“الجمعية الخيرية الروسية”؟

47
يدأب المسؤولون الروس، أو الذين يدورون في فلك صانعي القرار في موسكو، على التأكيد أن لا مصالح لروسيا في سورية، وأن هدف موسكو من الوجود هناك ليس إلا مساعدة النظام على مكافحة الإرهاب واستعادة سيادة الدولة. آخر هذه المقولات جاءت في مقال فيتالي نعومكين، رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والذي يعد مقرباً من صانعي القرار في الكرملين، والذي خصّه للرد على ما راج أخيراً من أنباء حول استياء موسكو من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، واستعدادها لتغييره. 
نعومكين أكد زيف هذه الأنباء التي تبنتها مجموعة من المعارضين السوريين، الذين باتوا منتظرين من موسكو تغيير الأسد وإعطاءهم البلاد على طبق من فضة، أو على الأقل محاولة تلميع صورتها في المرحلة المقبلة، عبر إشراك أطيافٍ من هذه المعارضة في الحكم تحت رئاسة شخصية أخرى من دائرة النظام الحالي. المشكلة أن الكثير من هؤلاء المعارضين، وبعضهم في مواقع مسؤولية في كيانات المعارضة الكثيرة والمتفرعة، مقتنعون بأن مثل هذا السيناريو سيحصل، مسقطين أي منطق سياسي أو عسكري يبرره. فما هو الداعي لأن تقوم موسكو بتعديل الوضع الداخلي السوري الذي يسير على هواها، ويأتمر بأمرها؟ وما هو الذي يزعج روسيا حالياً من وجود المعارضة السورية، بل على العكس، تبدو موسكو حريصة على بقاء هذه الكيانات، السياسية والعسكرية، لتبرير مزيد من مد النفوذ في المنطقة. ووفق أي حسابات قوى إقليمية أو دولية قد ترضى موسكو بإشراك المعارضة في الحكم السوري؟ إلا إذا كان هناك في المعارضة من يصدّق كذبة اللجنة الدستورية، وأن لها نتائج في المستقبل، وتنعكس على شكل الحكم في سورية، أو أن هناك من يظن أن روسيا “جمعية خيرية”، وراعية للتحولات الديمقراطية في المنطقة.
بالتأكيد، روسيا ليست جمعية كهذه، حتى وإن حاولت الإيحاء بذلك. فنعومكين نفسه، في مقاله، أضفى طوباوية على الدور الروسي في سورية، فموسكو ليست هناك لكسب المال “بل لتزودها بقدر المستطاع بمساعدات اقتصادية إنسانية”، وذلك في محاولة لنفي أي دور روسي في الخلاف القائم حالياً بين رامي مخلوف ونظام بشار الأسد، والذي يرى كثيرون أنه ناتج عن حاجة النظام إلى أموال لدفعها إلى روسيا مقابل مساعدته على البقاء. وهو كلام له ما يبرره، وخصوصاً أن تكلفة التدخل الروسي في سورية باهظة، والنظام الاقتصادي الروسي لا يتحمل هذه التكلفة من دون مردود. وليس المقصود من المردود هنا توسع النفوذ، وهو حاصل لا محالة، ولم يعد بالإمكان إنهاؤه، بل المردود المادي الذي يوفر لموسكو القدرة على الاستمرار في دعم نظام الأسد. وفي ظل غياب أي ممول حقيقي لهذا التدخل، وخصوصاً في الظرف الاقتصادي الإيراني، فإن نظام الأسد عليه أن يدفع فاتورة بقائه، حتى لو شكلياً، وخصوصاً أن حدود صلاحياته وقراراته لم تعد تصدر من قصر المهاجرين.
في المقال نفسه، يمرر نعومكين مزايا “الجمعية الخيرية الروسية”، من دون أن ينسى الضرب على الوتر الطائفي في الداخل السوري، حين يشير إلى أن الشرطة العسكرية الروسية هناك هي من الجمهوريات الروسية “التي يعتنق أفرادها المذهب السني”، على عكس “الشرطة الموالية لإيران”. ما يعني أن هناك تخطيطاً روسياً لبقاء طويل الأمد، ومحاولة للدخول في نسيج المجتمع السوري، مع التذكير بقدرتها على التماهي مع هذا المجتمع، وهو ما يمكن أن يكون رسالة غير مباشرة إلى طهران، والتي ترى أنها الأقدر على البقاء في سورية، وأن روسيا لا شك ستغادر في يوم من الأيام. وهذا على ما يبدو، يفهمه صانعو القرار في الكرملين، ويعملون على دحضه.

 

 

 

 

 

 

 

الكاتب:حسام كنفاني – المصدر: العربي الجديد