الدكتور سمير التقي: اللجنة الدستورية هي أداة لإبقاء العملية السياسية مفتوحة بإدارة دولية ولا علاقة لها بصياغة الدستور

الدكتور سمير التقي: الولايات المتحدة ليست مستعجلة في الحل في سورية والشرق الأوسط مخترق من قبل روسيا

77

يرى الدكتور سمير التقي، السياسي السوري، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ غياب التوافقات بين السوريين على المسار نحو بديل لبناء الدولة يسمح بالتوافق الوطني. 

س- كيف انعكست الأزمة الأوكرانية على  زيادة الركود في الملف السوري؟
– أهم الجوانب الإيجابية التي حصلت بعد الحرب الأوكرانية تتجسد في انتهاء توكيل الولايات المتحدة لروسيا بلعب الدور الرئيسي في إدارة الجوانب الداخلية والإقليمية للصراع في سورية، انتهى التفويض الأمريكي تماما ودون رجعة، والجدار الذي أسدل على روسيا لن ينتهي بعقود، بل من المؤكد أن أمريكا الآن، تخطط وتعمل لاستعادة زمام المبادرة في الهيمنة على الطرق البحرية في العالم ومن ضمنها بالطبع شرق المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب، من هذا المنظور يتم العمل بشكل حثيث من أجل إخراج روسيا من شرق المتوسط، الأمر الذي قد يتطلب بعض الصراعات وبعض الوقت. 

كانت روسيا هي وسيط القوة السائد لتقوم بأقل جهد تدخلي بتطويع السياسة الإقليمية لكل من إيران وتركيا وإسرائيل والنظام والدول العربية، لكن وبغياب وسيط قوة وعمود استراتيجي عربي جدي، سيكون المستفيد الأكبر هو تركيا لأنها قادرة على ملء الفراغ. 

 

س-الموقف الأمريكي السلبي تجاه الأزمة السورية، كيف يمكن قراءته؟
– الولايات المتحدة ليست مستعجلة في الحل في سورية، فهناك من جهة الأولوية المطلقة للحرب الأوكرانية، وهناك حقيقة أن الشرق الأوسط والخليج قد تم اختراقه بشكل عميق من قبل روسيا، بحيث تجد الولايات المتحدة صعوبة الآن في إعادة ترتيب تحالفاتها حتى مع إسرائيل وتركيا ودول الخليج. 

وبدون أن تتوصل الولايات المتحدة إلى حالة من الثقة بتحالفاتها في الإقليم بعيدا عن روسيا، فإنها لن تقوم بتفويض أية قوة مرجعية إقليمية مثل تركيا أو السعودية، على مستقبل الإقليم والسيطرة على ممرات التجارة العالمية ضمن التصور الأمريكي، بما في ذلك الملف السوري.

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة، لا تهتم بالشأن السوري، بل إن سياستها الآن هي منع القوى المنافسة من اختراق الإقليم وإفشال مشروعاتها. 
الأهم من ذلك حاليا هو أن كل التوافقات الأخرى التي قام عليها الاستقرار في الساحة السورية منذ 2018 انهارت بدورها بسبب انهيار مقوماتها. روسيا لم يعد لديها القدرة ولا الكثير مما تقدمه من خلال دورها كوسيط قوة في الإقليم، ولم يعد لديها ما تقدمه لتركيا كما وعدت في سوتشي من أن تركيا ستصبح، بالتعاون مع روسيا، عقدة توزيع الطاقة لأوروبا. هذا الموضوع انتهى، لكن ضعفها الراهن سيجعل منها أقل قدرة على ضبط السلوك التركي في سوريا، وروسيا لا تستطيع أن تقدم شيئا مجديا لإيران في ظل سحب غطائها الجوي عمليا، وتراجع الدور الروسي في ترتيب الاتفاق النووي، والأمر أيضا ينسحب على “إسرائيل” والنظام. 

 

س- ما تعليقكم على كلام بيدرسون الذي قال إن القرار الأممي 2254بات غير صالح، ما قد ينسف كل المسار؟ 

– كلام بيدرسون صرخة في وادٍ، وليس موقفا عمليا، إذ لا يوجد أي أفق للتوصل إلى توافق دولي يشمل روسيا حول إعادة صياغة حل في سورية في المدى المنظور، لذلك السياسة الأمريكية الراهنة تجاه الإقليم، تكتيكية في انتظار نشوء وضع إقليمي مواتٍ ودون ذلك فلن تتحرك أمريكا مباشرة. 
إذن، إلغاء القرار 2254 ، في الظرف الدولي الراهن، غير ممكن. هناك الكثير الكثير من قرارات الأمم المتحدة الميتة، ولكنها لم تلغَ ما لم ينشأ وضع يسمح بالتوافق على حلول أكثر عملية، والمثال الأكبر هو القضية الفلسطينية او الكورية، فهناك مئات القرارات بخصوصهما وهي غير قابلة للتطبيق لأنها لا تعكس ميزان القوى الفعلي على الأرض.

بيدرسون يعلم كم نحن بعيدون عن أي توافق دولي بين روسيا وأمريكا أكثر من أي وقت مضى، ولعله أطلق تصريحه كصرخة ليؤشر على انهيار العملية السياسية في ظل الصراع المحتدم، وبرغم الضعف الكبير للمعارضة فإن مجرد وجودها حتى كديكور، يبقى حيويا لقطع الطريق على الميل الدولي الدائم لإغلاق الحروب الأهلية مثل إغلاق الجرح بقيحه لينفجر فيما بعد. وهكذا فعل المجتمع الدولي في ليبيا والعراق والصومال والبوسنة الخ… أغلق الصراع دون إنتاج توافق وطني، وهذه الدول تتعفن حاليا وتتفكك. 

 

س- لماذا فشلت اللجنة الدستورية في كتابة دستور توافقي، بغض النظر عن بعض الخلافات المشخصنة بين وفد النظام والمعارضة؟ 

– اللجنة الدستورية لا علاقة لها بصياغة الدستور، إنها أداة لإبقاء العملية السياسية مفتوحة بإدارة دولية في انتظار لحظة توافق دولي وتوافق بين السوريين على رؤية لإعادة ترميم سوريا، سواء بخصوص الصراع على الإقليم أو بخصوص موقع سوريا منه. 

وكما أشرت، لحظة التوافق الدولي بعيدة جدا، وكل ما يمكن أن يحصل هو ضبط لهب الصراع. وفي الوضع الراهن أجد نفسي واثقا أن الولايات المتحدة لن تفلت قِباها عن عنق بوتين لتضغط تدريجيا من جهة، وتمنعه من الذهاب نحو الجنون من جهة أخرى، هذه فرصة لن تفوتها أمريكا.

ما تحتاجه أمريكا من أجل إدارة هيمنتها على طرق التجارة العالمية وبشكل خاص طرق نقل الطاقة هو طرد النفوذ الروسي من شرق المتوسط وقطع الطريق على سعي روسيا للهيمنة على مصادر وخطوط الطاقة نحو أوروبا، وفي ذات هذا السياق تندرج التطورات الأخيرة في ناغورني كاراباخ وفي ليبيا وسوريا ولبنان .. بالطبع. 

لذلك سنجد عودة للصراع  من جديد لإعادة رسم خطوط التماس في سياق ميزان قوى جديد بين اللاعبين المتدخلين في سوريا، كما سنجد إعادة تعريف لدور هؤلاء اللاعبين من خلال ميزان قوى جديد. 

 

س-هل بات ضروريا إدخال إصلاحات جوهرية على مؤسسة الائتلاف واللجنة الدستورية لتصحيح المسار بما يتماشى والمصلحة السورية المعلقة؟ 

– المشكلة ليست في غياب الإصلاحات، بل في غياب التوافقات بين السوريين على المسار نحو البديل لبناء الدولة يسمح بالتوافق الوطني. المشكلة هي تشرذم السوريين بحيث إنهم ما لم يتمكنوا من إنتاج كتلة حرجة تفرض نفسها كمفاوض سوري على القوى الدولية (كما فعلت جنوب إفريقيا أو الجزائر أو منظمة التحرير الفلسطينية) فهم لا يستطيعون فرض أنفسهم على القوى الدولية.

وفي غياب الوحدة كبديل يؤمّن توافق الحد الأدنى بين السوريين بمختلف مشاربهم يصبح الائتلاف مجرد أشخاص تعصف بهم رياح الإقليم.

بعض قادة الائتلاف مخضرم وجيد جدا، لكنهم غير قادرين على فعل شيء إلا إدارة الضغوط الإقليمية والدولية والتكيّف معها، وحتى لو استقالوا فلن يتبدل شيء. 

السوريون موحدون في ذلك الضجيج حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية الخ، لكن أيّ من القوى السورية التي تطفو الآن، لا تعمل ولا تملك رؤية نحو مصالحة وطنية سورية تسمح بترميم البلاد. ومن دون ذلك لا دولة سورية ولا وحدة سورية وبالتالي لا شيء في سوريا سوى الفوضى.  

لاحقا، وربما بعد عقود يمكن أن تفتح الطريق لتحقيق الديمقراطية والدولة المدنية الخ… فالمعارضة الراهنة أشبه بوزير خارجية من دون دولة ولا قيادة سياسية جامعة، فكيف لهم أن يفاوضوا؟ .. أهم ما يضعفهم هو غياب القيادة السياسية التي تخطط للمصالحة ولملمة الوطن، ومجتمع مفكك تمزقه الصراعات. وبغض النظر عن لعبة اللوم والتجريم المتبادل، أصبح السوريون، الكل ضد الكل. 

فالديمقراطية لا تؤسس دولة وتحدد شكلها. الديمقراطية لا تحل المشاكل الإثنية ومشكلة الهويات. 

في أفضل الدول الديمقراطية لا تزال ثمة مشاكل إثنية دينية متعلقة بالهوية لم يمكن حلها إلا بالفدرالية. إذن لابد من صيغة لإعادة اللحمة الطوعية وصيغة جديدة توافقية مع الجميع لبناء الدولة، ولن يتم ذلك إلا بتضحيات كبيرة من الأكثرية. 

وبالمقابل، لن تتدخل أية قوة في العالم (إلا الأحمق بوتين) لفرض حل في حرب أهلية إقليمية بهذا النوع والحجم. الحرب الدينية الإقليمية تشمل السنّة والشيعة والأكراد واليهود والمسيحيين الخ، وهذه الحرب الأهلية لعلها الوحيدة المتبقية في هذا العصر.  

 

س- دكتور سمير، قانون قيصر الذي وضعته واشنطن لمحاسبة النظام والمتعاونين معه وملاحقتهم، لماذا لم تحسن المعارضة الوطنية استغلاله لصالح الثورة برغم أهميته ؟ 

– العقوبات هي سلاح من لا يريد أن يتورط مباشرة في الحرب فهي أقل كلفة وجوهرها أن الولايات المتحدة التي تتحكم في النظام الدولي تقول للدول المارقة إنها لا تريد أن تتعامل معها. وفي النهاية لا أحد يجبر الولايات المتحدة على أن تتاجر مع من لا تريد. وفي حين أن أمريكا لن تتورط مباشرة فالعقوبات هي البديل للحرب. وبرغم أنه يتسبب  في ضحايا كثيرين، لكنه يبقى أقل كلفة من التدخل العسكري. 

قانون قيصر يعمل على مدى سنوات وهدفه تفتيت التحالفات الداخلية للنظام مع رجال الأعمال والقاعدة المجتمعية، لكنه لن يؤتي ثماره إلا بعد سنوات. أسقط الاتحاد السوفياتي بالعقوبات وكذلك أسقط صدام حسين بالعقوبات بعد ثلاثة عشر عاما. 

 

س-قلق بخصوص إجبار إعادة اللاجئين السوريين من لبنان، ما قراءتكم لتلك الخطوة الخطيرة التي اتخذتها السلطات اللبنانية خاصة مع عدم توفر شروط ووعود بالعودة الآمنة لهؤلاء؟ 

– الإعادة القسرية للسوريين لا يمكن أن تنجح في شيء وهي مجرد تنفيس لصراع سياسي في لبنان ولن تغير شيئا من الناحية السياسية، وبالطبع يذهب السوريون ضحية نتيجة غياب القيادة. 

 

س- بعد عدم النجاح في تنفيذ القرارات الأممية، كيف السبيل إلى حلحلة الملف السوري؟ 

 – لن تحل القرارات الأممية الصراع بين السوريين ولا يمكن أن يحل أي صراع إلا حسب موازين القوى الداخلية وميزان القوى بين القوى المتدخلة. 

-الفرصة الجديدة تكمن أولا في انتهاء توكيل بوتين من جهة، ومن جهة ثانية، في فشل العقائديين الطامحين  إلى بناء الامبراطوريات القومية أو الدينية أو الأممية، وفوق ذلك حين تسلحت الانتفاضة من دون قيادة سياسية، صارت بندقية بلا عقل، وكل بندقية بلا عقل تصبح وكرا لأمراء الحرب وقطاع الطرق، فمأزق الانتفاضة والمعارضة أنها من دون عقل سياسي وطني جامع لكل السوريين.