العائلات السورية الخارجة من الهول.. بين الواقع المعيشي الصعب وتغافل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية

69

أفرزت الحرب السورية الدائرة رحاها منذ 2011 نتائج وهجرات كانت كارثية على المجتمع السوري وأدت إلى ظهور أمور حتمية جعلت المجتمع ينقسم إلى غاد مهجر من منطقته، و باد نازح في مخيمات النزوح التي أضحت كما الشامات في الجسد على كامل الجغرافية السورية .
ومع دخول العام الحادي العشر من عمر الثورة السورية وبالتحديد منطقة شمال سوريا، تشكلت نتيجة الصراع الذي مازال مستمراً عدة مخيمات في المنطقة التي مازالت القوى الإقليمية والدولية تحولها لساحة صراع وحسابات لمصالحها، والأبرز منها كانت الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي انكفئ وتقهقر من شمال وشرق سوريا منذ العامين 2017 بالرقة وآخرها بالباغوز بدير الزور 2018، وهو مانتج عنه تشكيل مخيم ” الهول ” ومخيم “روج” اللذان ضما عوائل عناصر تنظيم الدولة بالإضافة للمدنيين الذين اصطحبهما التنظيم إبان انسحابه من مناطقه خلال الحرب .
خلال الأعوام 2019-2020-2021 ومن خلال مناشدات عدة من شيوخ ووجهاء العشائر، تم كفالة المئات من عوائل مخيم الهول بعد ثبوت خلو سجلهم الأمني من أي جرائم وانتهاكات، وتم خروجهم على خمس دفعات ليبلغ العدد الإجمالي للعوائل الخارجة إلى الرقة 1200 عائلة من بينهم 3200 طفل، وفدوا إلى الرقة في إطار إعادة دمجهم بالمجتمع ليعودا لسابق عهدهم .
ويفيد ناشطوا المرصد السوري بالرقة، أن غالبية الأطفال الخارجين لا يحملون بطاقات وثبوتيات تسجيل، سوى ورقيات تم منحهم إياها من قبل إدارة مخيم الهول أثناء تواجدهم، مما فاقم الوضع الأصعب وتحول الأمر ل”قيد مكتوم “، أي أن الأم هي سورية تحمل الجنسية أما الأب فهو من جنسية عربية أو أجنبية.
المعضلة الأخطر كانت هي الأمهات القاصرات اللواتي تزوجن بعمر دون السن القانوني “13-14” ودون 18، ودون وجود عقد قران رسمي ومثبت بشكل رسمي كونها قاصر وماتزال، وغالبيتهن أنجبت عدة أطفال وأصبحن ربات أسر لكن دون قيود .
بدوره تحدث الشيخ هويدي شلاش المجحم في تصريح سابق للمرصد السوري : العوائل السورية في مخيم الهول تعيش أسوء ظروف حياتها في بيئة مليئة بالتطرف والعنف من قبل باقي النساء من جنسيات أخرى , وتعرضت العديد من السوريات للتعنيف والتهديد، والأطفلا بشكل تلقائي قد تطرفوا وحملاوا أفكاراً تعنف المجتمع وتحولت ذهنية الأطفال إلى حقد وعنف وشعارات تندد بالقتل .
ويضيف المجحم : قمت وشيوخ عشائر الرقة بكفالة العوائل من الرقاويات بعد مطالبة أهليهن بإنقاذهن من التواجد في المخيم والكفالة بعودتهن إلى الحياة خاصة أن الغالبية من تلك النساء يعتبرن من القاصرات ونستطيع إعادة تأهيلهن من جديد .
بدوره قال بشار الكراف مدير منظمة أكسجين للمرصد السوري : الرقة بعد تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية أصبحت هي سوريا المصغرة بعد توافد العديد من العوائل المهجرة من المحافظات الأخرى إليها، وهي ملاذ آمن بعد توافر مقومات الحياة فيها، ونحن كناشطين محليين أخذنا على عاتقنا تقاسم ظروف الحياة مع اخوتنا السورية، والفئة الأكثر تضررا هي كانت عوائل خارجة من مخيم الهول التي بلغت 1200 عائلة، وتم دمجهم وتأمين مأوى لهم مع عوائل من الرقة وجلهم كان من الأطفال.
ويتابع الكراف للمرصد : كانت المسألة الأصعب هي إعادة دمج الأطفال من عوائل التنظيم الذين كانت بيئة مخيم الهول قد حولتهم لأشبال الخلافة كونه ضم جنسيات أجنبية أخرى، وهو بعيد كل البعد عن ذهنية وبيئة الرقة، وبناءاً عليه قررنا تشكيل لجنة حل النزاع بالرقة التي ضمت عشرة شخصيات فاعلة وحقوقية وعشائرية، معنية بمتابعة أوضاع العوائل الخارجة من الهول وتفعيل برامج إعادة التأهيل للنساء وفق مشاريع سبل عيش ومهن نسوية وتأمين عمل لذوات التحصيل الجامعي والخبرة، وبالنسبة للأطفال تم إخضاع الأطفال من جميع الأعمار لدورات تعليمية ودعم نفسي، وتقوية للقراءة والكتابة من جديد، وبناء عليه وبالتعاون مع لجنة التربية والتعليم بالرقة تم إخضاع الأطفال مافوق 8 سنوات لسبر معلومات وتم إعادة أكثر من 100 طفل إلى المقعد الدراسي في المدارس وهو يعتبر الإنجاز الأهم .
القاضي محمد الدعيل وهو عضو بلجنة حل النزاع تحدث للمرصد السوري : قمنا منذ تأسيس اللجنة بمتابعة أوضاع العوائل من نساء وأطفال وإخراج بطاقات تعريفية بالتعاون مع السجل المدني بالرقة، لإعطاء تلك العوائل بطاقات تعريفية وإخراج قيد مؤقت للتخلص من “قيود مكتومة ” واستندنا على البطاقات التعريفية السابقة التي أرفقت من إدارة مخيم الهول، وبحيث تستفيد تلك الأسر من مستحقات المساعدات والخبز والمحروقات شأنها كشأن باقي العوائل .
تقول “أم علي “42 عاماً وهي إحدى النساء الخارجة من مخيم الهول وهي من منطقة “صليبة ” باللاذقية للمرصد السوري :
خرجت وزوجة أخي وأطفالي الأربعة وأطفال أخي الثلاثة منذ عامين من مخيم الهول بعد أن بقينا فيه ثلاثة أعوام، وسكنت بمنزل في حي الفردوس بالرقة، عن طريق أهل الخير الذين لم يتوانوا هم والجوار من تأمين مستلزماتنا وهو أمر ليس بغريب عن أهل الرقة، ومن خلال لجنة حل النزاع بالرقة ومنظمة أكسجين، تم تسجسل الأطفال لدورات دعم نفسي وأعادة تأهيل بالإضافة لدورات نسوية لي ولزوجة أخي “مسجون كونه من عناصر التنظيم بالحسكة” ولكن ظروف المعيشة ماتزال منهكة، خاصة في تأمين فرصة عمل.
وتتابع ” أم علي ” : لم تشملنا مستحقات أو إعانات غذائية أو نقدية بسبب عدم وجود دفتر عائلة رسمي وهو يعتبر من الضرورات للمنظمات للتسجيل , بالإضافة لمستحقات المازوت التي لم نحصل عليها لا العام الماضي ولا العام الحالي، وماينغص علي معيشتي عدم قدرتي على العودة إلى مدينتي ” اللاذقية ” كونها تحت سيطرة النظام.
تقطن ثلاثة عوائل من دير الزور والرقة وحلب جمعتهم ظروف المخيم ” الهول ” في مأوى بسيط مقصوف في حي البدو بالرقة، ويضم المنزل المتهالك أكثر من 11 طفلاً وأربع نساء من الخارجات من مخيم الهول.
تصف أم سالم “38 عاماً” من ديرالزور للمرصد السوري  الحال قائلة : منذ عامين خرجنا من “دويلة الهول ” بعد أن مورست علينا أقسى المعاملة من قبل بعض المتطرفات، وتم إحراق أحدى الخيام علينا بفعل أحداهن بدعوى عدم التقيد باللباس الشرعي، مم اضطرني وعديد من عوائل الرقة وحلب وديرالزور للتسجيل على كفالة للخروج من المخيم .
وتقول ” أم سالم “: استطعنا الخروج بكفالة الشيخ هويدي الشلاش المجحم شيخ قبيلة العادلة العفادلة، الذي قام بدوره بتأمين مأوى لنا وقطنت وأخت من الرقة تخلى عنها أهلها، وأخت من حلب في المنزل، بالرغم من تهالك المنزل الذي لايقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وغياب أي دعم معاشي أو إغاثي من قبل المنظمات قد جعل الأمر أسوء بالنسبة لنا، ولم نستفيد من مستحقات المازوت أو منح نقدية والأمر الأشد غياب المعيل فنحن أربعة نساء وأحد عشر طفلاً نحتاج مصاريف باهظة في المأكل والملبس والمشرب بالإضافة لحلول فصل الشتاء الذي فاقم الأمر بشكل أكبر علينا .