السياسي السوري جمال الشوفي: المعارضة ليست أفضل حالا من النظام.. وسوريا ساحة لحرب إقليمية عالمية

70

تحولت سورية إلى ساحة تتبارز على جبهاتها جيوش دولية ضخمة وبلغت فيها المعاناة الإنسانية حداً غير مسبوق، فيما ذهبت هتافات صدحت بها حناجر مئات الآلاف من أبنائها المنادين بالحرية أدراج الرياح. السياسي السوري المعارض الدكتور جمال الشوفي، تحدث في حوار مطول مع المرصد السوري لحقوق الإنسان عن الوضع في سوريا وتقاسم النفوذ والدور الروسي- الأمريكي.

ويرى “الشوفي” أن الثورة السورية تدرجت في مراحل متعددة منذ انطلاقها إلى اليوم، لافتا إلى أن ثورة سورية تتباين حولها الفرضيات والنظريات، منها ما يأخذ النفس البشرية والفكر النظري للاستناد مرتاحا خلف مسلماته النظرية أو الأيديولوجية الأولى، ومنها ما يقود إلى سياق التفكير وإعادة الصياغة مرة أخرى.

ولفت السياسي السوري إلى أن هناك مواجهة أولى بين الدستورية وتداول السلطة السلمية ونبذ الفرقة الطائفية، تحت عنوان حق المواطنة المكفول للجميع بدون امتيازات السلطة لمواليها، مضيفا: “هي مواجهة استرداد الدولة من نظام شمولي أحكم السيطرة على مقدرات الدولة كلها، ومواجهة ثانية جذرية بين قيم الحرية والعصرية والحداثة، وبين موروث مكدس يتسم بهيمنة العقل الغيبي المتمثل بأقفاص الموروث الديني والطائفي، وما ظهر من صراع بينها وصل إلى درجة الدموية وتشريع القتل والقتل المضاد وإذكاء النزاعات الطائفية وتغذيته ليبلغ ذروته في التطرف ونمو كل أشكاله الخارجة عن سياق الثورة”.

وتطرق الشوفي إلى المواجهة العسكرية الدامية التي “تعددت محاورها، محلية بين سلطة وفصائل منشقة عنها، وبينية بين فرقاء العمل أنفسهم، سواء في السلطة أو المعارضة”، تمددت لتصبح إقليمية وعالمية بأذرع محلية قابلة للانفلات في كل لحظة لكارثة عالمية أو إقليمية.

وأشار الشوفي إلى أن الساحة السورية “تحولت إلى حرب إقليمية عام 2013 بين طوائف، وبعد 2015 توسعت على أثر التدخل الروسي العسكري، تلاه التدخل الأمريكي شرق الفرات تحت مظلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وحماية الأكراد، مشيرا إلى أن “المسألة السورية منذ الانتفاضة السلمية من أجل الحرية واستعادة الدولة من أيدي العسكر تدرجت من مراحل متعددة”، لافتا إلى الاستعصاء السياسي الذي لم تستطع المنظمات والمواثيق الدولية ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة تقديم حل فاعل للمسألة السياسية في سورية، حيث إن “الدول الفاعلة لم تكن تريد إنهاء الصراع ووضع حد للأزمة السورية”.

وقال السياسي السوري المعارض إن سورية وصلت فيها نسبة المشاركة السياسية في المظاهرات ما يفوق 20% ولم تنجح سلميا وخالفت قواعد إنريكي شينين التي تقول إن مشاركة 3% من السكان في الاحتجاجات بشكل سلمي كافية لإحداث التغيير السياسي، مضيفا: “هناك في سورية إشكال بدأ إقليميا وتحول دوليا، ما أفقد المعادلة الداخلية السورية القدرة على رؤية حل سوري، سوى ما يطرح دوليا، بمعنى أن المجتمع الدولي أقر بضرورة المشاركة السياسية تم التحكم فيها من خلال الراعيين الأساسيين: الروسي الذي سعى إلى إنتاج حل على طريقته في سوتشي، والراعي الأممي بالقيادة الأمريكية، ومن لن يسمع طبول الحرب تقرع فهو أصم”.

وأردف محدثنا: “التدخل الروسي الفج والشائن في سورية، أعاد معادلات الجيوبوليتيك الشائنة في مستويات السياسة العالمية، وأجج نزعتي الهيمنة والبطش بالقوة المفرطة المترافقة مع سياسات الكراهية وتهديد السلم المحلي والعالمي، وإمكانية تقاسم النفوذ السياسي بين الدول العظمى. وغاية المشروع الروسي العام التوسع عالميًا، على حساب الشعب السوري ودولته الوطنية، فساق معه تثبيت التدخل الميليشياوي الإيراني وتعميمه في الأرض السورية، بعد أن كان مهددًا بقدرته على الثبات فيها، بحكم حجم قوة الثورة وتقدمها وقتها حتى عام 2015 لحظة تدخل روسيا عسكريًا فيها، ما أدى إلى إرساء معادلة الأخذ السياسي بالقوة وفرض شروطها باستبعاد القرار الوطني، وهدر المسألة الوطنية السورية وشرعنتها على مواقع تقاسم نفوذ متعدد الأطراف الدولية، إضافة إلى عودة الصراع المخفي العالمي ليطفو على السطح بين قوى العالم الكبرى، من خلال سورية بشكل رئيسي، وبالضرورة بحث كل منها عن مساحة أوسع لها في محيطها الحيوي، أو ما يسميه الأمريكيون والإسرائيليون (الأمن القومي)، وهو ما يشكل أساسًا لطبيعة التفاهم الإسرائيلي الروسي”.

وقال الناشط السياسي السوري إن روسيا تحاول التمركز عالميا على حساب سورية، والعودة إلى المربع العالمي في القطبية العالمية وكسر النظام العالمي وحيد القطبية وفق نظريات الجيوبوليتيك التي تقوم على ثلاث اهداف: الوصول إلى المياه الدافئة والهيمنة على الممرات البحرية، والامتداد بالبعد الجغرافي ووصل أوروبا بآسيا عبر سورية.

وأضاف: “ربما نجزم بأن سورية اليوم هي (مربط فرس) المسألة العالمية ومهماز حركاتها، في واقع عالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989، وتفرد الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي الجديد ومن خلفه منظومة العولمة بأبعادها الثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية. وهذا موضوع قابل للبحث في محتواه من زاويا متعددة ودراسات أشمل وأوسع، لكن حضور المسألة السورية وكارثتها البشرية والتاريخية هو الأولى بتناول هذا المفصل، بين الجانبين الروسي والأمريكي”.

وتابع: “مثلت الحرب على الإرهاب المسألة التي استغلتها أمريكا، لغزو مناطق عدة في العالم تُعد مناطق نفوذ في المحيط الحيوي لروسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي)، ومثل ذلك ما تقوم به روسيا اليوم في سورية، ضمن بناء السياسات الحديثة الأمريكية والروسية على مفاهيم جيوسياسية، مفادها استكمال دوائر المحيط الحيوي لكل منهما، وحماية مصالحهما الاقتصادية والعسكرية، بالهيمنة المباشرة على مواقع النفوذ البرية والممرات الإقليمية البحرية عسكريًا واقتصاديًا، وبالضرورة تهيئة كامل الظروف الأنثروبولوجية للهيمنة والخضوع الإعلامي والسياسي والثقافي أيضًا”.

وقال الشوفي إن “الحل ليس روسيّا على على غرار سوتشي، ولا أمريكيّا على الطريقة الأممية في جنيف، وإنما ما بينهما، برغم أن الحل لن ينهي مأساة الشعب السوري، بل قد يتيح للسوريين استعادة قرارهم الداخلي إذا سمح لهم بممارسة حرية العمل السياسي والمدني مع خطوات إعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي”.

وبخصوص قانون قيصر، أفاد الدكتور جمال الشوفي بأنه ليس في مصلحة الشعب السوري وسيزيد معاناة شعب وصلت نسبة الفقر فيه إلى 85%. وأشار الشوفي إلى أن هذا القانون يرمي أيضا إلى معاقبة ولجم التمدّد الروسي والإيراني ومحاولة التوافق الروسي- الأمريكي على لجم التمدد الإيراني في الشرق الأوسط بعد أن سعت أمريكا إلى تفتيت مقومات الدول شرق البحر المتوسط بدءًا من العراق عام 2003 وصولا إلى سوريا 2020.

أما بخصوص دور المعارضة، فأوضح الناشط السياسي السوري أن المعارضة ليست أفضل حالا من سلطة النظام وتمارس ديمقراطية شكلية لا علاقة لها باعتبارات الواقع، لافتا إلى الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف وما جرى مؤخرا من تبديل المواقع السياسية لا علاقة له بانتخابات ديمقراطية وإنما له علاقة بالمصالح الدولية وآليات ترتيب الحلّ السوري وفق الأجندات الدولية.

وتابع: “لقد فُرض على المعارضة أقسى أنواع الخيارات وأصعبها، وتدرجت حولها وعليها آلاف أشكال الممارسات القمعية والتنكيلية، ما اضطر الكثيرين منها إلى الهرب خارج سورية، وفي المقابل، لا يعني بقاء رياض الترك وسليمان الشمر وغسان الجباعي، وغيرهم الآلاف في الداخل، أنهم لم يُعانوا كغيرهم ممن اضطروا إلى الخروج”.

وأوضح الشوفي أن الخلاف المتجذر بين النظام والمعارضة هو تمثيل للخلاف بين الأجنحة الدولية حول المسالة السورية، وبالتالي “باتت قوى المعارضة مندرجة في اللعبة الجيوبوليتيكية العالمية وفي تقاسم النفوذ داخل سورية”. وأكد أنه يحب استعادة قوة الشعب من قبل المعارضة باستعادة مراحل المسألة السورية بالتدريج بالعودة إلى البعد الاجتماعي، وإلى العمل الوطني وحل الخلافات الكردية العربية والخلافات بين الجيران كما في درعا والسويداء وبين دمشق ومحيطها، بحيث تصل المعارضة إلى مقومات وحوامل مجتمعية تستطيع أن ترفع مشروع الهوية الوطنية السورية مجددا وإلا فإن سورية ذاهبة إلى شكل من أشكال تقاسم النفوذ الدولي”.

وختم الشوفي بالقول: “ما لم يدرك العربُ، والسوريون حصرًا، أن معادلة السلام العادل هي معادلة الدولة الوطنية أولًا لا معادلة حكم العسكر وسطوة البعث القومجية، وأن معادلة التحرر الوطني واستعادة سورية هي معادلة السياسة الوطنية لا معادلة القوة العسكرية ومعادلات الجيوبوليتيك الشائنة وتقاسم النفوذ، فسيذهب هذا الوطن قطعة خلف قطعة”.