السياسي السوري زكي الدروبي: النظام يضغط على المواطنين من خلال المساعدات الانسانية.. وإسقاط نظام الأسد المستبد والانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي أولوية

61

لايزال الوضع في سورية على ماهو عليه مع دخول الحرب عامها العاشر رسميا، كأكبر الحروب المدمّرة في القرن الحالي.. وضع مأساوي مع اقتصاد في حالة إنهاك شديدة، مزقته الصراعات الداخلية ومهلهل بسبب الفساد المستشري في أوصاله.

في ظل هذا الواقع، لا يرى زكي الدروبي، الكاتب الصحفي والسياسي السوري المعارض، بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم، حيث يقول في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان: إنّ الوضع صعب ومتشابك، إضافة إلى أن مآل الجولة المقبلة للجنة الدستورية غير واضح ما من شأنه أن يصعدّ الأزمة.

س- تنعقد الجولة الخامسة لأعمال اللجنة الدستورية أواخر الشهر الجاري.. ما مآل نجاح هذه اللجنة برأيكم؟

ج- لا جديد، مجرّد مناورات من قبل نظام الأسد ورعاته الإقليميين والدوليين (الاحتلالين الإيراني والروسي) لإطالة الوقت بانتظار وصول الشعب السوري إلى مرحلة الإستسلام وظروف دولية تعيد إنتاج النظام وتسمح له بالإستمرار، ومحاولة من قبل أعضاء اللجنة الدستورية – بغض النظر عن كل عيوبها التي تحدثنا عنها كثيرا – من أجل الظهور أمام المجتمع الدولي بأن “المعارضة” السورية تسعى إلى الحل السياسي في حين يرفض النظام.

-في الحقيقة، المواد المختلف عليها في الدستور عددها قليل، وتتعلق ببنية النظام القمعية، مثل الصلاحيات الكاملة المعطاة لرئيس الجمهورية وغيرها، وهذه البنود قد تنتهي اللجنة من إعدادها خلال شهرين لا أكثر، إن كان هناك حسن نية ورغبة في الإنجاز، لكن النظام يمعن في الهروب من استحقاقات الحل السياسي، كما أن قضيتنا ليست في دستور لا يحترم، بل في نظام قمعي يقتل الناس تحت التعذيب لمجرد الشبهة.

س- دعوات كثيرة إلى تأجيل الانتخابات التي يسعى النظام إلى إجرائها، وتأكيد من المعارضة بعدم الإعتراف بها.. ما مصير هذه الانتخابات برأيك أستاذ زكي؟

ج- مصيرها كما هو حال الإنتخابات التي سبقتها، سواء أكانت انتخابات برلمانية “2012 و2016 و2020″ أو انتخابات رئاسية ” 2014 أو 2021″.. انتخابات غير شرعية، وهي استمرار هروب النظام القاتل لشعبه الناهب لثروات بلاده العميل لقوى الخارج من استحقاقات الحل السياسي التي تفرض عليه ترك السلطة والخضوع لمحكمة جنائية تحاسبه على الجرائم التي اقترفها بحق الشعب السوري.

لدينا في سورية انتفاضة خرجت في 2011 طالبت بإصلاحات سياسية اعترف بها النظام نفسه وقال إنها مطالب محقة، وكان بشار الأسد قد وعد بإجراء إصلاحات سياسية في خطاب استلامه للسلطة التي ورثها عن والده المتوفى في حزيران عام 2000، ثم أغلق المنتديات التي كانت تناقش أوضاع البلاد، واعتقل الكتاب والمعارضين، ثم صدرت في المؤتمر القُطري لحزب البعث في عام 2005، قرارات تطالب بإجراء إصلاحات سياسية وإطلاق الحريات العامة وإلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ انقلاب حافظ الأسد ورفاقه على السلطة المدنية المنتخبة عام 1963، وحين اندلعت الانتفاضة السورية خرجت مستشارة النظام الإعلامية بثينة شعبان لتقول إن الإصلاحات بدأت، وإن القرارات صدرت بالفعل، لكن في الحقيقة قابل النظام هذه المطالب الإصلاحية بالرصاص وقتل واعتقل المتظاهرين مما حول الإنتفاضة إلى ثورة شاملة تريد الإطاحة بنظام الإستبداد والقتل الذي كان يكذب، وهو في الحقيقة غير قابل للإصلاح والانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي تعددي.

-هذه الثورة تهدف إلى إسقاط نظام الاستبداد، والانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي تعددي، وقد أوضح بيان جنيف واحد لعام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 أن الحل السياسي في سورية يبدأ بتأسيس هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهي التي تقوم بإعداد دستور وانتخابات نيابية ورئاسية، لكن النظام ورعاته (الاحتلالين الإيراني والروسي) مستمر في الهروب من استحقاقات الحل السياسي عبر هذه المسرحيات التي تطيل أمد معاناة الشعب السوري في صمت مريب من قبل العالم، برغم الإعلانات والتصريحات التي تخرج هنا وهناك عن لا شرعية هذه الإنتخابات، لكن في الحقيقة نرى أن هناك عدم جدية في إيقاف نزيف الدم، وهذا واضح في خطوط أوباما الحمراء وفي صواريخ ترامب الإستعراضية، وكذلك في حصول منظمة مرتبطة بزوجة بشار الأسد على مرتبة محكم دولي في اليونسكو، وتعيين زوجة فيصل المقداد وزير خارجية النظام مستشارة “للصحة النفسية” في عام 2016 حين كان نائب وزير الخارجية، وكما هو الحال اليوم حين تقوم اليزابيث هاوف ممثلة الصحة العالمية في ليبيا باعتماد طائرات شركة أجنحة الشام- لصاحبها رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد وشريكه وأحد ممولي مليشياته التي قتلت الشعب السوري- من أجل نقل إمدادات صحية إلى ليبيا، وغيرها الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المقام هنا لسردها كلها.

س- قال وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، إن الإنتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في منتصف عام 2021 ستتم في موعدها، ولن يكون هناك ربط بينها وبين نجاح عمل اللجنة الدستورية.. ألا يجعل هذا كافة جهود إنجاح محادثات اللجنة عبثية؟

ج- طبعا، الوقت ثمنه دم وظروف معيشة غير إنسانية للشعب السوري، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو في المناطق الخارجة عن سيطرته، ويراهن النظام والحلقة الضيقة المستفيدة من وجوده – غير المهتم أصلاً بمعاناة الشعب السوري، فهو من رمى عليهم البراميل المتفجرة، وهو من قصفهم بالكيماوي والغازات السامة، وهو من قتل الناس في سجونه في أثناء التعذيب…- على الوقت، محاولا إيصال الشعب إلى حالة من الإستسلام والخضوع، لهذا يحاول دوما تقويض أي جهد للوصول إلى حل سياسي حقيقي ينصف الشعب السوري.. وبرغم عدم قناعتنا باللجنة الدستورية منذ انطلاقتها لأننا نطالب بتنفيذ مقتضيات بيان جنيف واحد لعام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 بتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات لتضع دستورا وتشرف على انتخابات نزيهة، وبرغم عدم تحقيق أي تقدم في عملها منذ انطلاقتها حتى اليوم، إلا أن تصريح وزير خارجية الأسد يؤكد ما نقوله من أن النظام غير معني بحل سياسي وفق ما اتفق عليه أممياً، ويماطل من أجل عدم تنفيذه.

س- ماهي شروط نجاح الحوار السوري- السوري الذي دعت إليه المعارضة منذ الإنتفاضة وتعطّل تحقيقه برأيك؟

ج- بداية لابد من التأكيد على أن الإنتفاضة السورية التي انطلقت في آذار 2011 تحولت في مطالبها من انتفاضة إصلاحية إلى ثورة تطالب بتغيير جذري وشامل، أي إسقاط نظام الأسد المستبد وانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي تعددي، أي أننا نتحدث اليوم عن ثورة الشعب السوري وليس انتفاضته.

-أما عن شروط نجاح الحوار، فإن كنت تتحدث عن حوار بين النظام وبين من تسمينهم “معارضة”- وأعتقد أنك تقصدين بهم الإئتلاف وهيئة المفاوضات- فهو الانتقال إلى تنفيذ مقررات بيان جنيف واحد لعام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 بتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، والبدء بعملية الإنتقال السياسي، أما إن كنت تشيرين إلى طاولة الحوار التي تحدث عنه النظام مع انطلاقة الثورة السورية فقد تعطلت نتيجة قتل نظام الأسد المتظاهرين السلميين – اعترف النظام بأنهم متظاهرون سلميون ومطالبهم محقة – برصاص أجهزة الأمن ومجموعات الشبيحة التابعة له.

س-بدأ العام الجديد في سورية على وقع حرب مُستعرة بين قوات النظام السوري وبتغطية عسكرية وسياسية روسية من جهة، وبين فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا من جانب أخر، ومؤخرا أنشأت تركيا القاعدة العسكرية الثانية قرب ناحية عين عيسى الإستراتيجية وتحاول السيطرة عليها وقطع طريق حلب-الحسكة”m4″.. ما هي أهداف تركيا التي توسعت أطماعها في سورية؟

ج-دعينا بداية ندقق على المصطلحات.. لا توجد أطماع لتركيا في الأراضي السورية، وعلينا أن نفرق بين التدخل التركي العسكري- الذي جاء استجابة لتدخلات إقليمية ودولية سبقته وأوجدت حالة من عدم الإستقرار في جنوب تركيا “داعش”، وأوجدت حالة انفصالية متمثلة بميليشيا Pkk بدأت بإجراءات أحادية على الأراضي السورية فأثرت على الأمن القومي التركي فاضطرت للتدخل في إطار التحالف الدولي ضد “داعش”، وكانت عملية درع الفرات في شمال حلب، ثم امتدت بعد مطالبات من الأهالي إلى مناطق عفرين “غصن الزيتون” ثم شرق الفرات “نبع السلام”، وفي إدلب بموجب اتفاقات آستانا وسوتشي مع روسيا- وبين الإحتلال الروسي الإيراني الذي قتل الشعب السوري ودمر بناه التحتية، “وفق تقارير حقوقية عالمية ومنها تقارير صادرة عن مرصدكم” وهجر الملايين، ووقع عقودا سرق فيها خيرات وثروات البلاد من نفط وفوسفات ومعابر حدودية ومطارات وموانئ ومرافق بنى تحتية…الخ .

-ولا زالت العصابات التابعة لقنديل تمارس دورها التخريبي في شمال سورية ولا ترغب في الاحتماء بالوطنية السورية، بل تمارس أجندات لا علاقة لها بالشعب السوري وثورته، فرفع صورة أوجلان في الرقة بعيد تحريرها دليل واضح على أنها لا ترغب في العمل ضمن إطار الوطنية وفي حدود الدولة السورية، إنما لديها مشاريع عابرة للحدود وهذا لا علاقة له بثورة الشعب السوري، وحين تنتهي هذه الآفة من خلال ايقاف الدعم المقدم أمريكيا لها وتسليم المنطقة لأصحابها الحقيقيين ليديروها بدعم أممي، حينذاك ستخرج تركيا من تلقاء نفسها.

-هذا لا يعني أنني أبارك أو أدعو إلى أي تدخل عسكري خارجي في سورية، بل أطالب دوما بخروج كل الأجانب من سورية، دولاً ومليشيات وأفرادا، وفي مقدمتهم الاحتلالان الإيراني والروسي، والمليشيات التابعة لهم.

س- طالب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، القوات الأمريكية بالإنسحاب من سورية “بشرف وكرامة “، كشرط لفتح حوار مع واشنطن.. ماذا برأيك عن الوجود الإيراني والتركي والروسي، ألا يعتبر خروجهم من أبرز شروط نجاح أي حوار سوري؟

ج- بالتأكيد يجب أن يخرج جميع الأجانب من سورية، دولاً ومليشيات وأفرادا، وفي مقدمتهم قوى الإحتلال الروسي والإيراني التي عقدت المشهد، وهي التي تدعم النظام وتسمح له بالتعنت ورفض الحلول السياسية، وهي من قتلت الشعب السوري بسكاكين المليشيات الطائفية أو بصواريخ طائراتها، وقد صرح عدة مسؤولين روس بأن الشعب السوري كان فئران تجارب لأسلحتهم، حيث إنهم جربوا عددا كبيرا من أسلحتهم في سوريا.. إن نجاح أي حل سياسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخروج قوى الإحتلال الروسي والإيراني، وتطبيق بيان جنيف واحد وقرار مجلس الأمن 2254، أما بقية التدخلات الأجنبية فهي انعكاس للاحتلال الروسي والإيراني، وستخرج من تلقاء نفسها حالما تزول آثار هذا الإحتلال.

س- كيف تقرأ تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية واستهدافها لسورية ؟

ج- اسرائيل تقصف سورية منذ سنوات، حتى قبل انطلاقة الثورة السورية، ونظام الأسد الذي يدعي أنه يريد تحرير فلسطين وأنه نظام مقاوم لإسرائيل لا يرد، ويتخذ وضع المزهرية مع كل عدوان على الأراضي السورية، ولا فرق بين ضربة جوية واحدة أو بين ألف ضربة، فالانتهاك تم ويتم منذ سنوات طويلة، والنظام صامت، واليوم تتزايد الضغوط على إيران من أجل إبعادها عن الحدود الجنوبية، ومنع القوات الإيرانية من التموضع، ومن أجل منع تزويد حزب الله بأسلحة صاروخية دقيقة الإصابة، وهي بنفس الوقت استنزاف لقدرات إيران العسكرية.

س- برغم كل الإشكاليات، هل ترون انفراجا للوضع أو تسوية سياسية قريبة؟

ج- العمل في السياسة يختلف عن التنجيم، فلا يمكننا أن نتنبأ بحصول تغييرات وانفراجات أو العكس، فما بين أيدينا اليوم هو نظام مجرم قاتل لشعبه، واحتلال روسي وايراني يساهم بقتل الشعب السوري، ويدعم النظام برفضه الحل السياسي القائم على بيان جنيف واحد وقرارات الأمم المتحدة، وشعب صامد يعيش في ظروف صعبة لا يمكن لعقل أن يتحملها رافضاً هذا النظام.. يملك هذا الشعب – كما هي شعوب المنطقة تجاه حكامها – مطالب محقة، ولا يمكن أن تحل من خلال النهج الأمني العسكري الذي اتبعه نظام الأسد وروسيا وإيران خلال السنوات العشر الماضية من عمر الثورة السورية، وقوانين التاريخ والطبيعة تؤكد أن هذا النظام راحل لا محالة.

س- ماذا عن التقارير التي تتحدث عن إعادة تمركز تنظيم” داعش” مجددا في عدة قرى وفي البادية السورية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة؟

ج-يعرف القاصي والداني أن “داعش” عصابة دولية تشبه الشركة المساهمة، وأن إيران ونظام الأسد يملكان معظم الأسهم، ومعلوم كيف أخرج نظام الأسد “الجهاديين” من سجونه، وسهل لهم الحصول على السلاح، وكيف سمح المالكي في العراق بهروب العشرات منهم من سجونه، وكيف سمح لهم بالاستيلاء على الموصل وسلمهم السلاح وأموال البنك المركزي، وبهذا نشأت كذبة “داعش” التي انسحبت قوات الأسد من أمامها، وسهلت لها السيطرة على مساحات واسعة من سوريا بهدف تشويه الثورة السورية وتطييفها، والصاق تهم الإرهاب بها، ونعلم أن النظام السوري نقل عناصر “داعش” بباصاته ليضعهم قرب السويداء، هذه المدينة التي رفض أهلها القتال إلى جانب النظام، فرغب في معاقبتهم عبر جلب عناصر “داعش” ووضعهم بجانب المدينة.

إذن، من السياق العام التاريخي السابق نجد أن “داعش” كانت عصا سحرية يستخدمها النظام حين تتزايد عليه الضغوط، وها نحن نرى اليوم ازدياد نشاط “داعش” في البادية السورية بالتزامن مع اشتداد الضغوط عليه في محاولة لإخافة العالم بهذه الفزاعة وإشغاله عنه.

س-حذر مبعوث الأمم المتحدة في سورية، غير بيدرسون، من توقّف المساعدات الإنسانية عن مخيمات اللاجئين السوريين، مع تزايد قسوة الظروف التي يعيشون فيها، بعد دعوة النظام إلى إيقافها شمال شرقي سورية.. كيف تقرأون طلب النظام بمنع المساعدات؟ وألا يعتبر هذا ضغطا على تلك المناطق التي تعاني أوضاعا قاسية ؟

ج-بالتأكيد هي محاولة من قبل نظام الأسد لزيادة الضغوط على المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، ودفعهم إلى الإستسلام، وبنفس الوقت محاولة تهرب من استحقاقات قانون قيصر والعقوبات المفروضة عليه، ودفع الأمم المتحدة إلى التعامل معه على أنه نظام شرعي، ونحن نعرف أنه سرق المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة والدول العالمية المختلفة قبل اليوم، وهذا ليس غريبا عليه، فمن يقتل شعبه بالبراميل والصواريخ والكيماوي والغازات السامة، لن يتوانى عن سرقة لقمة عيشه المقدمة من الأمم المتحدة.