السياسي السوري أحمد محفوظ: لن يكون هناك حلّ في سوريا.. قد تكون هناك تسوية.. وأنا مع ترحيل أي لاجئ يمثل تهديدا أمنيا لأي دولة أوروبية

36

يُجمع المعارضون السوريون على أن الحلّ السياسي في سورية لا بد أن يلتزم بالقرار 2254 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، وهو من أهم مرتكزات التسوية السياسية في البلاد، انطلاقا من وقف إطلاق النار، واستنادا على أربعة ملفات محورية، هي “الحكم الإنتقالي، ودستور جديد، وانتخابات، ومكافحة الإرهاب، إلا أن قبول النظام بالقرار هو الإشكال الذي تعتبره المعارضة العرقلة الأولى.

ويرى الناشط السياسي السوري أحمد محفوظ، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه لا توجد أي بوادر انفراج للأزمة في سورية إلا بعد ترتيبات إقليمية ودولية وإعادة تأهيل منظومة دولية كاملة تستحق النظر.

س-كيف تقيّمون الوضع الحالي في سورية وهل ترون بوادر انفراج؟

ج- منذ بداية الانفجار المجتمعي السوري، تخطّى الصراع في سورية إطار الوطن بين سلطة الإستبداد الدموية وشعب خرج طبعا إلى الشارع وهم شباب وصبايا يشبهون كثيرا من خرجوا في المنطقة العربية كتونس ومصر والسودان وغيرهم، هذا الجيل أطلق شرارة الثورة لكن سرعان ما تحول الحال إلى صراع إقليمي ودولي في مرحلة انتقال كبيرة للمنظومة الدولية عامة، الأمر الذي عقّد المسألة السورية وحوّلها إلى متاهات أكثر تشعبا، وأبعدها عن الشعارات التي أطلقت من قبل الشباب.

يمكن إن تكون هناك تسوية قادمة تضع حدا للحرب بالمعنى الذي حصلت فيه خلال السنوات الماضية، لكن الصراع الإقليمي والدولي في سورية ينتظر انتقالات أخرى في المنطقة ودوليا، وباعتقادي قد تكون هناك تسوية إلا أنها قد لا تنهي الصراع وسيظل هناك مراكز نفوذ، وأي حل أو انفراج قادم في سورية ليس قريبا وسينتظر ترتيبات إقليمية وإعادة تأهيل منظومة دولية جديدة لأن المنظومات بحاجة إلى إعادة التأهيل ما يفسر التزمّت الإيراني والروسي والتركي في القضية السورية.. ومن هنا أرى أن أي انفراج محتمل ينتظر هذه المنظومات، ومن المرجح أن التسوية قد تكون شبيهة بالتجربة العراقية مع فوارق بسيطة ومراكز نفوذ متعددة، وقريبة من التجربة اليوغسلافية، لكني لا أرى انفراجا قريبا

س- أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة ستستمر في سعيها لإخراج الميليشيات الإيرانية وتلك المرتبطة بها، من كامل الأراضي السورية، في المقابل حذرت جهات أخرى من نشاط تركيا والفصائل التي تدعمها في محافظة إدلب شمالي البلاد.. هل من الممكن إخراج كل هذه القوات من سورية اليوم بعد أن اتّهمت بعرقلة الحلّ والتصعيد؟

ج-المنظومة العالمية القادمة ستكون فيها للروس والإيرانيين والأتراك أدوار هزيلة، ولذلك جاءت الورقة السورية ورقة رابحة، مكسر عصا لتجربة انتزاع مكانتهم، ولا أظن أن هناك نيّة لإخراج القوات الأجنبية من سورية، وربما تكون هناك مستقبلا قوات إسرائيلية وأمريكية، إلا أن الأوروبيين قد يضغطون على إيران للتخفيف من حضورها وحضور تركيا أيضا، ويبدو أن إخراج القوات حاليا صعب إلا بعد إعادة منظومة إقليمية بأكملها، وستظل القوات في مناطق النفوذ المختلفة، وحتى إذا حصلت تسوية فستكون مرحلية، وسيسعى الإيراني والروسي إلى لعب دور حضورا فيها برغم الفشل السابق في سوتشي.

س- مخاوف كثيرة أثارها سماح ألمانيا بعمليات الترحيل إلى سورية لفئة معينة من اللاجئين السوريين اعتبارا من مطلع 2021 في حال تصنيفهم على أنهم يشكلون تهديدا للأمن الألماني، بعضهم يخشى من توسيع نطاق الترحيل مستقبلا، في ظل قطيعة دبلوماسية كاملة بين ألمانيا وحكومة بشار الأسد.. ما تقييمك لهذا القرار ؟

ج-أنا مع كل دولة أوروبية تطرد أي لاجئ غير قابل وغير قادر على احترام القانون في ذلك البلد، فكل دولة من حقها تأمين نفسها وشعبها والحفاظ على استقرارها من كل تهديد يمكن أن يصيبها، ومن هنا أرى أن السماح بترحيل أي شخص مهما كانت جنسيته وظروف إقامته في ألمانيا بسبب تهديد أمني، حق ألماني لا يُناقش.

س- مراقبون يقولون إن رفض النظام السوري عودة صنف مهم من اللاجئين إلى سورية، يصب في خانة مخاوف النظام من هؤلاء ومن تحريك الشارع ضده .. هل تتفق مع هذه الرؤية؟

ج-أعتقد أن كل سوري لن يسمح لنفسه بالعودة دون أي ضمانات ودون تأكده من أن حياته ستكون آمنة في بلاده، فاللاجئون السوريون بلبنان على سبيل المثال يعيشون ظروفا بائسة جدا وصعبة ولكنهم باقون، لا أحد سيجرؤ على العودة، فحتى من هم بالداخل ينتظرون فرصة الخروج من سورية، والنظام والسلطة غير مخوّليْن لتحديد من يمكن له العودة ..والواقع أن لا أحد قادر على العودة ولا أحد يرغب في ذلك في ظل بؤس وفقر وظروف صعبة جدا.

س- جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف بلاده الداعي إلى إطلاق حوار بشأن الأمن الجماعي في منطقة الخليج ،بهدف إرساء الاستقرار هناك بالتعاون بين دولها.. ماهي أهداف هذه الدعوة، وفي أي سياق تأتي في واقع التنافس الأمريكي- الروسي على المنطقة؟ وهل سينعكس أي حوار بالإيجاب على الوضع في سورية؟

ج- يحاول الروس بكل الوسائل أمام المتغيرات الكبرى في الإقتصاد العالمي، التموقع خاصة أنهم لايملكون ما يبيعون إلا أنهم يتمسكون بأوراق ويحاولون اللعب بها حتى يكون لهم دور بمنظومة إقليمية ودولية قادمة في إطار التشكل.. الروس دائما يسعون إلى التمسك بأوراق جديدة حتى يكون لهم دور، وبالنسبة إليهم كلما كانت لديهم أوراق متعددة كلما كان لهم دور أكبر لبسط نفوذهم في المنطقة، وهدفهم تحسين موقعهم التفاوضي وتجسيد حضورهم في ما هو قادم.

صحيح أن المسألة السورية مرتبطة بإعادة تأهيل منظومة الأمن والإستقرار الإقليمية، لكن لا أرى دورًا ما لسورية بمنظومة خاصة بالخليج أساسا، فكل المحاولات هي بمثابة ملء للفراغ الذي تعيشه هذه الدول مثل روسيا التي لا تملك أوراق قوة للتفاوض.. والصراع السوري امتداداته أكبر، في حين أن الدور الروسي ليس منافسا للدور الأمريكي، فهو معرقل له فقط.

باعتقادي أن إيران وتركيا وروسيا لا تملك أي شيء تقدمه في الملف السوري إلا لعب أدوار واهية أطالت أمد الصراع.. هي تعبث بالملف السوري وأوراقه المتنوعة، وتسعى إلى تسويف حل القضية لكسب الوقت وانتزاع نفوذ أفضل وأكبر وحضور دائم وتخريب بمشاركة خليجية أحيانا.

س- ينادي الشعب السوري بإخراج القوات الأجنبية من البلد بعد 10 سنوات من الصراع المدمر .. ألا ترى أن مهمة إخراج هذه القوات أصعب من تجسيد حلّ سياسي؟

ج-الشعب السوري نصفه لاجئ والنصف الأخر أفواه ثاغرة جائعة من أجل لقمة العيش والكهرباء والغاز والخبز.. السوريون منقسمون في ما بينهم، أغلبهم جماعات متناحرة متحاربة.. صراع سورية تخّطّى حدوده الوطنية وصار إقليميا ودوليا، وإخراج القوات يستحق إعادة تأهيل المنظومة العالمية، وليس من السهل في الوقت الحالي طرد المحتل. السوريون لايهمهم القوات الأجنبية ولا غيرها، أصبح قوتهم اليومي في مقدمة مشاغلهم وأولوياتهم.

أقول، لا يوجد حلّ سياسي في سورية، ولا يوجد إخراج لقوات أجنبية إلا بعد إفراز منظومة إقليمية وعالمية جديدة.

س- يقول معارضون إنّ الأزمة السورية بحاجة إلى مقاربة جديدة، مشيرين إلى أهمية الدور العربي لإنهاء العنف والاقتتال.. كيف تقيمون أداء الجامعة العربية طيلة هذه السنوات؟

ج-كما سبق أن أشرت، لا يوجد حلّ سياسي في سورية ولن يكون إلا بعد تفاهمات دولية لا سورية، ولا يوجد أي مقاربات ولا معارضة في سورية، وليس هناك أي دور للجامعة العربية لا حاضرا ولا مستقبلا، وهنا أصف دور الجامعة العربية بالهزيل، فالأزمة السورية تقترب من عامها العاشر دون أن يلوح في الأفق أثر أو بارقة أمل لحل سياسي، والحال أن كل البلدان العربية تستحق إعادة التأهيل والعمل على تغيير سياساتها.
هناك صراع دولية وإقليمي في سورية، قد تتحقق التسوية بلحظة تقاطع مصالح عبر قرار دولي يلزم الجميع من متحاربين ومسلحين ، لكن الحل السياسي المتكامل أمر صعب للغاية.

س – كيف ترى سورية مستقبلا؟

ج- أولا من الضروري أن تنتقل إلى القرن 21 باعتبارها تأخرت في هذا الانتقال، أما الثمن فسيكون باهظا.. أرغب في سورية بلدا معافيا يحلو فيه العيش والحياة الكريمة.. وأرجو أن تنجو بلادي من كل مايؤلمها.