الحوالات المالية وبيع السلة الغذائية تعين عائلات سورية للتكيف مع المعيشة المرتفعة 

46

مع وصول الأوضاع في الشمال السوري لحدود كارثية من غلاء كبير في الأسعار ويقابله انخفاضاً لمستوى الحد المتوسط في أجور اليد العاملة فضلاً عن عدم توفر فرص عمل وغيرها من الجوانب السلبية، يبقى السؤال عن السبل التي يتبعها المدنيون في تلك المنطقة لتأمين قوت يومهم الذي فاق بأضعاف المدخول أو العائد المادي اليومي أو الشهري للأفراد.
فخلال شهر رمضان الجاري وبعملية حسابية بسيطة تحتاج العائلة الواحدة المؤلفة من خمسة أفراد لمبلغ 150 ليرة تركية لشراء المواد التالية “كيلو باذنجان” و”كيلو كوسا” و”كيلو بندورة” و”لتر زيت نباتي” وربطتين من “الخبز” و”باقتي “بقدونس” و”نعنع”، وذلك من أجل تحضير وجبتي “الإفطار” و”السحور”، وبحال كان هناك فرد من هذه العائلة عاملاً فمتوسط أجرته تكون 25 ليرة تركية، ومن هنا يتضح الفرق الشاسع بين المصاريف اليومية للعائلة الواحدة ومدخولها المالي اليومي، فكان لابد من وجود طرق ووسائل يتخذها المدنيون في الشمال السوري لتأمين قوت يوم عائلاتهم وسط هذه الأسعار الباهظة.
بيع “السلة الغذائية” التي تقدمها بعض المنظمات الإنسانية للنازحين في المخيمات هي إحدى الوسائل الأبرز لسد جزء من الاحتياجات للعائلات شهرياً، وذلك بحسب ما يقول الشاب (أ.م) النازح في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي في حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ويقول، أن السلة الغذائية تختلف من منظمة لأخرى ولكن السلة التي يستلمها يقوم ببيعها بمبلغ 500 ليرة تركية بعد أن يُبقي منها ما يحتاجه.
مضيفاً، أنه يعتمد على هذا المبلغ في شراء الخبز بالدرجة الأولى وفي بعض الأيام يقوم بشراء خضار لتحضير الطعام علماً أنه لا يستطيع تأمين الخضار بشكل يومي واللحوم أصبحت بالنسبة له في المناسبات فقط، ومن جهة أخرى فإنه يستلم مبلغ 400 ليرة تركي من إحدى فصائل المعارضة المسلحة في “الجبهة الوطنية للتحرير” والتي تفرض عليه يومان في الأسبوع للتواجد على نقاط التماس مع قوات النظام والميليشيات المساندة له.
موضحاً بأن مجموع مدخوله الشهري لا يتخطى 1000 ليرة تركية بينما يحتاج لنحو ثلاثة آلاف ليرة تركية شهرياً، ولذلك فإنه يضطر للاستدانة من صاحب البقالة ودائماً هناك أكثر من 2000 ليرة تركية في “دفتر الديون”، ويجد صعوبة بالغة في تأمين احتياجات أسرته الشهرية المكونة من ثلاثة أفراد فقط.
ويشير أنه يعتمد أحياناً أيضاً على الحوالات المالية من أقاربه في تركيا أو على مساعدات أقاربه في الشمال السوري حتى يتمكن من توفير المعيشة لعائلته وعدم التوجه لطرق “غير شرعية” لتحصيل المصروف الشهري كالسرقة والاحتيال وتجارة الممنوعات وغيرها، ويؤكد بأن “السلة الغذائية” التي يشتريها اليوم الكثير من التجار ويبيعونها بسعر أعلى باتت ملجأ وحيد بالنسبة للكثير من العائلات التي تنتظرها لبيعها والاستفادة من ثمنها بشراء الأشياء الضرورية.
ومع بداية كل شهر يبدأ نشاط تاجر المواد الغذائية المقيم في منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي ( ح.ر) حيث يستقبل عشرات السلال الغذائية التي تضطر العائلات لبيعها، وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يقول، أنها باتت تجارته وعمله منذ أكثر من ثلاث سنوات حيث يقوم بشراء كميات كبيرة من السلال الغذائية وتخزينها ثم طرحها للبيع في الأسواق.
مشيراً، أن هناك نسبة كبيرة من العائلات النازحة من جميع المناطق السورية تعمد إلى بيع السلة الغذائية وغالباً تقوم العائلة بأخذ بعض المواد من السلة قبل بيعها لغلاء أسعارها مثل الشاي والسكر والأرز والزيت النباتي إن وجدت،  ويضطر النازحون لبيع حصصهم من السلة الغذائية لحاجتهم للمال من أجل شراء مواد ومستلزمات أخرى.
ويلفت إلى أن الأسعار تختلف بين كل فترة لكن في الآونة الأخيرة شهدت أسعار المواد التموينية في السلة الغذائية ارتفاعاً كبيراً، وبعد شراءه لهذه المواد وتخزينها يقوم ببيعها لتجار آخرين الذين يطرحونها في الأسواق وبيعها بالتجزئة، ويأخذ مرابح ليست بالكثيرة عن كل سلة غذائية.
ومن جهة أخرى، يعتمد جزء كبير من المدنيين من أصحاب الدخل المحدود في الشمال السوري من نازحين وسكان أصليين على الحوالات المالية من الداخل السوري والخارج ليتمكنوا من سد العجز الحاصل عن تأمين مستلزمات المعيشة اليومية.
وعن ذلك تتحدث السيدة ( ر.م) المقيمة في مخيم مخصص للأرامل في منطقة “مشهد روحين” في ريف إدلب الشمالي للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تقول، أنا تعيل أسرة مكونة من خمسة أطفال ولا تملك لهم مصدر دخل سوى ابن لها في تركيا وهو عامل في أحد معامل الخضار.
وتضيف، أنه يرسل لها مبلغاً يتراوح ما بين 500 إلى 1000 ليرة شهرياً وذلك بحسب ظروفه المادية وهذا المبلغ لا يكفيها لشراء الأشياء الغير أساسية فهي تقتصر على الخضار والخبز، وتتحصل بشكل متقطع على مساعدات من قبل المنظمات الإنسانية تستعين بها على تحمل أعباء وتكاليف معيشة أطفالها، مؤكدة أنها لم تكن لتتمكن من توفير المستلزمات لولا هذه الحوالات المالية الشهرية مع أنها لا تسد حاجة العائلة بشكل كامل لكنها تبقى أفضل من لا شيء “على حد تعبيرها”.
وأفادت مصادر محلية للمرصد السوري لحقوق الإنسان، بأنه وإلى الآن لا تزال تجري عملية بيع عقارات تعود ملكيتها للنازحين وتقع ضمن مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له، حيث يقوم تجار ومدنيون بشراء الأراضي الزراعية من النازحين بأسعار منخفضة جداً وقد لا تعادل 10 بالمئة من سعرها الأساسي مستغلين حاجة هؤلاء النازحين لوجود المال من أجل تأمين قوت يومهم، كما أشارت “المصادر”، بأنه ومن بين الطرق الأخرى المتبعة من قبل النازحين لتأمين قوت يومهم هي “الاستدانة” وأيضاً هناك مستغلين في هذا الجانب يقومون بمنح النازحين مبالغ مالية وأخذ نسبة أرباح عليها عند موعد سدادها.
وشهدت المحافظات السورية خلال السنوات الفائتة من عمر الأحداث الجارية في سوريا العديد من حركات النزوح باتجاه الشمال السوري الذي بات يشهد اكتظاظاً سكانياً كبيراً وانتشار مئات المخيمات، وكان آخر حركات النزوح بين عامي 2019 و2020 بعد أن سيطرت قوات النظام والميليشيات المساندة له على مساحات شاسعة من أرياف حلب وحماة وإدلب.