التلويح بعملية عسكرية في شمال سوريا.. ماذا تريد أنقرة؟

25

كررت تركيا، الأربعاء، على لسان الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم قالن، التلويح بقرب شن عملية عسكرية في شمال سوريا، وفيما تزعم أنقرة إنها تسعى لدفع من تصفهم بـ”الإرهابيين” بعيدا عن حدودها، يشير مراقبون إلى أن أهداف العملية المزمعة ترتبط بملفات أخرى.

وتأتي هذه تصريحات قالن تأكيدا لما أعلنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الأسبوع الماضي، بأن أنقرة “لن تطلب مطلقا إذنا للعملية العسكرية ضد الإرهاب”.

وذكر تشاوش أوغلو بأن تركيا “علقت” عملياتها في شرق سوريا في أكتوبر 2019 “بعد وعود أطلقتها الولايات المتحدة وسوريا”.

ونص اتفاق وقع عام 2019 برعاية واشنطن وموسكو، على انسحاب القوات الكردية إلى مسافة 30 كلم من الحدود التركية.

وتنظر تركيا إلى “قسد” وعنصرها الرئيسي “وحدات حماية الشعب ” (YPG)، على أنها امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية، وهو ما تنفيه “قسد” التي تعد من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في الحرب على داعش بسوريا.

“منطقة عازلة”

يقول المحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو إن أهداف العمليات العسكرية التركية”من غصن الزيتون، إلى درع الفرات، ونبع السلام، جميعها كان لها أهداف محددة بمنع وجود أي تواصل بين الإرهابيين في أقصى شمال سوريا بنظرائهم في أقصى شمال العراق”.

وأوضح أوغلو في حديث لموقع “الحرة” أن تركيا تريد منطقة عازلة تبعد “خطر الإرهابيين عن حدودها بنحو 30 كلم داخل الأراضي السورية، حتى يتسنى لها التعامل مع التحديات الداخلية في تركيا، خاصة مع اقتراب انتخابات هامة مصيرية داخل البلاد”.

ويرى المحلل السياسي الكردي، إبراهيم كابان، أن العملية التركية التي يجري التلويح بها، جزء من “مشروع تركي توسعي في شمال سوريا وحتى العراق”، يتجاوز التحركات العسكرية إلى “إحداث تغيير ديمغرافي وإجلاء الأكراد من مناطقهم بما يخدم مصالحها”.

ويشرح كابان المقيم في ألمانيا، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن أنقرة لديها “تفاهمات تتيح للنظام السوري والميليشيات الإيرانية وحتى موسكو بإحداث تغييرات ديمغرافية على حساب مناطق الأكراد”، إذ إنها لا “تريد بأي شكل من الأشكال وجودا كرديا على حدودها”.

المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، وصف هذه العملية العسكرية المتوقعة بأنها “متعددة الأهداف”، وتسعى لـ”منع إحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة، خاصة مع تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يريدون العودة لمناطقهم التي أصبحت آمنة”.

ويشير الباحث السياسي المختص في الشأن التركي، سعيد الحاج، في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أنه لا يمكن النظر للعملية العسكرية بمعزل عن “الانتخابات الرئاسية المصيرية التي ستجرى في تركيا في 2023، حيث يوجد جدل كبير في الداخل التركي في ما يتعلق بملف اللاجئين السوريين”.

“الحوار” لحل المشاكل

وكانت الولايات المتحدة الأميركية عارضت أي هجوم تنوي تركيا شنه على مناطق شمال وشرق سوريا، معتبرة أن من شأن أي عمل عسكري تركي “أن يهدد استقرار وأمن المنطقة”.

وحذرت واشنطن أنقرة  من أن “هكذا تصعيد يعرض للخطر أرواح العسكريين الأميركيين المنتشرين في المنطقة”، بحسب تصريحات أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس في أواخر مايو الماضي.

من جهة أخرى عارضت إيران في عدة تصريحات لها العملية العسكرية التركية، بينما ناورت روسيا وأعرب عن “قلقها” على لسان كبار مسؤولي الخارجية والدفاع.

شرفان درويش، قيادي في قوات سوريا الديمقراطية كشف في تصريح لموقع “الحرة” أن “قسد ستقوم بكل ما يلزم لعدم نشوب حرب مع أي طرف من الأطراف، خاصة بعد هذه السنوات الطويلة من الحرب في سوريا”.

وأضاف أنهم “يشجعون على التوصل لأي حلول سياسية وحل المشاكل بالحوار، ولكنهم في حال وقوع الحرب واحتلال أراضيهم” فإن “قسد ستقاوم بما لديها من خبرات وتجهيزات عسكرية” للدفاع عن مواقعها.

وفي منتصف يوليو حث القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، موسكو وطهران على منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها بشن هجوم جديد في شمال سوريا.

الباحث والمستشار السياسي المتخصص بالشأن التركي، باسل الحاج جاسم يرى أنه ليس أمام قسد “سوى العودة إلى واقع ما قبل عام 2011 بعودة سيطرة النظام في دمشق على كل المناطق”، مشيرا إلى أن “قسد استفادت من الحرب على داعش ووضعت عدة مناطق تحت سيطرتها”.

ويؤكد جاسم في حديث لموقع “الحرة” أنه لن يكون “أمام موسكو وطهران سوى خيار غض الطرف عن عملية تركيا العسكرية في حال لم تسلم قسد هذه المناطق لحكومة دمشق”، خاصة وأن جميع هذه الأطراف تتفق على مبدأ “وحدة أراضي سوريا”.

ولم يصدر أي موقف رسمي من دمشق، التي تتهم الأكراد المتحالفين مع واشنطن بالسعي نحو الانفصال، الأمر الذي ينفونه.

وستسعى “تركيا لاستخدام ملفات سياسية أخرى من أجل الضغط على القوى الدولية” لغض النظر عن عمليها العسكرية وفق المحلل الكردي كابان، إذ إنها “ستسخدم ورقة الضغط في مسألة قبول فنلندا والسويد في عضوية حلف شمال الأطلسي الناتو”، رغم أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحتى روسيا وإيران أعربوا عن قلقهم من هذه العملية العسكرية.

وأضاف كابان أنه “حتى الآن تركيا لا يوجد لديها ضوء أخضر يتيح لها بدء عمليتها العسكرية”، مشيرا إلى وجود أصوات في الداخل التركي ترفض ذلك أيضا.

“قمة طهران”

وقال المحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو إن التصريحات التي صدرت من قمة طهران تؤكد أن روسيا وإيران أبدت امتعاضها من “القيام بالعملية العسكرية”، ولكن تركيا طالبتهم بتقديم دعمهم الكامل من أجل “القضاء على الإرهاب بالأفعال وليس بالتصريحات فقط”، وهو هدف يتفق عليه الجميع.

وقال إن الفترة المقبلة ستشهد “تنسيقا تركيا روسيا أكبر في هذا الملف، وقد تستطيع موسكو تجنب العملية العسكرية من خلال التوصل لتفاهمات لإبعاد خطر الإرهابيين عن الحدود التركية”.

ويشير الباحث السياسي، باسل الحاج جاسم إلى أن تركيا تنظر لهذه العملية العسكرية على أنها ترتبط بـ”أمنها القومي، إضافة لارتباطها بملف إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم”.

وزاد أن “مزيدا من السيطرة التركية في الجغرافيا السورية، يعطي أنقرة أوراق ضغط سياسة أكبر عندما تحين لحظة طاولة الحل السياسي النهائي” للأزمة السورية.

ويرى الباحث، سعيد الحاج أن هذه العملية العسكرية دفعت بقوات سوريا الديمقراطية إلى “إعادة التموضع، وإجراء تحركات لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الداعمة لها من جهة، وتعزيز علاقاتها مع النظام في دمشق من جهة أخرى”، مؤكدا أنه لا أحد من القوى الفاعلة في الداخل السوري “من روسيا وإيران” يدعمان العملية العسكرية.

ونفذت تركيا منذ 2016 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا على حدودها الجنوبية استهدفت فصائل وتنظيمات كردية كما أطلقت هجوما مطلع العام 2020 ضد قوات النظام السوري.

 

 

 

 

المصدر: الحرة

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.