الانسحابات التركية من مناطق نفوذ النظام: اتفاقات تركية – روسية جديدة وإعادة التموضع والانتشار في مواقع أخرى ضمن منطقة “خفض التصعيد”

55

على الرغم من تصريحات أنقرة المكثفة ومطالبتها المتكررة بانسحاب قوات النظام السوري من جميع المناطق التي سيطرت عليها منذ أبريل 2019، وتوعدها بإخراجهم منها بالقوة، ورفضها منذ أيام معدودة الطرح الروسي بتخفيض عدد وحدات المراقبة التركية في مناطق النظام، إلا أن الوضع تغير الآن على أرض الواقع، ففي هذا الإطار كشف المرصد لحقوق الإنسان 19/10/2020 قيام القوات التركية المتمركزة في نقطة المراقبة التركية التاسعة في “مورك” بريف حماة الشمالي الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري بتفكيك معداتها وتجهيز أمتعتها والانسحاب من النقطة التي تعد أكبر نقطة عسكرية لها في ريف حماة الشمالي، والتي تتواجد فيها منذ نحو عامين و4 أشهر، حيث اتجهت الأرتال التركية للانتقال إلى جبل الزاوية الذي يبعد عن نقطة “مورك” حوالي 40 كم، وفي سياق متصل ترى القوات التركية بأن النقطة التاسعة لم يعد لها أهمية في الوقت الراهن، بالرغم من عدم وجود تصريحات تركية أو روسية رسمية بشأن هذه الانسحابات وهل ستستمر في باقي نقاط المراقبة التركية.

خريطة توزيع مناطق التواجد التركي في منطقة “خفض التصعيد”:

ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري فإن تعداد النقاط التركية في منطقة “خفض التصعيد” بلغ إلى 68 نقطة، تشمل: صلوة وقلعة سمعان والشيخ عقيل وتلة العيس وتلة الطوقان والصرمان وجبل عندان والزيتونة والراشدين الجنوبية وشير مغار واشتبرق، بالإضافة إلى نقاط مستحدثة وهي: عندان والراشدين ومعر حطاط، ونقاط في سراقب والترنبة والنيرب والمغير وقميناس وسرمين ومطار تفتناز ومعارة النعسان ومعرة مصرين والجينة وكفركرمين والتوامة والفوج 111 ومعسكر المسطومة وترمانين والأتارب ودارة عزة والبردقلي ونحليا ومعترم وبسنقول والنبي أيوب وبزابور وباتبو وكفرنوران والأبزمو ورام حمدان والجينة وبسنقول والمشيرفة وتل خطاب وبداما والناجية والزعينية والغسانية والكفير والبرناص وبداما وأريحا وجنة القرى وبسامس وقمة تل النبي أيوب والقياسات وقرب بسنقول ومعراتة ومرعيان ومنطف ومحمبل وتل أرقم وقوقفين، ويذكر أن من بين هذه النقاط 14 نقطة ضمن مناطق النظام.

انسحابات تركية مرتقبة

وقد أشار المرصد في سياق متصل 20/10/2020 إلى أن القوات التركية تواصل تحضيراتها للانسحاب من نقاطها العسكرية الأخرى المتواجدة ضمن مناطق النظام السوري في ريفي حماة وإدلب، وذلك وفقاً للاتفاق الروسي – التركي، حيث تواصل تفكيك معداتها وحزم عتادها في كل من: شير مغار وبريفي حماة الشمالي والغربي، والصرمان وتل الطوقان والترنبة ومرديخ ومعر حطاط ونقطة شرق سراقب التي تقع في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، وسط معلومات عن انسحاب مرتقب للأتراك من نقاطها في ريف حلب ضمن مناطق النظام أيضاً وفقاً للاتفاق مع الروس.

أسباب الانسحابات التركية:

يمكن إيعاز الانسحابات التركية الأخيرة من مناطق سيطرة النظام إلى رؤية أنقرة المتمثلة في أن هذه المناطق أضحت عبئًا على الأتراك في سوريا، لاسيما مع عدم مشاركتها في عمليات الدفاع أو الهجوم، كذلك ترغب أنقرة في مبادلة المناطق التي انسحبت منها والتي لم تعد مجدية وفقًا لرؤية الجانب التركي بمناطق أخرى في سوريا ترى أنها تفوقها من حيث الأهمية الإستراتيجية، فليس من المنطقي أن تتخلى تركيا عن ورقة مهمة، إلا إذا كان في سبيل بقعة جغرافية أخرى، أو تعزيز وجودها في منطقة أخرى، ودليل ذلك ما رصده المرصد 20/10/2020 من دخول رتل عسكري تابع للقوات التركية نحو منطقة “بوتين – أردوغان”، عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمالي إدلب، واتجاهه نحو منطقة جوزف بجبل الزاوية” التي تتبع مناطق المعارضة، ويذكر أن الطائرات الروسية صعدت الموقف بالتزامن مع الانسحاب التركي فقد نفذت 4 غارات جوية في أجواء جبل الزاوية، إضافة إلى مهاجمة قوات النظام للشاحنات المستأجرة لنقل معدات النقطة التركية في مورك، حيث دخلت شاحنات سورية من منطقة الترنبة وتوجهت إلى سراقب للوصول إلى الطريق الدولي دمشق-حلب “m5، وهو ما أسفر عن مقتل سائق شاحنة على الطريق الدولي بالقرب من مدينة سراقب؛ مما يشير بدوره إلى احتمالية حدوث تصعيد عسكري مستقبلي، بالإضافة إلى وجود تفاهمات جديدة تركية – روسية غير معلنة ترتبط بتسويات لعدد من الملفات المتداخلة والمتقاطعة بين الدولتين في مناطق جغرافية متباينة كملف ناغورني قره باغ، والمباحثات العسكرية 5+5 في ليبيا وسرت –الجفرة، وفوز المرشح الموالي لتركيا في شمال قبرص، وكذلك اكتشافات الغاز في البحر الأسود والتي بلغت 450 متر مكعب، وملف شرق المتوسط، علاوة على الاتفاق التركي الأوكراني الأخير.
وقد أفضت هذه الانسحابات والتحركات للقوات التركية إلى عدد من النتائج تمثلت في: إعادة التموضع والانتشار للقوات التركية في منطقة “خفض التصعيد” فقد تابع المرصد 19/10/2020 تدفق الأرتال العسكرية التركية للمنطقة، ومنها رتل يضم نحو 75 آلية محملة بالمعدات اللوجستية والعسكرية، حتى وصل عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 7265 آلية، بالإضافة لآلاف الجنود، وبذل يرتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة “خفض التصعيد” خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر فبراير/شباط 2020 وحتى الآن، إلى أكثر من 10600 شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات و”كبائن حراسة” متنقلة مضادة للرصاص ورادارات عسكرية مما يشير لترتيبات عسكرية جديدة، كما يعني الوضع الجديد صعوبة الحديث عن عودة قوات الأسد إلى حدود سوتشي، وعلى ضوء ذلك لا يتوقع أن تقدم موسكو تنازلات خاصة بالبعد الجغرافي في سوريا لأنقرة، كذلك أضحى مصير 4 مليون نازحًا مجهولاً في ظل هذه التحركات الجديدة.
وأخيرًا يمكن القول بأن تركيا ترمي إلى إعادة التموضع والانتشار في سوريا لتحقيق مصالح بعينها لم يتم الإعلان عنها في الوقت الراهن ولكنها ستظهر مستقبلاً سواءً في إطار تصعيد عسكري جديد أو في إطار التفاهمات الروسية التركية، لاسيما وأن أنقرة لديها الرغبة بالسيطرة على الشريط الحدودي لها من المنطقة الممتدة من جسر الشغور وصولاً إلى منطقة عملية “درع الفرات”.