العفو عن المعتقلين في سجون النظام السوري ذر رماد في العيون

في ظل استباحة الحقوق والوضع القضائي في سورية.. العفو استثنى المعتقلين ممن قتل إنسان أو ينتمي إلى منظمات إرهابية أو يرتبط مع دول أخرى

740

لا تجد الأنظمة الديكتاتورية طريقة للتعامل مع معارضيها غير استعمال الاعتقال كحل لإسكاتهم وإبعادهم. وعانى الشعب السوري من نار الاعتقال والتنكيل من قبل السلطة و الجماعات المسلّحة على حدّ سواء، حيث يقبع آلاف منهم في المعتقلات وغيّب آخرون قسريا، دون معرفة مصيرهم إلى اليوم إن كانوا أحياء أو قد وافتهم المنية. ويحذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من استمرار استخدام القوة والتنكيل  لإرضاخ السوريين بالقوة ويؤكّد أن القوة لم تكن مرة الحلّ لفضّ النزاعات والصراعات والاختلافات، فطالما نّجدّد  إيماننا العميق بالحوار والتواصل بين المجموعات المتصارعة والجلوس إلى طاولة الحوار بعيدا عن منطق العنف والتبرير بالاعتقال وحرصا منّ على كرامة شعبنا انطلاقا من التزامنا بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وكرامته وحريته.
واعتبر المرصد السوري أنّ حادثة الإفراج عن العشرات فقط من المعتقلين ما هو إلا ذرّ رماد في العيون، مشددا على أنها جاءت بعد فضيحة –مجزرة التضامن- مايثير الشكوك من أن العفو أتى للتغطية فقط.
وكانت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، قد نشرت قبل صدور العفو بأيام مقطعا مصورا قالت إن مجندا في مليشيا موالية للنظام سربه، يظهر قتل قوات “الفرع 227” التابع لمخابرات النظام العسكرية، 41 شخصا على الأقل وإحراق جثثهم في حي “التضامن” بالعاصمة دمشق في 16 أبريل 2013.
وترى الناشطة الحقوقية جيهان خلف، في حديث مع المرصد السوري  لحقوق الإنسان، أن الأعمال التي تقوم بها اللجنة الدولية لشؤون المفقودين  والمعروفة ب ICMP والقائمة على معاهدة دولية بين الأطراف التي وقعت عليها، كبيرة ومؤثّرة، معتبرة أنّها ليست آلية مسائلة أو محاسبة  بل تقتصر أعمالها على التبليغ فقط عن بعض المفقودين وتسعى إلى الاحتفاظ بالأسماء المفقودين وبياناتهم ضمن أرشيفها.
ولفتت إلى أن هذه اللجنة لا تتعامل مع النظام السوري وممنوعة  من الدخول إلى سورية، إضافة إلى عدم وجود بيئة آمنة واستقرار لتقوم بأعمالها، مع غياب وجود مشروعية قانونية و قرار سياسي دولي يلزم النظام على العمل مع اللجنة بخصوص ملف المعتقلين والمفقودين.
وأشارت محدثتنا إلى وجود الفريق العامل بالاعتقال التعسفي الذي يضطلع بولاية التحقيق في حالات الحرمان من الحرية المفروضة بطريقة تعسفية أو التي لا تتوافق على أي نحو آخر مع المعايير الدولية ذات الصلة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو في الصكوك القانونية الدولية ذات الصلة المقبولة من الدول المعنية، حيث يحقق هذا الفريق في حالات الاحتجاز التعسفي المزعومة، وذلك بتوجيه نداءات عاجلة ورسائل إلى الحكومات المعنية لتوضيح هذه الحالات أو توجيه نظرها إليها، كما ينظر الفريق العامل في الشكاوى الفردية بموجب إجراء تقديم البلاغات الخاص به، والذي يؤدي إلى اعتماد الآراء إزاء الطابع التعسفي للاحتجاز، بالإضافة إلى ذلك، يجري الفريق العامل زيارات قطرية بهدف تقييم حالة الحرمان من الحرية في البلد، وفق  قولها.
وأردفت جيهان خلف أنّ الصراع في سورية يجب ألا يُستخدم كحجة لقيام الحكومة بمضايقة واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان، ومهاجمة الآراء الحرة الثائرة.
وتابعت، إنّ صلاحية وولاية هذا الفريق تتجلّى في مطالبة الحكومة السورية ووفق ما التزمت به بالإجابة والتفسير عن مصير أي شخص قد تمّ إعتقاله تعسفيا أو تم إختفائه بعد الاعتقال والكشف عن الجهة التي ارتكبت ذلك التجاوز ، لكن رد الحكومة السورية كان واضحا اللامبالاة التامة وكأن الملف لايعنيها وليست المسؤولة عنه بل المتورطة في
وطالبت بإحالة اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ سورية إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻋﻲ اﻟﻌﺎم” ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ اﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ الدولية” علما وأن ذلك يصطدم بعدم خضوع بعض الدول في مجلس الأمن الدولي للمحكمة الجنائية الدولية مثل الولايات المتحدة الامريكية وكذلك انسحاب روسيا من تلك المحكمة.
وشددت على ضرورة اﻟﺴﻤﺎح للمنظمات ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن بالدﺧﻮل إلى سورية دون ﻣﻌﻮﻗﺎت وتضييقات ورقابة، والتسريع بفرض ﻋﻘﻮﺑﺎت ﺗﺴﺘﻬﺪف اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻋﻦ ﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺤﺮب واﻟﺠﺮاﺋﻢ ﺿﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻘﺮار ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﻦ اﻟﺪوﻟﻲ    2139 ومن ضمنها الاختفاء القسري.
وأضافت، في حال إخفاق مجلس الأمن كالعادة في النزاع السوري  فاننا نطلب مناشدة الجمعية العمومية للأمم المتحدة تحت بند الاتحاد من أجل السلام  للقيام بالواجب المنوط حيال تلك المسألة، والضغط على حلفاء الحكومة السورية بعدم استعمال حق النقض الفيتو حيال البحث في حالات الاختفاء القسري لما تمثله من معيار أخلاقي لايمكن المساومة فيه واعتبار الجهات المتدخلة فيه تتحمل مسؤوليتها سيما أنها متدخلة بشكل واضح مثل القوات الأمنية الخاصة المعروفة فاغنر والمليشيات الإيرانية والأفغانية والتنظيمات الأخرى مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” وتحرير الشام وغيرها باعتبار تلك الحالة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وتطرقت الناشطة الحقوقية إلى أهمية تسليط الضغط عبر كافة الوسائل حتى على حلفاء الحكومة السورية، كروسيا وإيران، لتشجيع الحكومة على إلغاء القوانين الإشكالية التي تشكل عقبات أمام حالات الاختفاء عبر تفعيل  المحكمة الدستورية لمخالفتها للدستور السوري أو بسن قوانين جديدة.
وناشدت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الفاعلة المؤثرة على ضرورة إيصال صوت السوريين والمعتقلين ومعاناتهم للعالم والضغط دوليا لكشف مصيرهم ومعرفة الحقائق التي يسعى النظام وحلفائه للتغطية عليها لاعتبارها مخالفة للقوانين الدولية بل ترتقي لجرائم الحرب.
من جانبه يرى الضابط المنشق خالد طه في حديثه مع المرصد السوري، أنه وجب العمل مع مؤسسات حقوق الانسان واللجان الدولية ضمن أطر ورعاية أممية  لضمان الكشف عن مصير المعتقليين والمختطفين والمغيبين قسريا.
وأشار إلى أهمية تشكيل فريق دولي يتم تشكيله بإشراف المجتمع الدولي وأصدقاء الشعب السوري والمنظمات الحقوقية الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان لوضع خطة واستراتيجية تعرّي حقيقة هذا الملف الشائك وتكشف ألاعيب وأساليب النظام ومن يدعمه للتغطية عن الملف، معتبرا أنه ملف إنساني مأساوي اكتوى بنتائجه أغلب أبناء الشعب السوري.
وتحدّث عن أهمية العمل الجماعي بين المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي لإيقاف اي مؤتمرات بخصوص المبعوث الدولي لسورية إلى حين وضع ملف المعتقلين كأولوية لحل الملف السوري المعقّد.
ولفت إلى أن هناك حديث عن ابتزاز مادي وجنسي لأهالي المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسريا الذي يسعون لمعرفة أي معلومات عن ذويهم، واصفا ذلك بغير الأخلاقي والمشين-يتلاعبون بمآسي الناس ويرقصون على جراحهم-
وتساءل، -أين المغيبين والمعتقلين منذ بداية الثورة والثوار الفاعلين ونذكر منهم على سبيل المثال الدكتورة رانيا العباسي وأطفالها الخمسة مع زوجها وعبد العزيز الخير والمقدم حسين الهرموش والنقيب يامن طه والاسماء كثيرة والقائمة تطول، لا نعرف أية معلومة على مصيرهم ونتمنى أن لا يكون مأساوي-.
من جانبه أفاد السياسي المعارض وعضو المؤتمر السوري لاستعادة السيادة السورية، يونس كنهوش، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن المرسوم التشريعي رقم /7/ لعام /2022 /  قد تضمّن عفواً عاماً عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ /2022/4/30، مشيرا إلى المرسوم قد استثنى من قام بقتل إنسان ، أو يثبت انتمائه إلى منظمات إرهابية أو ارتباطه مع دول أخرى ،قائلا،- ولو دققنا جيداً في مضمون هاتين الفقرتين ومن خلال الوضع القضائي العام المعدوم عملياً والحقوق المستباحة أصلاً ومن خلال هذا الواقع فقد نستنتج أنه من السهل على هذا النظام أن يجرم أي إنسان قد يسبب لهم أي إزعاج أو لا يرغبون به لأسباب مختلفة وأن يُجَرَمْ تحت إحدى هاتين الفقرتين حيث لا يمكن للمواطن أن يدافع عن حاله ليثبت براءته ومن هنا نستنتج أن مرسوم الإعفاء  هذا قد أُفْرِغَ من مضمونه فأنت متهم حتى تثبت براءتك-.
ويعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عشرات آلاف المعتقلين لا زالوا في غياهب السجون ينتظرون ميلادا جديدا بالحرية المطلقة، فمتى ستعانق عيونهم ضوء الشمس من خارج أسوار السجون؟ من تراه يمكن أن يسقي آمال أصحابها بماء الحياة ومعين الخلاص؟ من سيعيد الاعتبار بموقف مشرف إلى تضحية أولئك المغيبين خلف أسوار النسيان؟