التقارب المصري التركي.. براغماتية سياسية ضحيتها “الإخوان”؟

60

بعد سنوات من القطيعة، تلوح في الأفق بوادر عودة الدفء للعلاقات المصرية التركية. ورغم أن هذا التقارب حتمته مصالح مشتركة، إلا أن الأنظار تتجه الآن إلى تأثير ذلك على المعارضة المصرية في تركيا وتحديدا “جماعة الإخوان المسلمين”

”عهد جديد”، وصف أطلقه وزير الخارجية التركي، مولوود تشاووش أوغلو، على شكل العلاقات التركية المصرية الجديدة، وذلك خلال إعلانه عن فتح أبواب الزيارات بين البلدين.

هذه الزيارات قد تضع حداً لسنوات من القطيعة بين القاهرة وأنقرة، بعد تدهور العلاقات بينهما منذ عام 2013 عقب إطاحة الجيش في مصر بالرئيس الأسبق محمد مرسي. وبلغ التوتر إلى حد سحب كل من تركيا ومصر سفيريهما وتجميد العلاقات بين البلدين. وأصبحت تركيا من بعد ذلك، وجهة ومقرا للمعارضة المصرية الممتثلة بالدرجة الأولي بـ”جماعة الإخوان المسلمين”.

ولهذا فإن التطور الجديد في العلاقات المصرية التركية يطرح تساؤلاً مهماً حول مصير المعارضة المصرية في تركيا.

ردود أفعال متحفظة

سيطر خطاب محافظ حذر على موقف المعارضة المصرية الإسلامية والليبرالية تجاه الخطوات التركية، فقد صرح نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير، للجزيرة مباشر، أن الجماعة لن تقف أمام من “يحقق الخير”، حين تم سؤاله عن احتمالية حدوث تقارب تركي مصري وإمكانية القبول بتركيا وسيطا لتقريب وجهة النظر أو المصالحة مع النظام، معبراً عن أمله بألا تغير تركيا نهجها بحق المعارضة.

فيما لم يستبعد المعارض المصري ذو التوجه الليبرالي أيمن نور، أن تحرص تركيا على أن تكون وسيطاً نزيهاً في حل الأزمة، من خلال ما أسماه “وجهها الحقوقي والسياسي”.

ولكن يمكن التأكيد أن الرغبة المتبادلة بين البلدين بتحسين العلاقات، أدت إلى تحريك المياه الراكدة، وإثارة القلق لدى المعارضة المصرية في الخارج، وهذا الذي كان واضحاً في بعض غرف نقاش المعارضة على تطبيق “كلاب هاوس”، إذ ذكر بعضهم “أن لديه تخوفات وقلق على عائلاتهم المقيمة في تركيا”.

“لن تتأثر المعارضة

وصف الصحفي والباحث في الحركات الإسلامية أحمد سلطان، في مقال له، أن جماعة الإخوان تحولت من لاعب فاعل من دون الدول إلى “أداة صراعية” توظف ضمن الأدوات السياسية الخارجية التركية. وبهذا فإن الباحث يسلط الضوء على ما يمكن وصفه بـ “استغلال تركيا لورقة اللعب” المتمثلة بالإخوان، أثناء مناقشاتها للتقارب مع النظام المصري. فقد لجأ أردوغان إلى ما أسماه الكاتب بـ”تتريك الإخوان” كوسيلة لإيجاد صيغة رسمية تضفي الشرعية على وجودهم في تركيا، وذلك من خلال تسهيل إجراءات حصولهم على إقامات.

 هذه الإجراءات جعلت الحديث عن مستقبل المعارضة والإخوان بالتحديد في تركيا أكثر تعقيداً ويتأرجح بين من يرى أن تغييرات جذرية سوف تطرأ على وضع المعارضين، وبين من يؤمن أنه لن يكون لهذا التقارب أي أثر يذكر.

في هذا السياق يرى المعارض المصري، الذي لديه علاقات طيبة مع صناع القرار في تركيا، أحمد البقري لـDW عربية، أنه لم تتم مناقشة ترحيل أو تسليم أي من المعارضين، وبالتالي فإنه لن يكون هناك أي تأثير حقيقي على المعارضة الموجودة في تركيا، خاصة أنها ليست فقط من الإسلاميين بل يوجد معارضين ليبراليين، ولم يطلب بشكل رسمي أو غير رسمي خروج المعارضة من تركيا، حسب تعبيره.

فيما يعتقد المحلل المصري طارق فهمي، في حديثه مع DW عربية، أن التقارب التركي المصري، والتشديد على القنوات الإعلامية المعارضة سوف يدفع الإخوان إلى البحث عن بديل آخر، متوقعاً أن تكون الوجهة الرئيسية لندن وبعض الدول الآسيوية، ومشيراً إلى أن سيناريوهات جديدة صفرية تنتظر الإخوان، وستكون كلفة هذا التقارب عليهم شديدة.

هل ستلعب تركيا دور الوسيط؟

رغم ترحيب نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والقائم بأعمال المرشد العام، إبراهيم منير، بأية وساطة بينهم وبين النظام المصري، إلا أن هذا يبدو بعيد المنال، فكما يذكر البقري، فإن النظام المصري ”لا يستمع لأحد رغم بعض النصائح التي شجعته على وقفحملات الاعتقال والقتل داخل السجون وفتح مساحة التعبير عن الرأي”، مضيفاً أن الحكومة المصرية تقف الآن أمام ملفات سياسية شديدة الحساسية، وبالتالي فهي لن تسمح بمزيد من “الإزعاج الداخلي أو الخارجي”، وبالتالي لن تكرر تجربة مبارك السلبية في فتح أبواب مع المعارضة، ولن تكون هناك أية عودة إلى ما قبل عام 2011، وفق رأي أحمد البقري.

فيما يرى فهمي أن التقارب لن يحدث بين النظام والإخوان، بسبب ما أسماه “استمرار الإخوان بتبني خيارات العنف والمواجهة ومحاولة اللعب على كافة الجهات”، ولهذا فإن أي حل بين الطرفين يجب ـ من وجهة نظر فهمي ـ أن يكون بمراجعة الإخوان لمواقفهم والعودة إلى مصر وإبداء نوايا إيجابية، والذي لم تفعله الجماعة حتى الآن، ولازالت تطرح أفكاراً غير واقعية، ومستمرة في هجومها على النظام المصري.

“هدف براغماتي”

يتفق كلاً من البقري وفهمي أن التقارب بين البلدين يعود إلى سياسات تركيا في إقليم شرق المتوسط،والملف الليبي بالتحديد، فيما يؤكد المحلل فهمي على أن السياسة التركية قائمة على الأفكار “البارغماتية الواقعية”، مشدداً أن أنقرة ستكسب كثيرا فيما يتعلق بملفات التنسيق الأمني واللوجستي مع القاهرة، إذ تعتبر الأخيرة مدخلاً حقيقياً لتركيا في المنطقة.

ولازالت الاتصالات بين البلدين على مستويات سياسية متوسطة ولم تصل إلى المستوى الرئاسي حتى الآن، بيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن عن ترحيبه وأمله بتواصل المساعي مع الطرف المصري بشكل أكبر.

 

الكاتب: مرام سالم

المصدر: DW