مواقف بايدن كثيراً عن مواقف منافسه حيال القضية السورية، إذ ركّز في برنامجه على استعادة الانخراط دبلوماسياً في هذا الملف، وعلى دعم القوى الحليفة، والإبقاء على وجود القوات الأميركية في شمال شرقي سورية، بوصفه وسيلة ضغط على نظام الأسد. إضافة إلى أن إدارته ستمنع الدعم لإعادة إعمار سورية حتى يوافق النظام على وقف “الأعمال الوحشية” التي يرتكبها، مع إعلانها الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض.
وإذا كان مهماً لنا، نحن السوريين، معرفة مدى وكيفية تعامل المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة مع قضيتنا، إلا أن علينا الأخذ بالاعتبار أنها لا تمثل أولوية للسياسة الخارجية الأميركية بشكل عام، ولا يؤثر الموقف منها على نتائج الانتخابات، وأن من سيعتلي كرسي الرئاسة على أهميته لا يحدّد وحده المواقف والسياسات الخارجية، كونه يخضع لجملة من الاعتبارات والعوامل، وفي مقدمتها المصالح الأميركية والشركات الكبرى، ومجموعات الضغط واللوبيات المؤثرة عل صانع القرار.
وتخفي مواقف السوريين من الانتخابات الأميركية المقبلة كثيراً من الأماني، ومن انسداد الأفق السياسي، إضافة إلى تبعات استمرار الوضع الكارثي وخيبة الأمل والإحساس بالعجز، والتعويل على الآخرين. لكن ذلك لن يؤثر في السياسة الخارجية الأميركية التي تُرسم وفقاً لحسابات أميركية قبل أي شيء.

 

 

 

الكاتب:عمر كوش – المصدر: العربي الجديد