“الرأس خرج من ساحة المعركة”.. مصير “جسد داعش” بعد مقتل القرشي

41

اختلفت الظروف فقط ما بين طريقة مقتل أبو بكر البغدادي عن تلك الخاصة بخلفه في زعامة داعش، المعروف بـ”أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، وبينما جاءت الأولى بعد إنهاء نفوذ التنظيم كاملا في آخر معاقله بمنطقة الباغوز السورية، أعلن عن الثانية عقب محاولات الأخير إحياء نفسه بهجومٍ على أكبر معقل لسجنائه “في العالم” بمحافظة الحسكة.

وشكّل مقتل البغدادي بعملية لقوات أميركية خاصة إنجازا مهما في الحرب ضد داعش، الذي استطاع أن يبسط السيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا تفوق 100 ألف كيلو متر مربع، وتحكّم في مصائر 7 مليون نسمة.

وكذلك الأمر بالنسبة لمقتل القرشي، والذي يعتبر من أبرز الشخصيات القيادية القديمة والمؤسسة لداعش، منذ ظهوره الأول.

وما بين مقتل هذين الزعيمين لأخطر التنظيمات الإرهابية في العالم لم ينقطع نشاط داعش، رغم إنهاء مناطق نفوذه الرئيسية. وما بين سوريا والعراق تنقلت خلاياه، مستهدفة غالبية المناطق باختلاف أطراف النفوذ المسيطرة عليها.

و

في الوقت الحالي وعقب إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مقتل القرشي بعملية في شمال غرب سوريا تطرح تساؤلات عن أثر هذه الضربة على نشاط تنظيم “داعش” في المرحلة المقبلة؟ وعما إذا كان اسم الأخير مؤثرا ومن شأنه أن يحد من عمليات التنظيم على اختلاف المناطق التي تنشط فيها خلاياه؟

من هو القرشي؟ 

الاسم الحقيقي لأبو إبراهيم هو أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وعٌرف بعدد من الألقاب أشهرها “البروفسور” و”المدمر”، بحسب وكالة “فرانس برس”.

ولد زعيم داعش الجديد، على الأرجح في عام 1976، في بلدة تلعفر، على بعد 70 كيلومترا من الموصل، لعائلة تركمانية، وهو ما أثار استغرابا كبيرا، لأنه نادرا ما يصعد رجل من غير العرب إلى الصفوف الأمامية في داعش، التي حكمت في أوجها أجزاء واسعة من العراق وسوريا.

ولا يُعرف سوى القليل عن القرشي، الذي خلف البغدادي، أو الهيكل القيادي الأعلى لداعش، لكن محللين قالوا إن مقتله يمثل ضربة كبيرة للتنظيم الإرهابي، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”.

ويقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي، إن “القرشي وعندما تولى زمام الزعامة أقدم على إعادة هيكلية تنظيم داعش، ووضع جميع من في محيطه من العراقيين، ومن ثم شكّل لجنة مفوضة ومجلس شورى وجهاز أمني”.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “اعتمد أيضا على قوات سماها بقوات النخبة، ونشرها في سوريا والعراق، بينما عمل في باقي الولايات كإفريقيا وأفغانستان على سياسة الأذرع، إضافة إلى تشكيل خلايا للعمليات الخارجية”.

6 شخصيات كانت تتبع له مباشرة

ولا يرى فرغلي أن يكون مقتل القرشي مؤثرا على تنظيم داعش ككل، موضحا أن “تبقى التراتبية في التنظيمات الإرهابية معروفة. القرشي لديه حتى الآن جمعة عواد البدري (أخ البغدادي) وأبو محمد المصري وأبو هاشم الجزراوي، فضلا عن نايف حمد شياع، وأبو سعد الليبي، وأبو حمزة القرشي الذي يشغل منصب الناطق”.

ويتوقع الباحث أن تتجه اللجنة المفوضة في تنظيم “داعش”، في المرحلة المقبلة إلى اختيار شخص خلفا للقرشي، على أن يتم الانتقال فيما بعد إلى إحياء النشاط، لاسيما أن هناك “بيئة خصبة” في مناطق الانتشار، كسوريا والعراق وغيرها.

ويتابع: “غياب القائد لا يقضي على التنظيم، بقدر ما يحدث خلخلة داخلية. هذه الخلخلة تؤثر وقتيا فقط. قطع الرأس الكبرى لا يقضي على الجسد”.

“قيادة لا مركزية” 

وخلال الأشهر القليلة الماضية نفذ التنظيم هجمات عديدة مؤثرة، كان أبرزها تلك التي استهدفت سجن الصناعة في محافظة الحسكة، فيما يصفه الخبراء بـ”المؤشر” على تغير في تكتيكاته واستغلاله للصراعات المحلية والإقليمية للنهوض مجددا.

ويرى مراقبون أن هناك اختلافا ما بين فترة داعش في أثناء زعامة البغدادي والتي تلته خلال قيادة القرشي، الأمر الذي يجب الوقوف عنده للإجابة عن التساؤلات المتعلقة حول تأثير مقتل الأخير على نشاط المرحلة المقبلة.

ويقول كاظم الوائلي مستشار سابق للتحالف الدولي ضد داعش إن تأثير مقتل القرشي على ما تبقى من داعش “معنوي أكثر من أي شيء سياسي أو عسكري”.

ويضيف الوائلي لموقع “الحرة”: “قيادة القرشي ليست كقيادة البغدادي. الأخير كانت قيادته مركزية، بينما الأول لا مركزية، بمعنى أن كل خلية لها قائد مختص، والأموال تأتي إليها من أتاوات وغير ذلك”.

ويؤكد المتحدث أن “سلطة القرشي كانت لا مركزية”، وبالتالي لن يكون هناك تأثير كبير على الجانب العملياتي والأمني لخلايا داعش.

وذلك ما يؤكده مجاهد الصميدعي الباحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، بقوله: “مقتل القرشي سيكون له تأثير معنوي أكثر من تأثير عملياتي”.

ويقول الباحث لموقع “الحرة”: “هيكلية داعش بعد مقتل البغدادي مفصولة. الخليفة لا يدير العمليات الأمنية والاستخباراتية، بل هو مسؤول عن العمليات الإدارية ومعزول عن المذكورة كليا”.

ويتوقع الصميدعي أن يتجه داعش “قريبا وخلال فترة قياسية لتعيين زعيما خلفا للقرشي”.

ويوضح: “مثل هذه التنظيمات في العادة لها شخص جاهز في حال مقتل الخليفة. ستستمر العمليات ومن المتوقع أن تكون هناك عمليات انتقامية”.

“هشاشة واختراق” 

في غضون ذلك اعتبر الباحث بشؤون الجماعات المتشددة، محمد صفر، أن الضربة الأمريكية التي استهدفت القرشي “نوعية”، مشيرا إلى أن “التحالف الدولي يثبت من خلالها أنه قادر على اختراق منظومة داعش الأمنية، وبالتالي إثبات هشاشتها”.

ومع ذلك لا يرى صفر أي تأثير لشخصية القرشي على هيكلية تنظيم داعش ككل.
ويقول لموقع “الحرة”: “لم يكن له الكاريزما ولا حتى الحضور، ولم يكن معروفا بأنه رجل يملك تخطيط أو فكر. كان رجلا أمنيا، وهذه الصفة انتفت بعدما استطاعوا الوصول إليه في شمال غرب سوريا”.

ويضيف الباحث: “أعتقد أن غيابه ليس له تأثير. لو صح ذلك كان التنظيم انتهى منذ مقتل البغدادي. داعش إيديولوجي وليس له جغرافيا ثابتة، وربما تلد قيادة جديدة قد تكون أكثر تأثيرا ونشاطا”.

ويستبعد صفر أن يلجأ داعش في السنوات المقبلة إلى جغرافيا مستقلة، بل سيتجه إلى عمليات نوعية، وسياسة “اضرب واهرب”.

وهذه السياسية، بحسب صفر لن تكون في المدى المنظور، مشيرا إلى أن “المنظومة الأمنية لداعش هشة. ربما يتأخر بيان القيادة بشأن الزعيم الجديد، إلى حين ضبط الوضع الأمني”.

وفي تقرير له في يوليو 2021 “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” أن “تصور تنظيم داعش الاستراتيجي حول المنطقة الجغرافية والوقت والانتصار يمثل عنصرا حاسما لإمكانية عودة ظهوره في المستقبل”.

بالرغم من أن “داعش” قد تعرض لضربات موجعة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، إلا أنه أثبت قدرته الكبيرة على الصمود، حتى أنه قام بتوسيع أراضيه وتنويع عملياته عامي 2020 و2021.

وأضاف التقرير أن التنظيم “يمتلك أيديولوجيا فريدة وراسخة، تشكلت من خلال تصريحات كبار قادته، وتتكيف جيدا مع الخسائر الإقليمية الأخيرة”.

وجاء فيه: “من هذا المنطلق، وبالتطلع إلى الأمام، سيكون من الضروري معالجة وفهم الممارسات الأيديولوجية للتنظيم من أجل مكافحة أي عودة مستقبلية له بشكل فعال”.

المصدر:الحرة