التغريبتان: الفلسطينية والسورية

18

25478162016588411_30300

المأساة الأكبر في وجدان وضمير العرب المعاصر هي القضية الفلسطينية وما حصل من توابع مأساوية جراء الاحتلال الغاشم لفلسطين من قبل إسرائيل، وقتلها أبناء الشعب الفلسطيني واعتقالهم ظلما وبهتانا.
وحصلت للشعب الفلسطيني موجات تلو موجات من التهجير القسري والتشريد والتغريب حول العالم حتى باتت تعرف بالتغريبة الفلسطينية، سنوات طويلة من الظلم والقهر على أيدي عدو لا يرحم تسانده قوى الشر حول العالم، يخالف كل العهود والأعراف والقوانين لمواصلة جبروته وطغيانه، وكان نتاج كل ذلك هذا التشريد المهول للشعب الفلسطيني في الشتات المنتشر حول العالم.

وها هي أيدي القتل وآلة الموت تعاود عملها مجددا ويستمر مسلسل الظلم الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وهذه المرة بحق شعب غزة الذي يواجه عقوبة جماعية، فتدك المباني بأعتى السلاح محطمة البيوت على من فيها قاتلة الناس لا تفرق بين صغير وكبير.

تفعل إسرائيل كل ذلك العمل الإجرامي وهي متأكدة أن لديها رخصة عالمية للقتل، وحقا ممنوحا لها بإراقة الدماء بذريعة {حقها في الدفاع عن نفسها} وهي وقاحة غير ممنوحة لأي جهة أخرى حول العالم اليوم، اللهم إلا باستثناء النظام الأسدي الذي يمارس القتل في شعبه بشكل همجي ووحشي متواصل لمدة تزيد على الثلاث سنوات بشكل متواصل مريب وغريب وغير مسبوق، دمرت فيها المدن وقتل مئات الآلاف وتم أيضا تشريد وتهجير وتغريب الملايين من السوريين إلى شتى بقاع العالم حتى باتت هناك تغريبة جديدة على العرب التعامل معها بواقعية حقيقية وهي التغريبة السورية.

الشيء المدهش أنه اليوم توجد مدن فلسطينية وسورية تدك بالقنابل والصواريخ والمدفعيات والدبابات والطائرات من نظامي إسرائيل والأسد ولا يجرؤان على مواجهة بعضهما على الرغم من وجود (رسميا على أي حال!) حالة حرب بينهما وأراض محتلة (هضبة الجولان). ولكن الواقع يقول عكس ذلك، إذ أن نظام الأسد لا يسمح بمرور أحد من خلال حدوده مع إسرائيل للقتال، بل إنه تحول فعليا إلى حام وحارس للحدود مع إسرائيل والآن تنضم إليه قوات تنظيم حزب الله الإرهابي التي كانت تروج لنفسها عبر أبواقها الإعلامية أنها قوات مقاومة وممانعة لتصبح فعليا بندقية للإيجار وميليشيات مأجورة لحماية نظام يقمع شعبه.
إسرائيل والأسد {فعليا} و{عمليا} مشتركان في نفس المشهد بقتل الشعب العربي بشكل وحشي وبغطاء كامل من المجتمع الدولي. لم يكن رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد مخطئا حينما قال لنيويورك تايمز {أمن سوريا من أمن إسرائيل} ولم يخطئ حسن نصر الله حينما قال: {سندافع عن نظام الأسد إلى آخر الطريق}، وأكد كل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله {بقاء نظام الأسد أفضل لأمن إسرائيل}.
إنه الاتفاق على المصالح والتصريح عنها بشكل لا يقبل اللبس ويكون الحكم بما يجري على أرض الواقع لا عن طريق تعليق الشعارات وترديدها في خطب وتصريحات.
ليس من باب المصادفة أن يكون القصف الهمجي حاصلا بشكل وحشي على كل من حلب وغزة، فالهدف واحد والغاية مشتركة. حجم المأساة مهول، التغريبة الفلسطينية تلحقها الآن تغريبة لا تقل عنها بالسوريين حول العالم. هؤلاء لن يعودوا لسوريا التي يحكمها الأسد، سنخسر عقولا وآمالا وأحلاما وأموالا ستذهب لمن يستحقها ويقدرها، هناك آلاف من قصص النجاح الفلسطينية في المهجر وستلحقها كذلك قصص نجاح للسوريين فهم شعب مبدع وعملي بطبعه، وقادر على تحقيق النجاح أينما كان.
العدو واحد والغاية واحدة ولكن المأساة عظيمة جدا والإحساس بالعجز تجاه تلك المأساة أعظم.

جسين شبكشي