الثورة فكرة والفكرة لا تموت.. ثورة سورية بذكرى مؤلمة لكنها حيّة

89

12 عاما مرت على ثورة سورية ولا تزال خيوط الحلول تتأرجح بين المتحكمين في ملفها.. الاستقرار في سورية بات كابوسا لدى عديد الأطراف المتغذية من الصراع والدم، واستمرار الصراع أصبح أمل تجّار الحروب لمزيد جمع الثروة في ظلّ غياب الدولة بمؤسساتها وقياداتها.

لا يمكن أن ينعم شعب بمسار تصحيحي وقرارات تخرج بلاده من عنق الزجاجة والفوضى، بينما دوّامة العنف مستمرّة رغم تراجعها نسبيا، والسلاح لا يزال  منتشرا في كل بقاع سورية، والبلاد مقسّمة بين شمال وجنوب وشرق وغرب، كل منطقة يحكمها طرف و”تحرسها” قوات أجنبية وبلد غربي يدّعي التدخّل الإيجابي لـ”تصحيح” الثورة التي تحوّلت إلى أكبر حروب القرن الحالي من حيث حجم الدمار والخراب وآلة القتل والتجنيد والاستغلال والتدمير الممنهج لمؤسسات الدولة.. السوريون الذي ثاروا سلميا واحتجوا لتأمين حياة حرّة ونظام ديمقراطي والعيش بأمن وسلم اجتماعي وعدالة لم يتخيّلوا يوما أن يتحوّل الصوت الصافي النقيّ  إلى آلاف الشهداء والضحايا والجرحى والمعتقلين والمغيّبين قسريا والمختفيين والمختطفين، ولم يتخيّلوا أن تتحوّل بلادهم  إلى ميدان لحرب بالأسلحة المحرّمة دوليا والممنوعة تقودها جيوش أجنبية تتوزّع جغرافيا بإحكام  ودراية من قبل قيادييها، فأن تختار الولايات المتحدة الأمريكية الشمال السوري بتعلّة دعم الأقليات فذلك ليس صدفة أو اعتباطا بل كان مدروسا ومحكما لأهداف بعيدة المدى.

 لم يكن التدخّل الروسي والإيراني الثنائي بدوره صافيا لدعم النظام السوري ومنعه من السقوط بل كان لموسكو وطهران أهداف خبيثة ومرعبة، وما عاث فيه الطرفان من فساد وغوص ناعم في سرايا الواقع السوري دليل بارز وكاف.

لقد جاء التدخّل العسكري الروسي لحماية النظام السوري، في حين رجحت الفصائل المعارضة كفّة العمل المسلّح واتباع استراتيجية “الاستنزاف” كخطة للإطاحة بالنظام لكن تلك المراهنة كلّفت البلاد والشعب  السوري جروحا لم يقدر على معالجتها بعد مرور اثنتي عشرة سنة مريرة، وحدثت تلك المآسي على شاكلة فقدان أب أو أخ أو ابن أو عائلة بأكملها ، وتشريد الملايين في ظروف أحاط بها الموت والألم والدم  من الأبرياء أطفالا ونساءً ومدنيين عزّلا ولاحقهم الرعب أينما كانوا.. فأن تكون عائلة مجتمعة ويسقط سقف المنزل فوق رؤوسها في قصف عشوائي فذلك أقسى مشاهد الرعب والفزع والإرهاب.

ولم يكن التدخّل الروسي منحصرا في الحفاظ على النظام السوري بل كانت أهداف بوتين أبعد من ذلك  وتتمثل في السعي إلى دخول الشرق الأوسط من الباب السوري لملء الفراغ الجيو سياسي والتمركز في المنطقة بعد استعادة نفوذها  بالدائرة السوفياتية السابقة وجعل موسكو مؤثرا دوليا وطرفا في  اللعبة الدولية بالشرق الأوسط.. اليوم – وانطلاقا من النزاع السوري- وجدت روسيا  نفسها عنصرا مؤثرا في المنطقة لدرجة أنها باتت تتحكم في الحلّ السوري رفقة شركائها من الإيرانيين و”أعدائها ” من الأمريكيين، وتسعى بكل قواها إلى ترسيخ سيطرتها خاصة مع إبداء بلدان عربية رغبتها في مساهمة روسيا في حل النزاع السوري وغيره.. هذه العوامل  تدفع موسكو  إلى مزيد التمدد برغم الاتهامات الموجهة إليها  باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا في سورية، حيث  اتهمتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2016 باستخدام أسلحة عنقودية في هجماتها ضد مناطق المعارضة، وغيرها من التصرفات العدوانية تجاه السوريين المعارضين.. فأن تكون معارضا  فتلك تهمة وذنب لا يغتفر، وهو ما يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية التي تدعو إلى حق الاختلاف وحماية حرية الرأي والتعبير والمعتقد، لكن المستبد لا يمكن أن يؤمن بهذا المفهوم الشاسع والغني.

أما إيران فكان تدخلها أخطر على غرار التركي ، فهما يعملان لهدف واحد بعقليتين مختلفتين وعقيدتين  تتقاطعان، لكن العلّة واحدة وهي إحداث ذلك التغيير الديمغرافي الخطير، في محاولات لقضم الأراضي السورية من الشمال على مثل ماحدث مع مقاطعة عفرين بتعلة حماية الأمن القومي ، وهو تماما ما يسعى إليه الفرس من جهتهم بتغيير التركيبة السكانية ضمن العلويين لتقريبهم من الشيعة الإمامية، الشكل المهيمن في طهران، حيث أقدمت إيران على بناء مزارات شيعية ومراكز تلقين اللغة وغيرها، إضافة إلى  نشر المخدرات وجعل سورية عاصمة دولية للكبتاجون وباتت دير الزور منطقة استراتيجية لإيران تربط مصالحها بين العراق وسورية ولبنان وتقوم عبرها بتهريب الأسلحة والمخدرات. 

 لا يمكن اختصار 12 عاما من الثورة في صفحة، لكننا نحاول التنبيه إلى أخطر ما عاشته الثورة السورية من تقلبات أفشلت المسارات المختلفة التي سجّلتها مختلف الأطراف ومن بينها القرارات الدولية التي بقيت مجمّدة، وكان ما ذكر سالفا سببا من الأسباب  حيث لا يمكن أن يتّفق أبناء شعب واحد بينما التدخلات على أرض الواقع كثيرة وكل  يجذب الخيوط ناحيته لتحريك الوضع لصالحه وخدمة مصالحه الجيو استراتيجية وغيرها.

ويجدّد المرصد السوري إيمانه بأنّ الثورة حقيقة عاشها السوريون، برغم كل التقلّبات والتغيرات والمساعي المستمرة لإقصاء السوريين عن المشاركة في الحلول السلمية التي تنطلق من القرارات الدولية وهي مساعي لن تخدم الثورة بصوتها الحرّ ومطالبها الشرعية من حرية وكرامة وأمان.. كما يجدّد المرصد وعوده بدعم كل صوت سوري حرّ تم الزجّ به وراء القضبان وسجنه وتعذيبه والتنكيل به.. ويذكّر المرصد بأنه برغم الألم الذي  سببه مطلب الحرّية والديمقراطية لن ينسى السوريون من ضحوا بأجسادهم من أجل سورية حرة متعددة شامخة، ولن ينسى السوريون من غُيبوا قسريا دون أن يعرف أحد عن مصيرهم، وسيظلون شموعا تضيء درب كل تحرك حرّ  وسلمي.

ويؤكّد المرصد أنّ أصوات عبد العزيز الخير وخليل معتوق وحسين عيسو ورجاء الناصر وكافة السوريين المعتقلين، هي أمانة على عاتقه ودافع للاستمرار في الدفاع عنهم وتذكير السوريين بنضالاتهم الفذّة من أجل بلد حرّ، فلا حرّية دون عدالة ومحاسبة كل من أجرم في حق السوريين ونكّل بهم، وهذه ليست شعارات بل هي مطالب حقيقية لبناء عهد جديد ومجتمع حر ديمقراطي، على أنقاض الحقبة السابقة المليئة بالآلام والدم وعنف الدولة الذي مّس كل السوريين سواء بالتجويع والتفقير أو التنكيل والقتل والاستهداف المباشر وغير المباشر.

ويذكّر المرصد السوري بأنّ المحاسبة مهام سورية بدعم المجتمع الدولي الذي وجب أن يوفّر الأرضية الخصبة والآليات اللازمة لتحقيق ذلك المطلب السوري

ويجدّد المرصد تأكيده أنّ مسار التسليح قد أثبت خطورته وفشله وهو ما حذرنا  منه منذ بداية الثورة،  وقد حان الوقت بعد حجم الدمار المرعب للعودة  إلى لقرارات الأممية لفرض الحلّ السياسي خاصة أن البلد لم يعد له قوة للتحمّل أكثر إذ  انهار على جميع الأصعدة وفقد مقومات الحياة وأصبح أخطر البلدان وأفقرها وأكثرها عنفا.

 ويدعو المرصد ،السوريين إلى تجنب هذا التقاطع والانقسام لاعتبار أن مصلحة سورية تكمن في تجمّعهم حول راية واحدة مهما كانت الاختلافات عميقة باستثناء من تلوثت أياديهم بالدماء.

ويؤكد المرصد السوري أن طرق الحلّ ليست صعبة إذا اتفق الغيورون على سورية من كل الأطياف بعيدا عن أي ضغوطات خارجية.. فالثورة فكرة، والفكرة لا تموت وإن مات أصحابها.. وهكذا هي ثورتنا.