الشمال السوري بين الـ ـمـ ـآ ز ق الأمـ ـنـ ـيـ ـة والـ ـمـ ـأسـ ـاة الاقتصادية والـ ـزلـ ـز ا ل

125

يواجه الشمال السوري بعد الزلزال  المدمّر الذي ضرب المنطقة وأودى بحياة آلاف الأشخاص، صعوبات كثيرة، حيث تحاول السلطات في تلك الجهة، برغم الظروف القاسية بعد سنوات من الحرب، احتواء الوضع وتوفير الضروريات،  في منطقة منهكة أصلا  جرّاء الحرب والهجمات المستمرة من قبل تركيا والفصائل الموالية لها، وظلت تعاني تحدّيات إنسانية واقتصادية وباتت أسيرة للمواقف والأمزجة السياسية بين مختلف الأطراف.

ولتخفيف آثار ما أصاب المنطقة، تستمر الحملات الإنسانية لإغاثة الأهالي الذين بات الشارع مأواهم.

وأمام حجم الكارثة، وهول الفاجعة، يدعو المرصد السوري  لحقوق الإنسان الأطراف الفاعلة إلى مضاعفة الجهود لنجدة المنكوبين في هذه الظروف القاسية من كل النواحي.

تأثيرات الأوضاع الأمنية على الشمال السوري
وتحدث الناطق الرسمي باسم لواء الشمال الديمقراطي، محمود حبيب، في لقاء مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عما تعرضت له المنطقة الشمالية وعموم الأراضي السورية من هزات سياسية واجتماعية وأمنية خطيرة، لافتا إلى أن التأثير الخطير يكمن في الفشل المحلي الذي أجّج الصراعات وترك البلد عرضة للتدخلات، والأخطر من ذلك إجهاض أي مشروع قابل للحياة لحساب إنتاج مشاريع مؤقتة ومرحلية ومناطقية ، و ما زاد الطين بلة تجميع كل القوى المتطرفة والمنفلتة في شمال غربي سورية الأمر الذي أبعد التعاطف الدولي معها من جهة وجنب محاسبة النظام من جهة أخرى حتى جاء الزلزال ليفاقم الأوضاع المتأزمة أساسا وخصوصا عندما تعامل المجتمع الدولي بفتور مع هذه الأزمة وما خلفته من أضرار. 

وأفاد الناطق الرسمي باسم لواء الشمال الديمقراطي، بأنّه في صورة عدم تكاتف المجتمع الدولي وتنحية خلافاته جانبا  لمعالجة الأزمة المتفاقمة في الشمال الغربي فسيكون القادم أسوأ بكثير.

وأضاف: لقد تحدثت عن شمال غربي سورية والنتيجة أن الاستقرار هناك أصبح أكثر صعوبة مما كنا نتوقع لأسباب كثيرة، فهناك حالة من الفوضى والفصائلية فضلا  عن تحكم تركيا ورغبتها الواضحة  في البقاء طويلا في تلك المنطقة الأمر الذي يدفعها إلى بث عدم الاستقرار وإنشاء سياسات احتلالية بعيدة المدى ، إلى جانب وجود ما يسمى “هيئة تحرير الشام” التي هي جزء من تنظيم “القاعدة” وابتعاد المجتمع الدولي في ظل الحرب الأوكرانية- الروسية”. 

وأشار محدثنا إلى مساعي الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية مع قوات التحالف والشركاء الدوليين لبسط الأمن والاستقرار في ظل نشاط دائم لخلايا “داعش” والتهديدات التركية المستمرة.. لقد كان بالإمكان  تحقيق حلول مستدامة للأزمة السورية لولا تدخل تركيا وإيران وروسيا”.

وضع اقتصادي مهترئ
من جانبه يرى الدكتور والخبير الاقتصادي باسل كويفي، في حديث مع المرصد السوري ، أنّ الوضع الأمني أثّر اقتصاديا على المنطقة ككل، مشيرا إلى أن خطط التنمية الحكومية منذ 1963 كانت غير متوازنة بالنسبة لشمال سورية باستثناء مدينة حلب التي كان لنشاط مواطنيها الاقتصادي المتراكم دور هام في حركة الإنتاج الزراعي والتجاري في مناطق شمال سورية شرقاً وغرباً، وبالتالي فإن النشاطات والفعاليات الاقتصادية في الشمال السوري ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بدورة الاقتصاد الكلي في مدينة حلب ، وقد تبدو بعض الظواهر الاقتصادية النشطة المحلية مستندة إلى بناء سد الفرات ومدينة الطبقة  (محافظة الرقة في ثمانينات القرن الماضي) وما تبع ذلك من سكن عمال وخبراء في المنطقة ما أدى  إلى ازدهار في نشاطات ضرورية ، كذلك دفعت الاكتشافات النفطية في محافظتي دير الزور والحسكة إلى تحديث بعض المنشآت السياحية والخدمية لاستقبال الوفود والضيوف والخبراء وتأمين مستلزمات عملهم وسكنهم ، ولا يلحظ التطور في خطط التنمية المستدامة المتوازنة  في محافظات  ريف حلب وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة  بالرغم من أن واردات الخزينة المركزية من تلك المحافظات تشكل ما يزيد تقديرياً عن 50‎%‎من الإنتاج الزراعي ( سلة الغذاء السورية ) والنفط والغاز.

واستطرد محدثنا قائلا: بنفس الوقت لم تكن إدلب- وفق المعايير السابقة- أكثر حظاً من المحافظات الشمالية ، بالرغم من وجود المنفذ البري الأكبر ( باب الهوى ) مع تركيا ومرور قوافل الشاحنات الترانزيت عبرها، وعندما انطلقت الحرب في سورية عام 2011 وضحت هشاشة المجتمعات المحلية وعدم قدرتها على تأمين سبل العيش بعد خروج معظم السلطات المركزية من تلك المناطق إلى جانب التأثيرات الخارجية التي عملت بدأب  على تعميق الشرخ الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع السوري” .

واعتبر  الخبير الاقتصادي أنّ العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية المستحدثة ضد دمشق وحلفائها بذريعة ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على النظام لإجباره على الدخول في “عملية سياسية” لحل الأزمة ، أدّت إلى إفقار السوريين ومنعهم من الوصول إلى أبسط احتياجات البقاء كبشر .. ولو أجرينا مقارنة بين تداعيات الحرب والفساد وسوء التخطيط والادارة البيروقراطية المركزية والسياسات الاقتصادية – الاجتماعية المترهلة وجائحة كورونا والكوارث الطبيعية إلخ…  وما فعلته العقوبات بمعيشة السوريين واقتصادهم ، لرجحت كفّة العقوبات بوضوح، ولأسباب عديدة ، لأنها عطلت اقتصاد بلد بالكامل “.

ومع استمرار سريان العقوبات الغربية وضعف سياسات الاستجابة المحلية ، تفاقم الوضع المعيشي الصعب الذي تواجهه 95% من الأسر السورية ( حسب إحصاءات عالمية )  وأضحت بحاجة إلى مساعدة ودعم ،في ضوء محدودية الدخل المتأثر بالوضع الاقتصادي العام، والارتفاع المتزايد لمعدل التضخم .. وتجدر الإشارة هنا إلى أن النسب أعلاه تشمل معظم الجغرافيا الوطنية كاملة، وإن تباينت النسب بين منطقة وأخرى لاعتبارات معينة”.

على خطّ موازٍ،  أفاد  باسل كويفي بأنّ حالة الاستقرار النسبي التي عاشتها المحافظات الشمالية الشرقية ، خلال فترة الحرب ونشاط المنظمات الدولية فيها والسيطرة على معظم حقول النفط والغاز من قبل الادارة الذاتية والحصول على مواردها ،  ساهمت في الحد من تعمق الفقر وانعدام الأمن الغذائي وفتح مسارات جديدة للعمل : وبالعودة إلى شمال غرب ،  كانت الصور الذهنية المترسّخة عن إدلب في عقول السوريين، تبدو متباينة إلى درجة عميقة، وأنها كانت صنيعة المواقف السياسية. فالمحافظة، في نظر شريحة واسعة، مجرّد معقل لـ”الجهاديين” عابري الجنسيات والمسلّحين المدعومين من قطر وتركيا، ومنفى لرافضي التسوية مع الحكومة، وفي نظر شريحة أخرى، هي  الوحيدة “المُحرَّرة” من قبضة النظام ، سواء المدينة نفسها أو جزء ليس بالقليل من ريفها” .

وأضاف: في سورية و محافظاتها ، تتجلى عدالة مؤكدة هي عدالة الحرمان على معظم مواطنيها باستثناء تجار الحرب بالداخل والخارج والمستفيدين الفاسدين من استمرار الحرب ومناطق النفوذ ، فالوضع الصحّي والتعليمي ليس مثالياً بالرغم  من النشاط الكثيف للمنظّمات والعمل الأممي في هذا القطاع ( في محافظات الشمال ) إلى جانب النقص الحاصل في الخدمات والاحتياجات الصحّية والمدرسية لمعظم مناطق سورية. 

واستدرك بالقول: لكن ما يُتخوَّف منه – وهو محتمَل بالفعل – أن تصبح المؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية للمحافظات الشمالية مشابِهة لتلك السائدة قبل الحرب، لجهة التغيّرات التي سوف تشهدها  في ظل سياسات حكومية ضبابية وندرة القدرات والكفاءات  لإعادة تدوير عجلة الإنتاج لتنشيط الاقتصاد ودعمه وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة في توفير احتياجات المواطنين ، وباعتقادي أن كل الطروحات الممكنة لذلك تتجلى بأولويات الحل السياسي والديمقراطية وسيادة القانون واللامركزية الإدارية وخروج الاحتلالات من الأراضي السورية ، وعندها يمكن الحديث عن  تجاوز الأزمة الاقتصادية والانهيار الاقتصادي الذي تم شرح معظم أسبابه سابقاً .

وحول الإصلاحات، أفاد بضرورة البدء  في إجراءات الحوكمة الاقتصادية والتعافي المبكر وإعادة الإعمار ، مع تعديل مسار السياسات الاقتصادية الحالية ضمن خطة طوارئ تضم مجموعة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية والمؤسساتية المترابطة، بما فيها تحسين مناخ الاستثمار وترميم البنى التحتية ورفع مستوى المؤسسة الإنتاجية وإعادة وتحسين الأداء المصرفي والمالي والضريبي وغيره من الإجراءات والسياسات المتعلقة بالشفافية الكاملة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي  ومشاركة المجتمع المدني في العمل على اتخاذ القرار والرقابة على المؤسسات  واستعادة رأس المال المادي والبشري عبر التحفيز الاستثماري والمساواة وخلق فرص عمل حقيقية ، مع ترميم وتأهيل البنى التحتية بشكل كامل ، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ، وإعطاء الأولوية لقطاع الإنتاج الزراعي والصناعي والحدّ من اقتصاد الظل الذي تنامى خلال الأزمة مع إيجاد آلية فعالة للحد من الفساد مع ما يرافقه من إعادة جادة وجذرية لتوزيع الدخل “.

 ودعا إلى إنشاء شبكة حماية اجتماعية لمساعدة الأسر المحتاجة والفقيرة، ووضع خطط للتنمية المستدامة المتوازنة والعادلة على كل الجغرافيا السورية يتم تنفيذها من المحليات المنتخبة ديموقراطياً وبقانون انتخابي حديث .