السياسي المعارض السوري سامر كعكرلي: الروس يطمعون بكعكة إعادة الإعمار في سورية والأسد هو من طرح فكرة تقسيم سورية منذ بداية الثورة والمخطط الإيراني أخطر مخطّط على سورية ودول المنطقة

55

منذ بداية الثورة السورية رفعت جميع الدول والقوى الإقليمية والدولية، المهتمة بالمسألة السورية، في كل الملتقيات شعار “الحل في سوريا سياسي لا عسكريًا”، وبرغم مرور 10 سنوات لم تلوح تلك المؤتمرات المنعقدة لحلّ تلك ‘الأزمة السياسية’ والأمنية المستمرة والمعقّدة، حيث لا أمل يلوح في الأفق، بل سعت بعض الأطراف إلى خلق أزمات أخرى وتعقيد سبل الوصول إلى الاستقرار وصناعة مطبّات لترك البلد يتخبّط في أوحاله.
ويرى السياسي المعارض السوري، المهندس سامر كعكرلي، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن النظام يسعى إلى إطالة أمد الصراع، لتحقيق مصالح سياسي، لافتا إلى سورية عصيّة على مشروع التقسيم، مشددا على إن الشعب السوري محكوم بالأمل لإيجاد الطريق لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

س- حسب الأمم المتحدة أثبتت القرارات أحادية الجانب أي خارج إطار الأمم المتحدة، تداعياتها الكارثية على الشعوب دون غيرها، في هذا الإطار صرّح سيرغي لافروف بأن العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد النظام السوري قد تؤدي إلى مزيد تأزيم الوضع بل إلى انفجاره.. كيف تقرؤون سنّ هذه العقوبات التي أتعبت الشعب السوري وأضرت بقوته وزادت من تغوّل النظام؟

ج – أولاً لا يحق لسيرغي لافروف أن يقول عن العقوبات الأمريكية بأنّها قرارات أحادية الجانب لأن بلاده من خلال أكثر من عشرين فيتو هي من عطّلت اتخاذ أي قرار أممي كان بإمكانه ألا يوصلنا إلى مرحلة تلك العقوبات، وثانياُ بالنسبة للعقوبات الأمريكية على النظام السوري المسماة قانون قيصر نسبة للمصور المنشق، فهذا القانون لم يشمل المواد الغذائية والدوائية ولكن استهدف بالأساس الآلة الحربية التي تقتل شعبنا السوري، وأيضا استهدف المصارف السورية ومنها المصرف المركزي، التي تموّل آلة القتل، كما استهدف بعض رجال الأعمال السوريين الذين تورطوا بدعم وتمويل قوات النظام وميليشياته، أي أن كل ما يتعلق بقتل الشعب السوري يستهدفه القانون، أما عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها المواطن السوري القاطن في مناطق النظام فهذا مردها ليس للعقوبات بل لسياسات النظام الاقتصادية حيث سخر كل الاقتصاد السوري خدمة لآلته العسكرية، ولنأخذ مثالاً على ذلك سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي.. فالليرة السورية بدأت تنهار منذ انطلاق الثورة بسبب اعتماد بشار الأسد الحل الأمني، فسعر صرف أي عملة محلية مقابل الدولار الأمريكي يرتبط بعدة عوامل أهمّها عجلة الإنتاج في أي بلد، فإذا توقفت تلك العجلة عن الدوران فإن ذلك يؤثر سلباً على سعر الصرف، وأنتم تعرفون والعالم أجمع يعرف أن عجلة الإنتاج قد توقفت تماما بسبب العمليات العسكرية .. سبب آخر هو حجم احتياطي النقد الأجنبي أيضاً، هذا النقد قد استنزف بفعل تمويل الآلة العسكرية لقوات الأسد.. إذن، سوء المعيشة التي يعاني منها الشعب السوري ليس مرده قانون قيصر.. أمر آخر مهم جداً بنفس الموضوع، وهو أن الجميع في سورية يعلم أن نظام حافظ الأسد عندما استولى على السلطة قام بمحو طبقة التجار السوريين الوطنيين واستبدلهم برجال أعمال أقرب إلى رجالات المافيا عن كونهم رجال أعمال، وحصر استيراد كل مستلزمات الحياة تقريبا بتلك الطبقة.
-عندما جاء قانون قيصر وفرض العقوبات على رجالات النظام وبطبيعة الحال هؤلاء المتحكمين بقوت الشعب طالت العقوبات المواد التي يستوردونها، ولكن المستهدف هي عصابات المافيا التابعة للنظام وليس تلك السلع الغذائية، فلو كان النظام حريصاً على الشعب السوري لكان على الأقل منع احتكار هؤلاء استيراد السلع الغذائية وسمح لكافة التجار باستيراد تلك المواد في ظل العقوبات، فعلى سبيل المثال يستطيع أي تاجر يقطن خارج سورية أن يشتري سكرا مثلا وأن يرسله إلى سورية وهذا لن تشمله العقوبات، ولكن النظام يمنع هذا التاجر الخارج عن سيطرته بأن يصدر أي شيء لسورية حماية لرجالات المافيا الذين يمولونه.
-أخيرا وبخصوص الموضوع وحول تصريحات سيرغي لافروف أقول بأن الروس المحتلين لبلادنا هم مستهدفون من تلك العقوبات لأنهم يطمعون بكعكة إعادة الإعمار، وفي ظلّ هذا القانون لن تجرؤ الشركات الروسية التي سال لعابها على الاستثمار في إعادة الإعمار على مباشرة عملها وبذلك تكون جهود روسيا في الحفاظ على النظام السوري خدمة لمصالحها الإقتصادية قد ذهبت أدراج الرياح، ولذلك نرى أن الروس منزعجون من قانون قيصر ربما أكثر من انزعاج الأسد نفسه.

س- تسعى أمريكا ومن ورائها إسرائيل إلى تشكيل حكم ذاتي كردي شمال سورية، ما من شأنه أن يضع البلد على كفّة التقسيم والانفجار الكبير في سورية والمنطقة ككل، كما حدث شمال العراق.. كيف تقيّمون هذا المشروع الذي يصفه سياسيون سوريون بالخبيث المسموم وهل من الممكن المضي فيه؟

ج– لابد من التأكيد والتذكير بأن أول من طرح فكرة تقسيم سورية هو بشار الأسد وذلك في خطابه الثاني أو الثالث في بداية الثورة، عندما خيّر الشعب السوري بين نظامه وبين خطر التقسيم والفوضى وهذا مثبت بالصوت والصورة، وبالفعل نفّذ وعيده عندما سمح لحزب العمال الكردستاني /PKK/ بالدخول إلى سورية ولتصفية الرموز الوطنية السورية الكردية في شمال شرقي سورية وتصفية كل من وقف في صف الشعب السوري بكل أطيافه ضد استبداد النظام، وثانياً لا بد من تأكيد موقف حزبنا الرافض لأي نوع من أنواع تقسيم سورية، نحن نؤمن بأن اللامركزية الإدارية هي السبيل الوحيد لاستقرار سورية، وفيما يتعلق بأمريكا، لا أريد أن أكون مدافعاً عنها وعن وجود قواتها في سورية، فالموضوع بسيط جداً.. أمريكا هي نفسها التي منعت إقليم كردستان العراق من الانفصال عن العراق وإعلان جمهورية كردستان في شمال العراق مع العلم أن هذا الإقليم يمتلك من المقومات ما تمكنه من إعلان دولته وتم تتويج ذلك باستفتاء عام 2017 والذي كانت نتائجه أن أكثر من 92% مع الانفصال عن العراق، وها نحن في عام 2020 لم يحدث هذا الانفصال، أما إسرائيل فهي دولة عدو لسورية وبكل تأكيد تسعى إلى إضعافها من خلال التقسيم ولكن يبقى السؤال المهم هل يمكنها النجاح بذلك لولا الحل الأمني الذي اتبعه النظام في معرض رده على ثورة الحرية والذي تسبب بكل هذا الدمار.. يقول المثل الشعبي الشائع (الثلم الأعوج من الثور الكبير) والثور الكبير هنا هو بشار الأسد الذي سمح لكل من هب ودب بأن يتدخل بالشأن السوري.

س -هذا الحديث وتلك المخاوف من مشروع التقسيم في سورية وما يمكن أن ينجرّ عنه من دمار، هل يمكن أن يمر من البوابة الكردية أم أنه سيسقط من نفس الطريق؟

ج – لا، لن يمر مشروع تقسم سورية لا من البوابة الكردية ولا من غيرها من البوابات، فسورية عصية عن التقسيم، وما عصابات جبال قنديل التي سطت على شمال شرقي سورية سوى عصابات عابرة لها دور تخريبي تدميري، ولذلك عند سقوط النظام سيسقط معه كل أنواع الاستبداد الذي عمل هو (أي نظام بشار الأسد) على صناعته سواء الاستبداد القومي المتمثل/PYD/ الإرهابي أو الاستبداد الديني المتمثل بداعش وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).

س : سياسيون سوريون يرون أن في بقاء الأسد على رأس النظام، صفقة روسية، وراءها رهن اقتصاد البلاد لموسكو.. هل توافقون هذا الرأي؟

ج- صرّح المسؤولون الروس في أكثر من مرة بأن روسيا لا تحمي بشار الأسد كشخص وإنما تحمي النظام السوري، أي أن الروس وبتصريحاتهم تلك يبينون أن رأس بشار الأسد متاح للبيع ضمن البازار السياسي الدولي على عكس الإيرانيين، وبشار الأسد يعلم ذلك تماماً بدليل أنه لغاية تاريخه وبالرغم من كل الضغوطات لم يأخذ ولن يأخذ قرارا بإخراج الإيرانيين من سورية لأنه يعلم بأن إيران متمسكة به كشخص أما الروس فيمكن أن يبيعوه عند أول صفقة سياسية دولية تكون في صالح روسيا على الصعيد الدولي. ونحن نرى الآن ما يحصل في جنوب سورية من صراع شرس ما بين النفوذ الروسي والنفوذ الإيراني وعمليات التصفية التي تجري بكلى الطرفين، هذا حصيلة صراع النفوذ الروسي والإيراني.
أما عن موضوع رهن الاقتصاد السوري لموسكو فهذه الأخيرة قد حصلت اقتصاديا على ما تريد من سورية وهي تنتظر الآن حصد النتائج الإقتصادية لتدخلها في سورية لصالح النظام، ولكن المعيق لذلك هو وجود الأسد بشخصه، وأنت ترين الشروط الأوروبية للمشاركة في إعادة الإعمار تلك الكعكة الاقتصادية التي يسيل عليها لعاب الشركات الروسية التي بغالبها مرتبطة بشخص بوتين لأنه هو كشخص يقف كرجل عصابات المافيا خلف تلك الشركات، ولذلك تعتقد روسيا أن استمرار ارتهان الاقتصاد السوري لها سيكون ضمن صفقة دولية ربما تحافظ على النظام ولكن بكل تأكيد بغياب بشار الأسد.

س: يقول لافروف إن سورية انتصرت على الإرهاب بفضل موسكو، ويقول بشار الأسد إن استمرار وجود القواعد العسكرية الروسية في بلاده يساعده في مواجهة نفوذ القوى الغربية بالمنطقة.. كيف تقرؤون تهليل رئيس دولة بوجود “المحتل” كثمن لبقائه في السلطة ومناداته من جانب آخر برحيل محتل أخر (تركيا مثالا) ؟

ج – أولاً / لافروف كاذب (ويرجى عدم حذف كلمة كاذب تحت يافطة اللباقة الدبلوماسية) لأنه لم يكن في سورية إرهاب بل كانت ثورة شعب ضد نظام مستبدّ قاتل لشعبه، بل بالعكس تماماً لم تحرّر القوات الروسية التي استخدمت ما يسمى” خيار غروزني” أي شبر من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين.. ما نفذته القوات الروسية المجرمة هو قصف المدنيين وتحريرها من أهلها سواء في ريف دمشق “الغوطة الشرقية والغربية” وفي الجنوب درعا وفي حلب، أما مناطق سيطرة داعش وهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” فلم تتعرض لتلك الهمجية الروسية في القصف، لأن وجود الإرهاب هو مطلب أسدي وبالتالي مطلب روسي وإيراني.. ثانياً نحن في حزب اليسار الديمقراطي السوري لا نعتبر بشار الأسد رئيساً للدولة السورية ولذلك لا نهتم كثيراً بتهليله لمحتل ومطالبته برحيل محتل آخر، نحن كحزب نرى أن كافة القوى الأجنبية سواء أكانت جيوشا أو ميليشيات أو أفرادا على التراب السوري جميعها قوات احتلال ويجب خروجها من الأراضي السورية بعد سقوط بشار الأسد، ولكننا بنفس الوقت نضع أولويات، فلا يمكننا بحال من الأحوال تشبيه المحتل الإيراني والمحتل الروسي بالمحتل التركي أو الأمريكي، فالروس والإيرانيين قتلوا من شعبنا السوري البريء ما لم يقتله أي احتلال لسورية بما في ذلك إسرائيل.

س : كيف أثّر التدخل التركي والإيراني والأمريكي على الأزمة السورية من الناحية العسكرية والسياسية وموازين القوى على الأرض؟

ج – أولا أستغرب إسقاط التدخل الروسي من السؤال وترتيب التدخلات بوضع التركي بالبداية، وأؤكد أننا كحزب نرى كافة القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي السورية قوى محتلة، ولكن يجب توضيح نقطة مهمة أن إيران تدخلت عسكرياً منذ اليوم الأول للثورة السورية عبر ذراعها حزب الله الإرهابي الذي انتشر قناصته في درعا منذ 18/03/2011 أي منذ اليوم الأول وذلك بشاهدة أهالي درعا أنفسهم وكل الكذب والترويج الذي تحاول الماكينة الإعلامية التابعة للنظام ما هي سوى بروباغندا إعلامية تهدف إلى حرف النظر عن التدخل الإيراني بسورية.. أيضاً التدخل الروسي الذي جاء في عام 2015 سبق غيره من التدخلات الأجنبية في سورية..
-أما عن سؤالك كيف أثرت التدخلات الأجنبية في الشأن السوري فأستطيع القول إن التدخل الروسي هو الذي قلب كل الموازين في سورية فلولا التدخل الروسي لكانت الثورة السورية قد أسقطت النظام المجرم، وأيضاُ التدخل التركي لم يأتِ لصالح الثورة مائة بالمائة بل تم بسبب أجندة تركية خالصة وهي حماية أمنها القومي بسبب تغلغل حزب العمال بدعم أسدي واضح في المناطق الحدودية التركية، ونحن نعرف أن هذا الحزب يعادي تركيا منذ فترة طويلة ولذلك تدخلت تركيا للدفاع عن مصالحها عبر عمليتين عسكريتين “غصن الزيتون” و”نبع السلام”.. وللأسف الشديد لم يكن موقف المعارضة السورية المسيطر عليها من قبل “الإخوان المسلمين” الموقف المشرف الذي يتطلب على الأقل توضيح أسباب التدخل التركي بل على العكس من ذلك انخرطوا في الأجندة التركية وأصبحوا أبواقا لهذا التدخل، ونحن بالحزب لا نقول بأن التدخل التركي كان صحيحاً أو كان خاطئاً لأننا ندرك أن هذا التدخل جاء كما قلت من خلال أجندة تركية، ولكن لنكن واضحين: كان هناك في مرحلة من المراحل تقاطع مصالح بين الشعب السوري الثائر على نظام الأسد وبين الأجندة التركية، ولكن للأسف ترافق التدخل التركي بدعم فصائل إسلامية هي غريبة عن الشعب السوري مثل “القاعدة” متمثلة بهيئة تحرير الشام وكان ذلك بأجندة حزبية واضحة لجماعة “الإخوان المسلمين”، لذلك نحن في الحزب وإن كنا نضع اللوم على تركيا بذلك ولكننا نحمل جماعة “الإخوان” المسؤولية الأكبر في ذلك لأنهم فضلوا أجندتهم الحزبية على أجندة الوطن ( وبكل الأحوال لم يأتِ “الإخوان المسلمين” في سورية بأي جديد بهذا الأمر فهم دائماً يرون الأجندة الحزبية لهم فوق مصالح الوطن). بالخلاصة نعم أثرت التدخلات الأجنبية في الشأن السوري على سير الصراع بين الشعب السوري والنظام.

س الصراع السوري المستمر منذ 10 سنوات، بدأ كثورة سلمية تحولت إلى حرب ثم إلى معركة إقليمية بالوكالة.. كيف السبيل إلى الخلاص برغم كل الدمار، بحلّ سياسي سلمي،ومن يعطل الحل السياسي برأيكم ؟

ج – أولا في سورية لا يوجد صراع بل ثورة شعب مظلوم ضد نظام مستبد استولى على الحكم وحكم بقبضة حديدية لمدّة خمسين عاما، ثانياً لم تتحول الثورة إلى ما يسمى بمصطلح حرب، فالحرب تعني بقواميس السياسية أن هناك جيشين أو طرفين دخلا فيما بينها في حرب كما يحدث الآن بين أذربيجان وأرمينيا أو كما حدث بين الهند وباكستان أو كما حدث خلال الحرب الأهلية الإسبانية بين قوات فرانكو والجمهوريين، أما الذي حصل بسورية فهو وبتوصيف دقيق إبادة للشعب السوري أو حرب من طرف واحد متمثلاً بقوات الأسد وحلفائها وبين شعب سوري أعزل قرر أن يدافع عن نفسه بما تيسر له من أسلحة فردية معظمها غنمها من قوات الأسد ، وما رواية الحرب سوى دعاية رخيصة لحرف النظر عن حرب الإبادة التي يتعرّض لها ولا يزال الشعب السوري.
– أما بالنسبة للسؤال عن كيفية الخلاص فأؤكد لك أن الشعب السوري الذي دفع الكثير في سبيل حريته لن يعود إلى قمقم الخوف من النظام ولن يستكين حتى ينال الحرية التي يستحقها، وبالطبع وفق قرارات الأمم المتحدة خاصة القرارين /2118/ و2254/ ولكن برؤية الشعب السورية القاضية بإقامة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات لا وجود للأسد بها، أما من يعطل الحل السلمي فيكفي أن أذكر بتعطيل نظام الأسد للجنة الدستورية التي تجري اجتماعاتها في جنيف (( ولو أننا بحزب اليسار لا نرى فائدة من تلك اللجنة لأننا على قناعة تامة بأن المشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية بل بنظام لا يحترم الدستور حتى لو هو كتبه وفرضه على الشعب السوري))، ولو كان النظام يعتقد بالحلول السلمية في بداية الثورة لَمَا تصرف على هذا الأساس منذ بداية الثورة منذ أن شكل ما يسمى بلجان المصالحة برئاسة فاروق الشرع والتي عقدت جلسة وحيدة في فندق سمير أميس بدمشق، ولكن هذا النظام يعرف تماماً أن الحل السلمي سيكون المسمار الأول والأخير في نعشه لذلك انقض على اجتماعات سمير أميس وفرض الحل العسكري الأمني.

س- أي مستقبل ودور للمعارضة السورية في ظل الوصاية التركية والأمريكية، ثم ألا ترون أن المعارضة قد أضاعت بوصلتها لتعديل الأزمة وقد دفعت إلى تعميقها ؟

ج- أولاً أود التأكيد بأن حزبنا حزب اليسار الديمقراطي السوري لا يعتبر نفسه معارضة بل هو حزب ثوري نشأ من رحم أشرف وأطهر ثورة عرفتها البشرية في العصر الحديث، أما بالنسبة لدور ما يسمى المعارضة السورية وارتهانها للوصاية التركية فمن المجحف وصف كل أطياف المعارضة السورية بأنها مرتهنة لتركيا، المرتهن لتركيا هم فقط جماعة “الإخوان المسلمين” وللأسف هم الذين يسيطرون على مؤسسات المعارضة السورية بدءً من المجلس الوطني ومروراً بائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، ولذلك نحن نعتقد كحزب بأن أي فصيل ارتضى لنفسه الارتهان بأجندة غير وطنية سورية خالصة، لا مستقبل سياسيا له في سورية القادمة، أما عن الوصاية الأمريكية والسؤال يلمح إلى قسد وحزب /PYD/ أيضاً، من المجحف تسميتهم معارضة بل هم جزء لا يتجزأ من النظام السوري ويعملون في خدمته ليلاً نهاراً.. أما عن ارتهانهم للولايات المتحدة الأمريكية فهم أشبه بوسيلة أمريكية تستخدمها أمريكا لتنفيذ مآربها وعندما تنتهي منهم ستلفظهم. وأخيرا، صحيح أن كل هؤلاء ممن يسمون أنفسهم معارضة ساهموا في تعميق الأزمة ولا سيما “الإخوان المسلمين” الذين لم يكن من صالحهم انتصار الثورة من بدايتها لأنهم يمتلكون أجندة حزبية تم رفعها على صالح الأجندة الوطنية السورية، ولكن بكل تأكيد مساهمة هؤلاء في تعميق “الأزمة” في سورية لا يشكل سوى عامل بسيط أمام إرهاب النظام الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه.

س- تراجع منسوب مياه نهر الفرات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، من جراء السدود التي تبنيها تركيا على النهر، أدى إلى أثار مدمرة على الزراعة وصيد الأسماك في مناطق عدة، منها قرى محافظة الرقة.. كيف السبيل إلى التصدي لهذه التصرفات العدوانية من قبل أنقرة، والتصدي لمشروع التغيير الديموغرافي الذي تسعى إليه في شمال البلاد؟

ج- تركيا بنت على نهر الفرات خمسة سدود وآخر سدّ تم بناؤه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً..تركيا الآن لا تملك أي مجال جغرافي لبناء سدّ جديد لأن أخر سد على نهر الفرات يقع قبل دخول نهر الفرات للأراضي السورية بمسافة لا تزيد عن خمسة كيلومترات، وتلك السدود قد وصلت إلى حد الإمتلاء الأعظمي قبل عام 2000، لذلك لا تمتلك تركيا أي فرصة لزيادة تخزين إضافي لماء نهر الفرات. أما عن الكارثة الحاصلة الآن ((وهذا الكلام مثبت من قبل مختصين سوريين ما زالوا على رأس عملهم سواء في سد الفرات أو في سد تشرين )) فإن قسد بقيادة حزب /PYD/ تعمل على الاستنزاف الجائر للمخزون المائي لسدي الفرات وتشرين بهدف إنتاج أعلى كمية ممكنة من الكهرباء يبيعونها لنظام الأسد الذي يبيع جزءً منها إلى لبنان، والوجه الآخر لأزمة المياه هي فترة ما تسمى ذروة الجفاف وهي في الأشهر السادس والسابع والثامن حيث ينخفض مستوى مياه نهر الفرات من المنبع، وحسب الاتفاقية المؤقتة ما بين الدول المتشاطئة لنهر الفرات (تركيا – سورية – العراق) التي وقعت عام 1987 تبلغ حصة تركيا من نهر الفرات 38% ، وأما 62% المتبقية فهي توزع على سورية والعراق بنسبة 48% لسورية و52% للعراق. وعندما تتدفق منابع نهر الفرات 1000متر مكعب في الثانية تكون حصة تركيا 380 مترا مكعبا في الثانية وحصة سوريا 297.6 مترا مكعبا في الثانية وحصة العراق 322.4 مترا مكعبا ، ولكن عندما ينخفض تدفق نهر الفرات في ذروة الجفاف ليصل إلى حدود 500 متر مكعب في الثانية، تبقى حصة تركيا 38%, والباقي لسورية والعراق، ولكن الذي حدث وخدمة للأجندة الأسدية ولذراعها قسد ونتيجة ذروة الجفاف الطبيعية التي تمر على المنطقة استغل نظام الأسد وقسد ذلك للإدعاء بأن تركيا تعطش السوريين، مع العلم وبتفكير بسيط أنه إذا عطشت سورية نتيجة قطع تركيا لنهر الفرات فإنه بكل تأكيد العراق سيعطش ولكن وخلال الأزمة المفتعلة من قبل نظام الأسد وقسد لم نسمع أي تصريح عراقي بأن مياه نهر الفرات قد انخفضت، لأن قسد لا تجرؤ على تخفيض الحصة الواردة لها من تركيا بل استخدمت كما أوضحتُ سابقا مخزوني سدي الفرات وتشرين بما يهدد بكارثة مستقبلية قادمة لمنطقة الفرات في سورية. أما بالنسبة لموضوع التغيير الديموغرافي الذي تقوم به تركيا في شمال سورية فهذا إن حدث فتقع مسؤوليته على عاتق قوات الأسد وحلفائه الذين وبفعل عملياتهم العسكرية المجرمة تسببوا في نزوح السوريين من مناطقهم سواء في القصير أو غوطة دمشق أو مضايا والزبداني وهم سوريين بالنهاية حيث لم تؤكد أي تقارير دولية قيام تركيا بجلب غير سوريين وإسكانهم في شمال سورية ومع ذلك فإن حزبنا يرى ويؤكد على ضرورة عدم العبث بأي تركيبة سكانية في أي منطقة سورية وأن من نزح من السوريين بفعل إجرام الأسد وحلفائه لا بد لهم من العودة لقراهم وبلداتهم، وبنفس الوقت فإننا كحزب نرى بأنه من المخجل التطرق إلى موضوع التغيير الديموغرافي في سورية دون الحديث عن أخطر وأوسع عملية تغيير ديموغرافي تقوم بها إيران بمساندة النظام يهدف تغيير ديموغرافي في كامل سورية وليس في شمالها فقط.

س- في ظلّ تزايد الأزمات التي يعيشها النظام التركي في شرق المتوسط وليبيا والصراع الأذري الأرمني، بالإضافة إلى سورية، ما هو مصير المخطط التركي في سورية ومصير مرتزقتها السوريين الذين يقاتلون لحسابها؟

ج- نحن كحزب نعتبر الوجود التركي في الأراضي السورية احتلالاً، ولكن نحن الآن كشعب سوري وكحزب نركز على المخطط الأكبر الذي يهدد وجود الشعب السوري ويهدد وجود سورية كبلد وأقصد هنا المخطط الإيراني ليس لسورية فقط بل لكل دول المنطقة.. فالفرس هم من يشكلون الخطر الحقيقي على الدول العربية لا تركيا، وبالعموم صرح المسؤولون الأتراك منذ أيام بأنه لا يوجد لتركيا أي مخطط للبقاء في سورية للأبد، مع العلم بأنني أتحدى أن أرى تصريحا إيرانيا مشابها، فإيران ليس من أجندتها الخروج من سورية بإرادتها ولكن نؤكد كحزب بأنه ستخرج مرغمة من سورية بفضل ثبات ومقاومة الشرفاء السوريين. أما فيما يتعلق بموضوع المقاتلين السوريين الذين تم إرسالهم كمرتزقة للقتال سواء في ليبيا أو في أذربيجان، فنؤكد نحن في حزب اليسار الديمقراطي السوري أننا ندين تركيا لإرسالها شبابا سوريا ليقاتل في معركة ليست معركته، كما ندين جماعة “الإخوان المسلمين” لتسهيل ذلك عبر ماكينتهم الإعلامية، ولكننا بنفس الوقت نحمل المسؤولية بهذا الأمر للنظام وحلفائه الإيرانيين والروس الذين بفعل إجرامهم تم تهجير هؤلاء الشباب السوري من بلداتهم وقراهم وجعلهم لاجئين أو نازحين وجعل هؤلاء الشباب يعيشون الحاجة وقنت العيش مما أضطرهم للقبول بهذا الأمر وهنا أنا لا أبرر بل أضع يدي على آس المشكلة وهي نظام الأسد وحلفائه.

س: قال بشار الأسد في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية( نشر يوم 8أكتوبر2020) إذا لم تغادر أمريكا وتركيا سوريا بعد القضاء على الإرهابيين فإن السوريين سيبدؤون انتفاضة شعبية.. هل تتفقون معه في هذه الجزئية؟

ج – أقول لبشار الأسد إن الشعب السوري لا يحتاج إلى دعوة منك لمقاومة الاحتلالات ولكنه أي الشعب السوري أصبح خارج قمقم إرهابك وهو يعرف تماماً أن يرتب أولوياته وأن إيران وروسيا وقبلهما نظامك هم ما يهم الشعب السوري الآن التخلص منهم جميعاً، وبعد ذلك نحن نثق بأن الشعب السوري الذي خاض حرب تحرير على مدار عشر سنوات واجه فيها أعتى أسلحة دمار استخدمت من قبل الروس وقوات الأسد سوف لن يستكين حتى يحرر سورية من كافة الإحتلالات الأخرى، ولن يرضى هذا الشعب العظيم سوى بعلاقات ندية بينه وبين الدول ولا سيما الدول المحيطة بسورية.

س : هل يوجد بوادر للحلّ في سورية برغم كل المخططات المسمومة؟

ج – نعم بكل تأكيد فالشعب السوري محكوم بالأمل وطبعاً الأمل المبني على وقائع نراها كل يوم، فصراع النفوذ بين كل من إيران وروسيا قد بدأت ملامحه تظهر على الملأ وما يجري في جنوب سورية من اغتيالات وتصفيات ما هو سوى ارتدادات لهذا الصراع إضافة إلى قانون قيصر الذي بدأ يؤثر على النظام السوري وربما من أهم تداعياته بدأ انفراط عقد تحالفات النظام الداخلية بين النظام ورجالاته ونحن نرى هذا الصراع الشرس بين بشار الأسد وزوجته أسماء وبين رامي مخلوف، كل المؤشرات تدل على أن سورية القادمة ستكون دون عائلة الأسد وأنها ستكون دولة مدنية ديمقراطية تعددية، وكل ذلك فرضه صمود الشعب السوري لمدة عشر سنوات من القتل والتدمير والتهجير مع صمت مريب من قبل المجتمع الدولي.