السلطوية معادل لغياب السوية البشرية

22

أفصح ما نواجهه في حالة المسالخ البشرية (الهولوكوستات المضافة) التي تعيشها سجون الأنظمة الرسمية، كما سجون المنظمات والميليشيات الأهلية والطائفية المذهبية والإثنية، هو فقه التوحش هو الفقه السائد، الذي لا يحتاج إلى أي تبرير أو تفسير أو تأويل، على اختلاف مسلكيات القتل والحرق والإعدامات وسلب الإنسان الفرد كما الجموع، الحق في الحياة، وفي التنفس الحر، وفي الدفاع عن النفس في مواجهة أعداء الحياة.

لقد توافرت الأيام الأخيرة على عدد من الشهادات الصادقة، عما يجري من جنون الاعتقال السياسي التعسفي، في سجون ومعتقلات سرية وعلنية، كما في صيدنايا وعدرا وغيرهما في سوريا، وفي سجن جنيد وغيره من أقبية وزنازين سجون السلطة الفلسطينية، كما في سجون سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وسجون العديد من الأنظمة الاستبدادية والطغيانية، وما يماثلها من جماعات أهلية ومجموعات ميليشياوية طائفية ومذهبية مشابهة، من قبيل تلك الـ «معارضات» الأكثر سلطوية، وهي لا تختلف في رؤيتها لذاتها عن رؤية هذه السلطة أو تلك، ولأحقيتها في ممارسة شتى صنوف الارتكابات بحق الإنسان، وذلك على خلفية تشبثها بسلطة فاجرة، لا تريد أن ينازعها عليها أحد، كائناً من يكون. ما يجري في السجون من إطلاق العنان لوحوش كاسرة، ترتكب ما ترتكب من جرائم، لا تجعل من السلطة أياً تكن، رؤوفة وحنونة وإنسانية تجاه أهلها وأصحابها، فسجان السلطة (وقد يكون زعيمها أو من في حكمه) وجلادوها، على اختلافهم، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية أو الدينية، جميعهم لا يختلفون عن سجاني وجلادي السجون، كلهم سجانون وجلادون ضد الحرية والكرامة والعدالة والإنسانية، وضد القانون والقضاء والدستور، ضد كل ما ينبغي للآدمي أن يمارسه ويسلكه تجاه ذاته وتجاه الآخرين… أو حتى تجاه الآخر كعدو.

لكن السلطوية كما العديد من مسلكيات السلطة؛ توزع أمراضها منذ لحظة تسللها واستيلائها وبدء تحكمها بمحكوميها، فكيف إذا طال الزمان بها عدداً من العقود؟ كحال العديد من سلطات استبدادية «ربخت» على مقاعد الجنون السلطوي ردحاً طويلاً من الزمن، فما كان منها إلا أن نقلت أدواء جنون السلطة إلى كائناتها المتوحشة داخل السجون، وقد تحولت مع الوقت إلى مسالخ بشرية، أين منها تلك المسالخ الحيوانية.

فلنتأمل صيدنايا وجنيد وسيرة السلطة الترامبية الناشئة، ومن قبلهم النازية والأنظمة الفاشية، كنماذج لتحولات سلطويات تفتقد العقل والمنطق والسوية البشرية والإنسانية. كل ذلك من أجل إطلاق حرية بلا حدود للجلادين، للثأر أو الانتقام ممن يعاندون أو يشهرون تعارضاتهم ومعارضاتهم للسلطوية الملطخة بكامل سيرها وسردياتها بالعار، الذي لا يمكن محوه بالمطلق على مدى التاريخ، والأجيال المتعاقبة من البشر.

ماجد الشيخ

المصدر: الحياة